وثائق سرية تكشف علاقة فاغنر بأطراف الحرب السودانية

profile
  • clock 24 أبريل 2023, 12:42:57 ص
  • eye 247
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعدته كاثرين هاورلد وديتون بينيت وروبن ديكسون حول علاقة المرتزقة الروس مع الجنرالين المتحاربين في السودان، وقالوا إن شركة فاغنر وداعميها سيخسرون الكثير لو دعموا الطرف الخاسر. فعلى مدى السنوات الماضية أقامت مجموعة فاغنر للتعهدات العسكرية، علاقات قريبة مع قوات الأمن السودانية وحاولت استغلال هذه الصلات لدعم المصالح العسكرية والاقتصادية والأمنية الروسية، بما فيها امتيازات التنقيب عن الذهب المثمرة وصفقات السلاح. وفي داخل السودان، قدمت فاغنر في الماضي المعدات والتدريب للقوى الأمنية ونصحت قادة الحكومة وقامت بعمليات تضليل إعلامي حسب وثائق مسربة اطلعت عليها “واشنطن بوست”، إلا أن اندلاع العنف بين الجنرالين المتنافسين والذي أدى لمقتل 400 شخص على الأقل، وضع الكرملين وداعمي الشركة أمام معضلة، لأنهم سيخسرون الكثير لو دعموا الطرف الخاسر. وحتى جلسوا متفرجين فإن انهيار السودان سيمثل نكسة لهم. وعلى المحك، تحالف قوي بين دولتين على تناقض مع الغرب والذي لم يثمر فقط فرصا تجارية وصفقات أسلحة بل و قاعدة عسكرية بحرية على البحر الأحمر. وخلال زيارة للخرطوم في شباط/فبراير، ناقش وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع قادة السودان هدف إكمال القاعدة بنهاية 2023، حسب وثيقة هي جزء من وثائق ديسكورد التي سربها عنصر في الحرس الوطني بالقاعدة الجوية بماساشوشيتس. وحتى هذا الوقت لا توجد أدلة عن تدخل عناصر فاغنر في القتال مع أن مصادر تقول إن ميليشيا ليبية لها علاقة ما بفاغنر أرسلت معدات إلى المقاتلين التابعين للجنرال محمد حمدان دقلو، حميدتي والذي يقود قوات الدعم السريع. ونفت القوات هذه في تغريدة يوم السبت أن تكون هناك لها علاقة مع فاغنر. وكان حميدتي والجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش والحاكم الفعلي للسودان قد تعاونا في تشرين الأول/أكتوبر 2021 في انقلاب لمنع نقل السلطة للمدنيين، لكن العلاقة بينهما توترت بسبب الجدول الزمني لدمج قوات حميدتي في الجيش النظامي. وتلقى حميدتي في الأيام الماضية 30 ناقلة محملة بالوقود وشحنة واحدة على الأقل بالإمدادات العسكرية من أولاد أمير الحرب الليبي، خليفة حفتر، وذلك حسب دبلوماسيين ومسؤولين ليبيين تحدثوا للصحيفة شرط عدم الكشف عن هويتهم. ونفت قوات حفتر أن تكون أرسلت هذه الشحنات. وقال أنس القماطي، مدير معهد الصادق في طرابلس إنه لو أرسل حفتر شحنات أسلحة للسودان فإن فاغنر ستعرف بها، نظرا لاعتماده عليها في حماية مخازن الذخيرة من النهب أو السرقة. وأضاف أن قوات الدعم السريع لديها تاريخ طويل مع قوات حفتر. فقد أرسل حميدتي مقاتليه إلى ليبيا للقتال إلى جانب مرتزقة فاغنر نيابة عن حفتر. وقام مرتزقة فاغنر في 2021 و 2022 بتدريب على الذخيرة الحية لقوات الدعم السريع بالمناطق التي يسيطر عليها حفتر.
