- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
هل يستحق برنامج إيران النووي الثمن الذي تدفعه طهران
هل يستحق برنامج إيران النووي الثمن الذي تدفعه طهران
- 27 أبريل 2021, 7:01:08 م
- 731
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كان من الصعب على المصادر المستقلة تقييم التقدم الذي أحرزه البرنامج النووي الإيراني على مدى الأعوام الـ 5 الماضية، ولكن مما لا شك فيه أن البرنامج تقدم بشكل كبير. وقدمت مصادر مختلفة تقديرات متباينة لإجمالي استثمارات إيران في برنامجها النووي. وبالنظر إلى الأيديولوجية السائدة في سياسة إيران الخارجية والجدل حول ميزان القوى في المنطقة، فمن غير المتوقع توقف البرنامج النووي الإيراني تماما.
إذن كيف يُنظر إلى مستقبل البرنامج النووي الإيراني في ظل خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015؟ حسنا، حتى عام 2024، تقتصر إيران على 5 آلاف و60 جهاز طرد مركزي من الجيل الأول. وعند انتهاء الاتفاقية، يُسمح لإيران ببناء جيل أحدث وأكثر تقدما من أجهزة الطرد المركزي.
وفي الوقت الحالي، فإن "وقت الاختراق" المطلوب لإيران لبناء قنبلة ذرية هو عام واحد، لكن هذا الإطار الزمني سيتم اختصاره مع تحسن تكنولوجيا أجهزة الطرد المركزي الإيرانية ومخزونات اليورانيوم عالي التخصيب.
وتسببت تهديدات إيران المتكررة بزيادة التخصيب لأكثر من الحد المتفق عليه وبالتالي تقليل الوقت اللازم لبناء قنبلة، في تقويض الثقة في الدبلوماسية النووية الإيرانية في حقبة ما بعد خطة العمل الشاملة المشتركة.
الردع النووي والعبء الاقتصادي
ويعتقد بعض الخبراء في الشأن الإيراني أن استمرار إيران في برنامجها النووي وامتلاكها أسلحة نووية سيسمح لها بمواصلة التنمية الاقتصادية في مأمن من تهديد العمليات العسكرية الأمريكية. وبشكل عام، لدى إيران 3 خيارات فيما يتعلق ببرنامجها النووي. أولا، يمكنها التخلي عن كامل برنامجها النووي سعيا وراء السلام. ثانيا، يمكنها استخدام التخصيب النووي كورقة مساومة لتخفيف العقوبات من خلال المفاوضات الحالية. وأخيرا، يمكنها التضحية بكل شيء في مقابل الحصول على سلاح نووي.
ومن الواضح أن الخيار الأول ليس واقعيا وليس من بين خيارات النظام الإيراني. ولن يفشل التخلي عن البرنامج النووي في حل مشكلة إيران الأمنية فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى مضاعفة المخاوف الأمنية لصانعي القرار والنخب الإيرانية. ولا يوجد شيء يمكن تكسبه طهران من الخيار الثاني، فلم تنجح جولة المفاوضات السابقة التي استمرت ما يقرب من عقدين من الزمن، في إيجاد حل للتحديات الوجودية التي تواجهها إيران. وفي الواقع، يمكن القول إنها أدت إلى تفاقم مشكلات إيران على الأرجح.
لذلك، فإن الخيار الأخير والأكثر ترجيحا لدى إيران هو الوصول إلى الردع النووي. ويمكن القول إن امتلاك إيران للسلاح النووي، وتحقيق الردع النهائي، هو الخيار الوحيد المتاح أمام إيران لتأمين بقائها والالتزام الكامل بالتنمية الاقتصادية.
ومع ذلك، لا شك أن هناك العديد من التحديات أمام استراتيجية الردع النووي. ووفقا لتقرير من مؤسسة "كارنيجي" عام 2013 كتبه محلل الشأن الإيراني "كريم سجادبور"، كانت هناك حاجة إلى ما يقرب من 100 مليار دولار لتغطية تكاليف البناء والتشغيل والبحث في ظل العقوبات الدولية المفروضة على الطاقة النووية.
