يسري عبدالغني يكتب : الحكيم وعبدالناصر

profile
د. يسري عبدالغني ناقد وكاتب
  • clock 12 يونيو 2021, 2:23:07 ص
  • eye 1316
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أنزله جمال عبد الناصر منزلة الأب الروحي لثورة 23 يوليو، بسبب عودة الروح التي أصدرها الحكيم عام 1933، ومهّد بها لظهور البطل المنتظر الذي سيحيي الأمة من رقادها. الحكيم سمح له عبد الناصر ان يزوره في أي وقت يشاء--منحه جمال عبد الناصر عام 1958 قلادة الجمهورية، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1960، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى في نفس العام. لم يذكر أن عبد الناصر منع أي عمل لتوفيق الحكيم، حتى عندما أصدر "السلطان الحائر بين السيف والقانون" في عام 1959، و"بنك القلق" عام 1966، حيث انتقد النظام الناصري ودافع عن الديمقراطية. وصل الأمر أن عبد الناصر كان بستقبل الحكيم في أي وقت وبغير تحديد لموعد، وهو ما أكده الحكيم نفسه في جريدة الأهرام في 15 مارس 1965. بعد وفاة عبد الناصر عام 1970 وأثناء تأبين الزعيم سقط توفيق الحكيم مغمى عليه وهو يحاول تأبينه وبعد أن أفاق قال خطبة طويلة من ضمنها:

    اعذرني يا جمال. القلم يرتعش في يدي. ليس من عادتي الكتابة والألم يلجم العقل ويذهل الفكر. لن أستطيع الإطالة، لقد دخل الحزن كل بيت تفجعا عليك. لأن كل بيت فيه قطعة منك. لأن كل فرد قد وضع من قلبه لبنة في صرح بنائك توفيق الحكيم

إلا أن الحكيم في عام 1972 أصدر كتاب عودة الوعي مهاجما فيه جمال عبد الناصر بعنف. ترتبت على عودة الوعي ضجة إعلامية، حيث اختزل الحكيم موقفه من التجربة الناصرية التي بدأت كما ذكر: يوم الأربعاء 23 يوليو 1952 حتى يوم الأحد 23 يوليو 1973، واصفا هذه المرحلة بأنها كانت مرحلة عاش فيها الشعب المصري فاقد الوعي، مرحلة لم تسمح بظهور رأي في العلن مخالف لرأي الزعيم المعبود. وأعلن في كتابه أنه أخطأ بمسيرته خلف الثورة بدون وعي قائلا:

   العجيب أن شخصا مثلي محسوب على البلد هو من أهل الفكر قد أدركته الثورة وهو في كهولته يمكن أن ينساق أيضا خلف الحماس العاطفي، ولا يخطر لي أن أفكر في حقيقة هذه الصورة التي كانت تصنع لنا، كانت الثقة فيما يبدو قد شلت التفكير سحرونا ببريق آمال كنا نتطلع إليها من زمن بعيد، وأسكرونا بخمرة مكاسب وأمجاد، فسكرنا حتى غاب عنا الوعي. أن يري ذلك ويسمعه وأن لا يتأثر كثيرا بما رأي وسمع ويظل علي شعوره الطيب نحو عبد الناصر. أهو فقدان الوعي. أهي حالة غريبة من التخدير.    

في فبراير 1972م كتب بيده بيان المثقفين المؤيدين لحركة الطلاب، ووقّعه معه وقتذاك نجيب محفوظ. ساءت بعدها علاقة الحكيم مع محمد أنور السادات حيث قال السادات وقتذاك "رجل عجوز استبد به الخرف، يكتب بقلم يقطر بالحقد الأسود، إنها محنة أن رجل رفعته مصر لمكانته الأدبية إلى مستوى القمة ينحدر إلى الحضيض في أواخر عمره". 

حاول بعدها محمد حسنين هيكل جمع الحكيم مع السادات ونجح بذلك بعد حريق مبنى الأوبرا.

وفي كتابه ( شجرة الحكم السياسي في مصر .. 1919– 1979) يشير الحكيم بعد أن يذكر جزءاً من مسرحيته ( السلطان الحائر ) أنه قد يبدو غريباً أن يسمح عبد الناصر نفسه بنشر وتمثيل هذا التحذير له من استعمال السيف بدلاً من القانون ، وهو المقصود بالطبع ، وفي وقت كان فيه نظامه يمارس ذلك ، وهو ما دعاني في ( عودة الوعي ) إلي وصف عهده بمصادرة الحريات ، وخنق  الكلمة ... تفسير ذلك هو أنه يجب التفريق بين شخص عبد الناصر وبين طابع نظامه ... فعاطفة عبد الناصر نحوي وثقته بي وعلمه بموقفي المستقل عن كل الاتجاهات السياسية طوال حياتي ، واستقبالي المتحمس للثورة .. كل هذا جملة يمتنع عن مس أي كلمة أكتبها وأقولها بل ويقف إلي جانبي دائماً ، حتى عندما هاجمني بعض الأدباء فقد بادر وقلدني وساماً من أرفع أوسمة الدولة ... لذلك يؤلمني دائماً أن أقف هذا الموقف : بين المحب لشخصة ، والناقد لنظامه   ( ص 403 ، من الكتاب المذكور ) ، وبالطبع نحن نحترم ونقدر                     الأستاذ / الحكيم في كل ما يقول أما موقفه من جمال عبد الناصر فهو موقف ملتبس غريب لا نوافقه عليه بالمرة 

