- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
يحيي قلاش يكتب : رحيل مطبوعة
رحيل مطبوعة ورقية!!
[ اعتز أن شهادة ميلادي الصحفي تلقيتها من جريدة المساء صاحبة التاريخ و المعارك التي لاتنسى علي المستوي الوطني و المهني فقد أسسها خالد محي الدين و كوكبة كبيرة من الكتاب و المثقفين ،و منها إنطلق أول ملحق أدبى في تاريخ الصحافة المصرية و العربية قدمه عبدالفتاح الجمل كشاف المبدعين و الادباء و المثقفين من كافة محافظات مصر ، و صار منهم عبدالرحمن الابنودي و صلاح عيسي و بهاء طاهر و جمال الغيطاني و يوسف القعيد و يحيي الطاهر عبدالله وإبراهيم أصلان و سعيد الكفراوي و غيرهم الكثير .
المساء هي الجريدة التي مر عليها العديد من الصحفيين الكبار من كافة الأجيال و تعرف من خلالها القارئ المصري العادي علي فنون الفن التشكيلي و مدارسه و صار صبحي الشاروني أهم ناقد في هذا المجال من خلال هذه الصحيفة .. و منها انطلق الفنان المبدع مصطفي حسين الذي ذاعت شهرته و اختطفته مؤسسة الاخبار . و من يذكر " المساء"لا ينسى الناقد الرياضي الكبير حمدي النحاس الذي جعل -شعبية النقد الرياضي و فنونه في اختيار العناوين ومانشيتات الصفحات الاولي- تبلغ ذروتها حتى ان الجماهير كانت تتوجه فى مظاهرات حاشدة عقب المباريات أمام مبني الجريدة رافعة صفحات الرياضة الخاصة بالصحيفة ومرددة عناوينها .كما أسس النحاس بناءً علي هذا النجاح الصحافة الرياضية المتخصصة التي انتشرت الي حد المبالغة كما هي عاداتنا في تقليد أي نجاح .
في هذه الجريدة -التي كانت تنافس بأعداد توزيعها صحفًا يومية كبري و كانت دائما تبحث عن جمهورها الخاص في مناقشات رواد المقاهي و السينما و معارض الفنون و جلسات الأدباء و ملاعب الكرة و طلاب المدارس و الجامعات - كتب محمد عودة و يوسف إدريس و عشرات في قدرهما و مقامهما مقالات الرأي و خاضوا كثيرا من المعارك ،وخص الأديب الكبير يحيي حقي "المساء " بكثير من ابداعاته ،و منها انطلقت خيرية البشلاوي أحد أهم نقاد السينما في العقود الاخيرة ، و غيرها الكثير مما لايتسع معه المقام و المساحة للذكر .
صحيح تعرضت الصحيفة خلال العقود الاخيرة شأنها شأن بقية الصحف لعوامل أثرت علي مسيرتها لكن يظل إختفاء المساء المطبوعة - وهي جزءً من تاريخ مصر المدون - بكل تاريخها حدثا مهما يجب ان يأتي في سياق يحكمه منطق يوضح المعايير التي حكمت قرار اختفاء بعض الصحف المطبوعة - دون غيرها - و تحويلها الي مواقع الكترونية و دوافع هذا القرار .. هل حسمنا بالحوار أو من خلال اي دراسة علمية انه لا مستقبل للصحافة الورقية و انها في سبيلها الي أن تتحول لمجرد تاريخ ؟! و هل وفرنا لصحفنا مناخ المنافسة القائم علي قواعد المهنية و هامش من الحرية يسمح باجتذاب جمهور واسع متعدد و متنوع يحدد لنا في النهاية نجاح او فشل اي صحيفة ؟ و هل هي معايير حجم التوزيع و الأسس الاقتصادية ؟و هل كان حاضرا تاريخ كل مطبوعة و حجم تأثيرها وإرتباط جمهور من القراء بها في مراحل زمنية مختلفة ؟ و ما هو مصير هذا الجزء المدون علي الورق من تاريخ مصر و هو يخص بالأساس الذاكرة الوطنية ؟و هل من خطة واضحة و محددة تقول ماهي الخطوات المقبلة ؟و هل من تَصوٌر أو رؤية عن مستقبل الصحافة القومية و دورها ؟ اتصور ان الوقت مناسب لفتح حوار أو مؤتمر يجمع كل المعنيين بهذا الملف من جهات مسئولة و معنية ،و من ممثلين عن الرأي العام و جمهور جيل جديد من القراء ،و بالطبع العاملين بهذه المؤسسات في محاولة لتقديم إجابات حول المستقبل .
[ في ظني أن شهادة ميلاد اي صحيفة المشوب بالفرح لا يحتاج اكثر من كتابة بيانات حالة ، اما شهادة الوفاة التي يحيطها حزن الفقد فتحتاج بالضرورة إيداع أسباب الوفاة .