- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
يحيى حسين عبدالهادي : القضية ..مقال قبل الحبس
يحيى حسين عبدالهادي : القضية ..مقال قبل الحبس
- 16 يونيو 2021, 5:18:01 م
- 943
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الشكر فى البداية للمواطن الشريف أ.م,ا.مرزوق الذى تقدم ببلاغٍ ضدى، والرائد الذى أَيَّدَ بلاغَه، فأتاحا لى أن أتدثر بهذا الكم من الدعم والتعاطف من الأصدقاء والأحباب .. الذين أَجِد من حقهم علىَّ توضيح ما حدث.
وصلنى استدعاءٌ من النيابة مع مندوبٍ للحضور للتحقيق فى القضية رقم ٢٩٩٨ لسنة ٢٠١٨ دون إشارةٍ إلى ماهيتها .. بعد استشارة الصديقين المحاميين الكبيرين عصام الإسلامبولى ونجاد البرعى توجهتُ للنيابة فى الموعد المحدد صباح الأحد ١١ نوفمبر برفقة الأساتذة/ نجاد البرعى وعبد الرحمن (من مكتبه) وأشرف (من مكتب أ. عصام) .. ولَم أشأ أن أُزعج أحداً من باقى الأصدقاء لضيق المكان من ناحيةٍ، ولأننى لا أعرف ما هى القضية من ناحيةٍ أخرى.
تم القبض علىَّ وبدأ التحقيق .. علمتُ أن هناك بلاغاً من المواطن مرزوق ٥٥ سنة حاصل على ليسانس الحقوق .. طالعتُ أقواله فوجدتها تدور حول ما أصابه من غَمٍّ واستفزازٍ من قراءة مقالى على الفيسبوك .. والذى استنتج منه أننى قصدت إهانة رئيسه المحبوب وتكدير السلم العام وإشاعة أخبارٍ كاذبة (هكذا!) .. ثم جاءت تحريات الأمن مطابقةً ومؤيدةً لهذا المواطن الشريف ومُضيفةً بعض البهارات كالتحريض على الفوضى وإسقاط الدولة .. إلى آخر هذه العبارات المحفوظة .. مع إرفاق عدة مقالاتٍ أخرى.
(اعترفتُ) دون ترددٍ بصحة (الاتهام) بأننى كاتب هذه المقالات التى أتشرف بها .. ولكننى نفيت باقى الاتهامات .. فأنا لم أقصد فى حياتى إهانة أى إنسانٍ وإنما أنا أمارس حقى الدستورى والإنساني فى انتقاد أى موظفٍ عام طالما رأيت فى تصرفاته انحرافاً عن الصواب .. سواء كان رئيساً أو ما دون ذلك .. وبالطبع فإننى لا يمكن أن أهدف إلى تكدير السلم العام وهدم الدولة .. ولا أعتقد أن أحداً يمكنه أن يزايد علىَّ فى ذلك (وإن كان كل شئٍ جائزاً هذه الأيام) .. أما بخصوص اعتبار القول بمصرية تيران وصنافير إشاعةً لأخبارٍ كاذبة فقد أكَّدتُ تَمَّسُكِى بما قلتُه وأن من يقول بغير ذلك هو الأحق بالمحاسبة .. وسيحاسب ذات يومٍ بإذن الله.
أصل المشكلة ليست فى مثل هذه البلاغات ومَن وراءَها .. وإنما فى أنهم ينطلقون من أرضيةٍ مغايرةٍ تماماً .. نحن ننتمى إلى تيارٍ مدنى ديمقراطى يُؤْمِن بدولة المواطنة التى لا تَمَايُز فيها بين المواطنين لا على أساس الدين ولا الجنس ولا الفئة ولا الطبقة .. ومن ثَمَّ ولا على المنصب .. أى أن كل مسؤولٍ تنفيذى .. بدءاً من الرئيس فما دونه .. هو مجرد موظفٍ أجيرٍ لدى الشعب ويتقاضى راتبه منه .. وبالتالى فإن من حقى بل من واجبى أن أنتقده إذا رأيتُ أنه انحرف عن جادة الصواب .. على الجانب الآخر هناك ثقافةٌ متجذرة لدى قطاعٍ من المواطنين والأجهزة والمؤسسات ترفع الحاكم إلى مقامٍ من التقديس الذى يعلو عن النقد .. وتعتبر أىَ ممارسةٍ لحق الانتقاد إهانةً وإساءةَ أدبٍ تستوجب العقاب.
استمر التحقيق حوالى سبع ساعاتٍ لتفسير المقصود من كل مقالٍ على حِدَة .. ثم كان قرار النيابة هو إخلاء السبيل من قسم الشرطة بكفالةٍ عشرة آلاف جنيه .. وبقيتُ فى القسم ثلاث ساعاتٍ أخرى بعد سداد االكفالة إلى أن عُدتُ إلى منزلى قرب منتصف الليل.
سألني بعض المحبين إن كنتُ سأتوقف عن الكتابة أو سأُهدئ من نبرتى (الهادئة فعلاً) .. وأسألهم من ناحيتى: أتوقف عن ماذا؟! .. أنا ممنوعٌ من الكتابة أصلاً فى كل صحافة الصوت الواحد .. ممنوعٌ لشخصى حتى لو كان ما أكتبه موضوعاً ثقافياً أو تاريخياً .. أنا
لستُ كاتباً محترفاً حتى أتوقف عن الكتابة .. وإنما مجرد مواطنٍ يفضفض بكلماتٍ يبدو أنها تَلْقى قبولاً لدى كثيرٍ من الأشخاص والمواقع (المحجوبة أو المُضَيَّق عليها) فيقومون بإعادة نشرها .. هى زفراتٌ أتنفسها .. فهل صار التنفس ممنوعاً؟!
على المستوى الشخصى، أَعِى أن قضيتى بدأت قبل القضية 2998 بسنواتٍ ولن تنتهى بالكفالة .. وأَعِى أنها تفصيلةٌ بسيطةٌ فى القضية الأكبر التى تدور رحاها فى مصر منذ قرابة قرنين من الزمان .. ودَفَع (ولا يزال) كفالاتها مصريون عظماء من أرزاقهم وحرياتهم .. ودَفَعتْ (ولا تزال) مصرُ كفالاتها سنواتٍ غاليةً فى سباقها للحاق بالتاريخ الذى تجاوزنا.
القضية الأكبر هى تلك المعركة المستمرة منذ قرنين لتأكيد إحدى البديهيات وهى الحق فى انتقاد الحاكم (تخيلوا!) .. وهى معركةٌ مستمرةٌ سبقتنا إليها أسماءٌ كثيرةٌ وستلحق بها أسماءٌ أخرى .. وكلهم ساداتنا .. دفعوا وسيدفعون أثماناً .. فقيمة أى موقفٍ أن تدفع ثمنه .. ونتشرف بأن نلتحق بهم جنوداً فى هذه المعركة .. ولَنَصبرَّن على ما آذيتمونا .. إلى أن نَلقى اللهَ .. أو تصبح مصر دولةً طبيعيةً كباقى خَلْق الله .. الحاكم فيها بَشَرٌ يُنقَدُ .. وليس إلَهاً يُعبَد.
14 نوفمبر 2018