وفي عام 2015، قدر "سجادبور" أن التكلفة على إيران ستصل قريبا إلى 500 مليار دولار. كما أن هذه التكلفة لا تشمل الجوانب غير القابلة للقياس الكمي. على سبيل المثال، بسبب العقوبات الأمريكية، لم تتمكن إيران من الوصول إلى الأسواق الخارجية، ما أدى إلى عيوب طويلة الأجل للاقتصاد. وبالرغم من ذلك، لم تتراجع عزيمة إيران أو تستسلم للتكاليف الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن العقوبات، واستمرت في متابعة طموحاتها النووية.
وتوجد تقديرات أخرى مختلفة. ففي 11 مارس/آذار 2021، قال نائب الرئيس الإيراني رئيس هيئة الطاقة الذرية "علي أكبر صالحي" إن الميزانية الإجمالية لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية خلال الـ 30 عاما الماضية كانت بين 6.5 إلى 7 مليارات دولار، أو 250 مليون دولار كل عام. وكان الرئيس السابق "محمود أحمدي نجاد" قد قدر في وقت سابق أن أنشطة إيران النووية كلفت البلاد أكثر من 30 مليار دولار على مدار عمرها.
ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" قوله إن وقف البرنامج النووي الإيراني كان من أهم أولوياته. وفي دفاعه عن معارضته للاتفاق النووي، قال: "لقد تخلفت إيران عن الركب لأعوام بسبب ما فعلته، وبسبب ما سأفعله، لن يكون لديهم سلاح نووي أبدا. طالما أنني رئيس الوزراء، لن تمتلك إيران أبدا قنبلة نووية".
وكان "نتنياهو" قد أبدى مرارا وتكرارا معارضته لبرنامج إيران النووي وحذر من العواقب الخطيرة لإيران النووية على الأمن القومي لإسرائيل.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، تحدث المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية "رافائيل جروسي" إلى شبكة "سي بي إس نيوز" حول "خطر البرنامج النووي" بين إيران وكوريا الشمالية، وانتقد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، قائلا إن انسحاب "ترامب" أحادي الجانب من الاتفاق النووي مع إيران يهدد بتسريع امتلاكها لسلاح نووي. وقال: "منذ ذلك الحين، قررت إيران تقليص التزامها تدريجيا ردا على الانسحاب الأمريكي.. وتواصل إيران برنامجها النووي بشكل علني".
ماذا يوجد على أجندة عام 2021؟
يقول الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إنه يفضل العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، لكنه يصر على أن إيران يجب أن تتوقف أولا عن انتهاك شروط الاتفاق. ودعا كذلك الاتحاد الأوروبي إلى إجراء مفاوضات على أمل أن تمتثل إيران لهذا الشرط.
وبالرغم من مشاركة وفد أمريكي في المحادثات الجارية في فيينا، إلا أن المسؤولين الأمريكيين لم يلتقوا بشكل مباشر مع المسؤولين الإيرانيين. وبدلا من ذلك، يتوسط دبلوماسيون من دول أخرى في المحادثات بين الجانبين.
وبعد بدء المحادثات، أعاد المسؤولون الإيرانيون التأكيد على عزمهم الامتثال الكامل للاتفاق، لكن للقيام بذلك، يطلبون من الولايات المتحدة رفع جميع العقوبات المفروضة في عهد "ترامب". ومع ذلك، فهذه قضية معقدة، حيث فرضت إدارة "ترامب" عقوبات إضافية على إيران تتعلق بالإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان وبرنامج الصواريخ الباليستية، وكلها خارج نطاق البرنامج النووي الإيراني.
وبالرغم أن رفع جميع العقوبات قد يبدو هدفا صعبا، إلا أن الاتفاق النووي لعام 2015 قد يجعل العملية أسهل، وفقا للخبراء. وقال "ميخائيل أوليانوف"، الممثل الروسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمسؤول عن الإشراف على البرنامج النووي الإيراني، إن المفاوضات التي أجرتها مجموعتي العمل من الخبراء تسير بشكل جيد، وقال إنه "سيتبعها سلسلة من الاجتماعات غير الرسمية بمشاركة الخبراء بأشكال مختلفة".
ومع ذلك، فإن العملية الأخيرة التي أصابت منشأة "نطنز" النووية، بصرف النظر عن تداعياتها الجيوسياسية الهامة، أظهرت أن إيران فشلت في تأمين البنية التحتية للطاقة، وخاصة منشآتها النووية.
