- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
يحيى الكبيسي يكتب: العراق عن الاحتلال والتحرير وما بينهما
يحيى الكبيسي يكتب: العراق عن الاحتلال والتحرير وما بينهما
- 14 أبريل 2023, 1:48:31 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بعد 20 عاما من الاحتلال الأمريكي للعراق، لا يزال النقاش حول هذه المسألة، حاضرا في أي حوار عراقي يتعلق بهذه الذكرى؛ بداية من فكرة قانونية ذلك الاحتلال، مرورا بحق المقاومة، وانتهاء بطبيعة النظام السياسي الذي أنتجه المحتلون!
ثبت خلو العراق الكامل من أسلحة الدمار الشامل، وثبت معه التزييف الذي قامت به أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية تحديدا، لتسويغ الاحتلال، مع ذلك يصرّ بعض العراقيين على قانونية تلك الحرب، ليس بالتعكز على الحجج الأمريكية في هذا السياق وحسب، بل باختراع حجج أخرى لم يقل بها الأمريكيون أنفسهم!
في حزيران/ يونيو 2003 قررت لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ الأمريكي القيام بمراجعة شاملة حول مسألتين: أسلحة الدمار الشامل، وعلاقة العراق بالجماعات الإرهابية، وهما الحجتان اللتان استخدمتهما الإدارة الأمريكية، من أجل احتلال العراق.
أثبتت هذه اللجنة، في تقرير مكون من 500 صفحة، كيف فشل مجتمع المخابرات الأمريكية في تقييم حالة برنامج العراق لأسلحة الدمار الشامل بدقة! وإلى أن وكالة المخابرات المركزية بالغت، باستمرار، في الأدلة التي كانت تقول إن العراق يمتلك أسلحة كيميائية وبيولوجية، أو أنه يعيد بناء برنامجه النووي، وإلى أن مسؤولي المخابرات قاموا «بتزيين أدلة مجزأة وغامضة» مما جعل الخطر الذي يمثله العراق أكثر إلحاحا مما هو عليه في الواقع.
يشير التقرير مثلا إلى أن المعلومة التي أشار اليها الرئيس جورج بوش حول محاولة العراق شراء اليورانيوم من النيجر، وحول محاولة العراق إعادة بناء أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم عبر شراء أنابيب ألمنيوم مخصصة لذلك، لا تدعمها المعلومات الاستخبارية الأساسية!
أما فيما يتعلق ببرامج الأسلحة البيولوجية والكيميائية، فيشير التحقيق إلى أن كل المعلومات التي اعتمدت بشأن ذلك، كانت تستند إلى ما قدمه منشق عراقي أطلق عليه اسم «Curveball» (كان شقيق أحد كبار مساعدي أحمد الجلبي) الكذبة التي اخترعها هذا «المعارض» وقدمها للمخابرات الألمانية أن العراق لديه أسطول من سبعة مختبرات متنقلة تستخدم لتصنيع أسلحة بيولوجية قاتلة. وهذا المخبر الوحيد كان «مدمنا على الكحول وعديم الفائدة كمصدر» كما وصفه محلل البنتاغون الذي استمع إليه!
ينقل تقرير اللجنة أنه بعد استخدام وزير الخارجية الأمريكي كولن باول لهذه الكذبة في مجلس الأمن لتسويق الحرب، أرسل محلل البنتاغون، نفسه، أيميل إلى مسؤول كبير في المخابرات جاء فيه: «هل يمكن لباول حقا الاعتماد على مثل هذا المخبر باعتباره العمود الفقري لمزاعم الحكومة الأمريكية بأن العراق لديه برنامج أسلحة بيولوجية مستمر»؟ وينقل التقرير أن مسؤولا في وكالة المخابرات الأمريكية رد على عليه بالقول: «دعونا نضع في اعتبارنا حقيقة أن هذه الحرب ستحدث «!
بعد 20 عاما من لحظة الاحتلال، مع كل ما نتج عن هذا الاحتلال من وضع كارثي على الجميع، لا زلنا مضطرين إلى الدخول في نقاشات حول المبادئ العامة والبديهيات، وحول الوقائع والمنطق والأخلاق!
وينتهي التقرير إلى أن كل الادعاءات التي اعتمدها الرئيس جورج بوش الابن لتسويغ احتلال العراق، إما كانت خاطئة أو مبالغا فيها!