وقال القماطي إن فاغنر تقدر علاقاتها مع الدعم السريع لتأمين طريق عبر السودان لمراكز الشركة اللوجيستية في ليبيا والتي تربط الشرق الأوسط وأوروبا بمسرح معاركها في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى. إلا أن تقديم الدعم لقوات حميدتي قد يكون بثمن باهظ لفاغنر وحفتر. فهناك مخاوف داخل قيادة الجيش الوطني الليبي الذي يتزعمه حفتر من أن دعم حميدتي قد يعرض علاقات حفتر مع مصر التي دعمته والقوات السودانية المسلحة بقيادة البرهان. وتحدث حفتر يوم الخميس بالهاتف مع جنرال في جهاز الإستخبارات العسكرية المصرية وتعهد بوقف دعم قوات حميدتي، حسب مسؤول ليبي مطلع على المحادثة. وقال دبلوماسي غربي يتابع الموضوع عن قرب إن روسيا لديها الكثير لخسارته، ففي الوقت الحالي تبدو قوات الدعم السريع ضعيفة وأضعف من قوات الجيش التي لديها القوة الجوية. وقال مؤسس فاغنر يفغيني بريغوجين في بيان وضع على “تلغرام” إنه لا يوجد أي طرف مرتبط بالمجموعة في السودان ومنذ عامين وأن فاغنر لا صلة لها مع أي من الزعيمين المتحاربين و “منذ وقت طويل”. وعرض بريغوجين الوساطة في الأزمة زاعما أن لديه صلات مع كل الأطراف وصناع القرار في البلد. وقال “أنا جاهز دائما لمساعدة السودان” و “الأمم المتحدة والكثيرون يريدون الدم السوداني أما انا فأريد السلام للشعب السوداني، وما يحدث في السودان اليوم ليس ما دربنا القوات السودانية عليه لحمل السلاح. لقد دربناهم لحماية حدودهم”.
وقال سليمان بلدو، من مؤسسة الشفافية ومتابعة السياسة، إن فاغنر حاضرة في السودان منذ 2017، حيث جاءت في الأصل لتدريب القوات المسلحة والدعم السريع، ولكن بريغوجين حصل على تنازلات في مناجم الذهب ومصادقة من الحكم على مصنع لمعالجة الذهب الخام وسط السودان، وقدمت قوات حميدتي حماية أمنية للعمليات. وفي 2020 فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على شركتين في السودان وهما أم انفيست ومروي غولد التي أشرفت على منشأة لمعالجة الذهب، وقالت الولايات المتحدة إنهما ساعدتا بريغوجين على تجنب العقوبات وإجراء عقود بالدولارات رغم أنه ممنوع من النظام المالي الأمريكي. واستبعد بريغوجين وجود منفعة لفاغنر من عمليات الذهب في السودان قائلا “لا توجد صناعة ذهب مهمة في السودان” ولا أرباح منها. وأقام حميدتي علاقات مع القادة الروس وزار موسكو عشية غزو أوكرانيا، وبعد عودته دعا لتطوير العلاقات مع روسيا وتحديدا بناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر والتي ستستقبل 300 شخصا وتستوعب 4 سفن حربية بمن فيها سفينة مزودة بالرؤوس النووية، مقابل حصول السودان على أسلحة ومعدات عسكرية أخرى. وناقش حميدتي والبرهان القاعدة العسكرية مع لافروف أثناء زيارته في شباط/فبراير، ويسيطر الجيش السوداني بقوة على بورتسودان.

بحسب الوثائق، فقد نجحت فاغنر بإنشاء “كونفدرالية” من الدول المعادية للغرب في إفريقيا، في وقت يقوم فيه مرتزقتها بإثارة عدم الاستقرار واستخدام القوى شبه العسكرية وقدرات التضليل الإعلامي لتقوية حلفاء موسكو.

وفي تقرير منفصل شارك فيه غريغ ميلر وروبن ديكسون قالا فيه إن الوثائق السرية المسربة تكشف أيضا عن توسع شركة فاغنر في إفريقيا وسط خفوت للتأثير الأمريكي. وبحسب الوثائق، فقد نجحت فاغنر بإنشاء “كونفدرالية” من الدول المعادية للغرب في إفريقيا، في وقت يقوم فيه مرتزقتها بإثارة عدم الاستقرار واستخدام القوى شبه العسكرية وقدرات التضليل الإعلامي لتقوية حلفاء موسكو. وتشير الصحيفة إلى أن التوسع المتزايد لفاغنر في إفريقيا كان مصدر قلق للمخابرات الأمريكية والمسؤولين العسكريين، بشكل دفع في العام الماضي باتجاه البحث عن طرق لضرب شبكة قواعد وواجهات الشركة باستخدام العقوبات والغارات والهجمات الإلكترونية، حسب الوثائق. وفي الوقت الذي انشغل فيه بريغوجين في الحرب بأوكرانيا ودور مجموعته فيها، فإن المسؤولين بأمريكا صوروا توسع بصمات شبكته عالميا بأنها نقطة ضعف. وتقدم وثيقة عددا من الخيارات التي يمكن للولايات المتحدة وحلفائها استخدامها في جهود عرقلة المجموعة. وتعطي