 إن دراستنا الطويلة لرائد المسرح المصري العربي / توفيق الحكيم تؤكد لنا أن الرجل لم يكن له أية مواقف سياسية حقيقية ، أو فلنقل تنطلق من رؤية سياسية حقيقية ، وكما أطلق عليه العديد من النقاد في مسرحه أنه ملك السلب الأعظم !!!


٢-أهل الكهف والمكانة الخاصة : 

 أتبع توفيق الحكيم مسرحيته (رصاصة في القلب) التي كتبها سنة  1929 ، برائعته التي مازالت إلى يومنا هذا تحتل مكانة خاصة ومتميزة في تاريخ المسرح العربي ، ونعني بها مسرحية (أهل الكهف) ، التي كتبها الحكيم سنة 1933 أو 1928 ، وهي تعد بحق أول مسرحية عربية تعتمد على الميثولوجيه التاريخية الشرقية ، كما كانت التراجيديات الإغريقية تعتمد على الميثولوجيا اليونانية القديمة.

 ولقد توصل الحكيم إلى استقاء قصة أهل الكهف أو أصحاب الرقيم من القرآن الكريم ، ومن تفاسيره المختلفة ، ثم قام بمعالجة هذه القصة من خلال قضية فلسفية كبرى ، وبمعنى أدق عالج الحكيم من خلال أهل الكهف قصة صراع الإنسان مع الزمن الذي يقهره دائماً في نهاية المطاف .

 وقد مثلت مسرحية (أهل الكهف) على المسرح لأول مرة سنة 1935 ، أي بعد حوالي عامين من نشرها .

 والمعروف أن هذه المسرحية نشرها الحكيم في طبعة محدودة مكونة من مائة نسخة فقط لا غير ، وقام بتوزيعها على كبار النقاد الذين احتفوا بها احتفاء كبيراً .

 فكتب عن هذه المسرحية الشيخ / مصطفى عبد الرازق  في ( السياسة الأسبوعية ) عدد 8 / 5 / 1933 .

 وكتب عنها الأستاذ / إبراهيم عبد القادر المازني في جريدة ( البلاغ )    يوم 7 / 5 / 1933 .

 وكتب عنها الناقد / محمد علي حماد في نفس الجريدة السابق ذكرها   في عدد  يوم 11 / 5 / 1933.

 وكتب عنها الدكتور / طه حسين في مجلة (الرسالة) في عددها الصادر يوم 15 / 5 / 1933. . وغيرهم ، وغيرهم ، فإذا بتوفيق الحكيم يصبح أديباً       مشهوراً ، ومبدعاً مسرحياً ، بين يوم وليلة بسبب هذه المسرحية المتميزة .

 وكما ذكرنا فإن هذه المسرحية تم عرضها لأول مرة في   سنة 1935 ، وبالتحديد في 12 ديسمبر  ، وكان عرضها من خلال الفرقة القومية المصرية التي افتتحت بها موسمها المسرحي الشتوي ، وكانت من إخراج وتمثيل الفنان / زكي طليمات بالاشتراك مع الفنانة / عزيزة أمير ، والفنان / عمر  وصفي ، و الفنان / منسى فهمي ، و الفنان / حسين رياض ، و الفنان / زكي رستم .

 كما أعاد المخرج الأستاذ / نبيل الألفي في سنة 1960 إخراج مسرحية (أهل الكهف) التي سبق أن افتتح بها المسرح القومي موسمه لسنة 1935 ، وكان ذلك بمناسبة احتفال المسرح القومي بيوبيله الفضي ، وبمناسبة فوز الحكيم  بجائزة الدولة التقديرية في الآداب .

 كانت أول طبعة لمسرحية (أهل الكهف ) سنة 1933 ، عن مكتبة الآداب بالقاهرة ، ويلاحظ أن هذه المكتبة قامت بطبع حوالي 95 % من أعمال   الحكيم ، ويبدو أن هذه المكتبة قد تخصصت تقريباً في نشر أعمال الحكيم ، وذلك لصلة النسب التي تربط أصحاب هذه المكتبة بتوفيق الحكيم .