وجاء الهجوم بينما كان وزير الدفاع الأمريكي يزور إسرائيل، ومع إعلان إيران عن تطورات جديدة في العلوم النووية في اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية. ويوحي توقيت الهجوم أيضا برسالة من الحكومة الإسرائيلية. ويعتقد بعض الخبراء أن الهدف الرئيسي للهجوم الأخير كان تعطيل مفاوضات إدارة "بايدن" مع إيران لحل المشاكل القائمة والتوصل إلى اتفاق جديد.
وسوف تستخدم إسرائيل كل مواردها للحفاظ على أمنها القومي وتعطيل برامج إيران النووية والصاروخية. في الوقت نفسه، قال الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" إن المحادثات بشأن الاتفاق النووي مع إيران يجب أن تكون صارمة للغاية ويجب إشراك دول المنطقة، بما في ذلك السعودية. وقال "ماكرون" في مؤتمر صحفي إن الوقت ضيق لمنع إيران من حيازة سلاح نووي.
وفي الأشهر التي تلت دخول "بايدن" البيت الأبيض، أصرت إيران مرارا وتكرارا على أنه ينبغي على الولايات المتحدة رفع "جميع العقوبات" كشرط مسبق للمفاوضات النووية. ومع ذلك، أدركت إيران على ما يبدو أن طلبها بالرفع الكامل للعقوبات لن يتم تلبيته.
وبالإضافة إلى التشدد الدبلوماسي، سعت إيران للضغط على الولايات المتحدة من خلال الترويج أن الإدارة الإيرانية القادمة ستكون أقل تماشيا مع المصالح الأمريكية. وكان وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" قد أشار إلى تأثير الانتخابات الإيرانية في يونيو/حزيران على أي مفاوضات، وحذر من أن الولايات المتحدة يجب أن تتحرك بسرعة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.
ومن جهته، شدد "روبرت مالي" على أن الانتخابات المقبلة في إيرانلا تؤثر على الجدول الزمني الأمريكي للمفاوضات مع طهران. ووفقا لـ"مالي"، فإن معيار السرعة يرتبط بمدى توافق هذه المفاوضات مع مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة. بعبارة أخرى، لن تكترث العملية بالانتخابات الإيرانية.
ولم يتمكن الاقتصاد الإيراني، الذي يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط، من الاستفادة من صادرات النفط في الأعوام الأخيرة بسبب العقوبات الأمريكية، وتراجعت عائدات البلاد من النقد الأجنبي. وبالرغم من ذلك، حاولت الحكومة الإيرانية توفير الموارد المالية اللازمة لاستمرار البرنامج النووي والصاروخي.
وتبقى الطريقة الوحيدة لإبطاء البرنامج النووي الإيراني هي التخفيف الجدي للعقوبات من خلال إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. ويجب أن تأخذ أي اتفاقية جديدة بعين الاعتبار المخاوف الأمنية لحلفاء الولايات المتحدة التقليديين، وخاصة إسرائيل، بالرغم أنه من المتوقع أن تقدم الاتفاقية الجديدة بعض التنازلات لإيران قد تساعدها في إنجاح برنامجها النووي.
وأخيرا، إذا تم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق يجب أن يعرف الشعب الإيراني لماذا تم إنفاق الكثير من الموارد الوطنية على البرنامج النووي لعقود من الزمن، خاصة أثناء الأزمة الاقتصادية المستمرة؟
في النهاية، مهما فعلت إيران، فإن قرارها بشأن البرنامج النووي يمكن أن يخلق أزمة أمنية في المنطقة، حيث أن استمرار البرنامج رغم الضغوط الدولية سيؤدي زيادة المنافسة النووية في المنطقة. وبالنظر إلى أن إيران، بمواردها الهائلة من النفط والغاز، والموارد التعليمية والأكاديمية، لم تكن قادرة بعد على أن تصبح دولة متقدمة، فهل سيمهد الردع النووي الطريق للتنمية المستدامة لإيران؟
حتى الآن، يبقى الجواب غير واضح. ومع ذلك، فإن خفض التصعيد تجاه دول المنطقة والقوى العالمية، مع الحفاظ على مصالحها الوطنية الأساسية، سيكون عاملا فعالا في حل مشاكل إيران الداخلية والإقليمية.
المصدر: أوميد شكري كاليسار - منتدى الخليج الدولي