الوثيقة معلومات للقوات الأوكرانية كي تستهدف قادة فاغنر على الأراضي الأوكرانية واستعداد حلفاء لضرب عقد فاغنر في أفريقيا. ورغم هذا، فإن الوثائق تظهر أن جهود سي آي إيه والبنتاغون وبقية الوكالات الأمريكية لم تتسبب إلا بنكسات قليلة على عمل المجموعة خلال السنوات الست الماضية والتي أوجدت لها حضورا في 8 دول إفريقية على الأقل. والضربة العسكرية الوحيدة التي تشير إليها الملفات هي عملية عسكرية ناجحة لم يتحمل مسؤوليتها أحد وتسببت بتدمير طائرة إمداد لوجيستي تابعة لفاغنر في ليبيا. ولا تقدم الوثيقة معلومات حول سبب استهداف الطائرة هذه تحديدا رغم وجود أسطول من الطائرات لها في ليبيا. ويظل أنجح هجوم ضد فاغنر، تلك العملية قرب دير الزور والتي قتلت فيها قوات العمليات الخاصة من دلتا ورينجر مع المقاتلين الأكراد عددا من عناصر فاغنر قرب منشاة للغاز. وبالمجمل تقدم الوثائق صورة عن توسع المجموعة في إفريقيا بدون قيود، وفي وقت تفرض فيه حرب أوكرانيا أعباء على الكرملين. ونتيجة لهذا فقد “رسخ بريغوجين شركته في عدة دول”، حسب وثيقة أمنية و “قوض قدرة كل بلد على قطع العلاقات بخدماته وعرض دول الجوار لنشاطات تؤثر على استقرارها”. ويقول القماطي إن صعود فاغنر يظهر تنافس القوى العظمى على أفريقيا وصعود الأنظمة الديكتاتورية. وأضاف إن الشركة هي “الحل لذلك النوع من المشاكل التي يجد الديكتاتوريون الأفارقة أنفسهم وسطها: مواجهة القوى الديمقراطية؟ نساعدكم في هذا، إما من خلال التلاعب في أوراق الانتخابات أو مواجهة التمردات الوحشية ، كما في جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب ليبيا”. وتكشف الوثائق أن بريغوجين لم يسرع من عملياته في إفريقيا خلال العام الماضي، ولكنه وسع من طموحاته وسلطاته، وغير نهجه من “الاستفادة من الفراغ الأمني إلى خلف عدم استقرار”. وفي شريحة معدة لرئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مايك ميلي والمسؤولين البارزين معه، تقدم ملخصا لطموح بريغوجين و “أجندته الحازمة”، مشيرة إلى خطط لمواجهة التأثير الأمريكي والفرنسي في بوركينا فاسو وإريتريا ومالي وغينيا. وكانت تشاد مركز عمليات القوات الفرنسية لمحاربة المتشددين الإسلاميين، وعبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أهميتها أثناء مشاركته بجنازة الرئيس إدريس ديبي في 2021، وتظهر وثيقة أن فرنسا عبرت عن استعدادها لضرب مصالح فاغنر لو حاولت دعم انقلاب في تشاد. ولم يرد بريغوجين على أسئلة الصحيفة حول التسريبات الجديدة، لكنه اعتبر أي إشارة لدور في زرع الفوضى بتشاد “كلاما فارغا”. وقال إن عملياته في إفريقيا “شريفة ونزيهة” وانها “للدفاع عن الشعوب الإفريقية بمن فيهم المستضعفين على يد العصابات والإرهابين والجيران غير الموثوقين”. إلا أن القماطي قال إن تدخل فاغنر ساعد على تقسيم وشل بلدان “فهم أكثر القوى المثيرة للفوضى وحاضرة اليوم في ليبيا”. وتقول الصحيفة إن عودة روسيا إلى إفريقيا لبناء تأثير وإحياء علاقات الإتحاد السوفيتي السابق يأتي وسط تكالب صيني وأمريكي وقوى أخرى على القارة، ووصف مسؤول من غينيا الإستوائية التدافع الخارجي بأن القارة هي “فتاة جميلة” ويجري وراءها خطاب كثر حسب وثيقة. وفي أخرى تقوم فاغنر باستخراج المصادر من جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان وليبيا.
وإلى جانب كون القارة مصدرا لليورانيوم والذهب، فدولها تعتبر مهمة لصادرات السلاح وعقود الدعم الأمني وتوفير الطاقة النووية المدنية. وزار لافروف عددا من دول القارة بداية هذا العام شملت مالي وجنوب إفريقيا والسودان وذلك قبل قمة الدول الإفريقية في سانت بطرسبرغ. وأعلنت الحكومة الأمريكية عن تصنيف فاغنر كمنظمة إجرامية عابرة للدول. وألمح مدير المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز في كلمة بجامعة جورج تاون لجهود وكالته في مكافحة فاغنر “المنظمة الروسية المخيفة” و “التي توسع تأثيرها في مالي وبوركينا فاسو ومناطق أخرى ونحن نعمل بجد لمواجهتها لأنها تهديد على الأفارقة في كل القارة”.

التعليقات (0)