ينتهي عضو اللجنة السيناتور الديمقراطي جون د. روكفلر الرابع، إلى مقارنة لافتة بين ما جرى في 11 سبتمبر وما جرى في العراق فيقول: قبل 11 سبتمبر لم تربط حكومتنا بين النقاط، في العراق نحن مذنبون أكثر، لأن النقاط نفسها لم تكن موجودة من الأصل»!
في بريطانيا لم يكن الأمر مختلفا، فقد انتهت لجنة «Chilcot» التي شكلها مجلس العموم البريطاني للتحقيق، فانتهت اللجنة إلى النقاط الرئيسية الآتية (كما لخصتها صحيفة الغارديان): أولا أن المملكة المتحدة اختارت الانضمام إلى حملة الاحتلال قبل استنفاد الخيارات السلمية، وثانيا أن رئيس الوزراء توني بلير قد بالغ عمدا في تضخيم التهديد الذي يمثله صدام حسين وأنه اعتمد بشكل كبير على معتقداته الخاصة بدلا من الأحكام الأكثر دقة لأجهزة المخابرات، وثالثا أن توني بلير قد وعد جورج بوش بأنه سيكون معه! ورابعا أن قرار الاحتلال قد اتُخِذ في ظروف «غير مرضية» وأن التحقيق لم يتوصل إلى وجهة نظر في شرعية الحرب، وقال التقرير إنه لا يمكن تقييم ذلك إلا من خلال «محكمة مشكلة بشكل صحيح «! وخامسا أن جورج بوش قد تجاهل إلى حد كبير نصيحة المملكة المتحدة بشأن التخطيط لما بعد الحرب ويصف التقرير الاختلال برمته بأنه «فشل استراتيجي». وسادسا أنه لم يكن هناك تهديد وشيك من صدام، وأن إيران وكوريا الشمالية وليبيا تشكل جميعها تهديدا أكبر فيما يتعلق بانتشار الأسلحة النووية والكيمياوية والبيولوجية. وسابعا أن وكالات الاستخبارات البريطانية قدمت «معلومات معيبة» وأنها عملت منذ البداية على افتراض مضلل بأن صدام كان يمتلك أسلحة دمار شامل، ولم تبذل أي محاولة للنظر في احتمال أنه تخلص مما كان لديه منها. وثامنا أن توني بلير قد تجاهل التحذيرات بشأن ما سيحدث في العراق بعد الاحتلال، فقد قيل له «إن العراق يمكن أن يتحول إلى الحرب الأهلية»! وأخيرا، أن الحكومة البريطانية لم تبذل جهدا كافيا لحساب عدد الضحايا المدنيين العراقيين، وأن الاهتمام الرئيسي للحكومة هو «دحض الاتهامات بأن قوات التحالف مسؤولة عن مقتل أعداد كبيرة» منهم.
يتجاهل العراقيون المؤيدون للاحتلال الأمريكي للعراق، هذه الحقائق، فتحيزاتهم الخاصة تجعلهم مصرين على البقاء في دائرة الاتهامات نفسها، حتى بعد أن كذبتها تقارير السطات التشريعية في دول الاحتلال نفسها!
يتطوع فريق آخر ضمن هؤلاء، إلى القفز على الوقائع، فيخترعون كذبة أن «تحرير» العراق لم يكن مرتبطا بأسلحة الدمار الشامل، بل بتخليص العراقيين من حكم ديكتاتوري شمولي، وبناء على هذه «الكذبة» يقررون بكل ثقة أن «المقاومة» قرار خاطئ، بل تجرم هذه المقاومة. وأي محاولة للحوار مع هؤلاء حول الحرب/ الاحتلال سيكون مجرد عبث، لأن المقدمات التي تقودهم ليس القانون أو المنطق أو الأخلاق، بل تحيزاتهم الشخصية فقط!
إن ما جرى في العام 2003 هو جريمة عدوان مكتملة الأركان بموجب نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، وأنه يجب التمييز بين فعل المقاومة الموجه ضد الاحتلال، وبين المتبنيات الفكرية الخاصة بأولئك المقاومين، وأنه لا يجوز الخلط بين الإثنين، لكن شريحة كبيرة من العراقيين من عامة الناس ومن النخبة أيضا، ترى أن احتلال العراق ليس جريمة!
بعد 20 عاما من لحظة الاحتلال، مع كل ما نتج عن هذا الاحتلال من وضع كارثي على الجميع، لا زلنا مضطرين إلى الدخول في نقاشات حول المبادئ العامة والبديهيات، وحول الوقائع والمنطق والأخلاق!
كاتب عراقي