 كما تم طبع هذه المسرحية طبعة ثالثة عن لجنة التأليف والترجمة والنشر التي كان يشرف على نشاطها الدكتور / أحمد أمين ، وكان ذلك في سنة 1940 .

 كما نشرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1974 ، وذلك ضمن سلسلة مكتبة توفيق الحكيم الشعبية . 

ويجدر بالذكر أن مشروع مكتبة الأسرة (مهرجان القراءة للجميع) بمصر قام بنشر عدد من أعمال الحكيم ، لتكون في متناول جمهور القراء . 

 كما أن الحكيم أعد (أهل الكهف) للأطفال برسومات  الفنان / مصطفى حسين ، ونشرتها هيئة الكتاب  سنة 1979 ، في 43 صفحة ، ضمن سلسلة حكايات توفيق الحكيم ، الحكاية الثالثة . 

 وفي عدد مجلة (الرسالة ) الصادرة في 15 / 7 / 1933 ، كتب  الأستاذ / حلمي بهجت : أن أهل الكهف قد نقدت من جانب الكثير مثل   الدكتور/ طه حسين ، والشيخ / مصطفى عبد الرازق ، والدكتور / محمد حسين هيكل ، وغيرهم ، وغيرهم ...

وقد حاول الكاتب (حلمي بهجت) في مقالته هذه أن يعطينا صورة لتاريخ حياة توفيق الحكيم ، وكيف كتب الحكيم (أهل الكهف) ، أي أنه لا يريد أن ينقد المسرحية أو يقول رأيه فيها .. وهذا اتجاه مازال موجوداً لدى بعض كتابنا في عصرنا الراهن . 

ونقرأ في مجلة (الثقافة) في عددها الصادر أول أبريل 1940 ، ما يفيد صدور الترجمة الفرنسية لمسرحية (أهل الكهف) ، ونجد إشارة إلى أنها رابع عمل يترجم للحكيم بعد رواية (عودة الروح) ، ومسرحية (شهرزاد) ، ورواية (يوميات نائب في الأرياف ) .

وفي مجلة (المقتطف) ، عدد يونيو 1945 ، رسالة  من الأديب / حبيب الزحلاوي ، بعنوان (إلى الوراء) كان قد أرسلها إلى الأستاذ / محمود   تيمور ، تتعلق هذه الرسالة بإثبات أن (أهل الكهف) للحكيم مأخوذة أو مقتبسة من كتاب (الالتفاف إلى الوراء )، وقارن صاحب الرسالة بين محتوى كل    من الكتابين . 

ويبدو أن الأستاذ / محمود تيمور أرسل هذه الرسالة بدوره إلى المجلة المذكورة ، لعدم اقتناعه التام والكامل من الأساس بهذه التهمة الموجهة إلى   الحكيم ، الذي أحبه محمود تيمور وقدره وأعجب به .

وذكرت صحيفة (الأخبار) القاهرية في يوم 26 / 5/ 1954 ، خبراً عن تمثيل مسرحية (أهل الكهف) على مسرح بالرمو في إيطاليا .

 وفي نفس العدد من الصحيفة نقرأ أنه تم ترجمة مسرحية (شهرزاد) للحكيم إلى اللغة اليونانية ، وبهذا تكون مسرحيات الحكيم تم ترجمتها  إلى اللغات : الروسية ، والفرنسية ، والإيطالية ، والإنجليزية ، والألمانية ، واليونانية ... ليصبح الحكيم من أشهر كتاب الشرق في العالم الغربي .

وأحب أن أشير هنا إلى أن معظم أعمال الحكيم تمت ترجمتها إلى اللغة العبرية ، ومن أشهر الذين تخصصوا في ترجمة الحكيم ودراسته وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق / أبا إيبان .

وكتب الأستاذ / صبري أبو المجد مقالة في مجلة  (المصور)  في 21 / 7 / 1978 ، بعنوان (سنوات ما قبل الثورة) تناول فيها أحداث شهر ديسمبر سنة 1935 ، ومظاهرات الطلبة في القاهرة ضد الاحتلال    الإنجليزي ، من أجل المطالبة بالحرية والاستقلال ، وكيف أن مسرحية (أهل الكهف) التي كانت تعرض في القاهرة خلال هذه الأحداث ، كانت تتلاءم بحق مع الأحداث الجارية ، فنشرت الصحف المصرية أنباء عرضها على المسرح القومي المصري (الفرقة القومية المصرية) على الصفحات الأولى منها ، رغم انشغال الصحف بتغطية أحداث هذه الفترة .

وفي كتاب ( أغناطيوس كراتشكوفسكي ) الأعمال المختارة ، باللغة الروسية ، الجزء الثالث ، والصادر سنة 1956 ( ص 98 – ص 99 ) ، وفي مقدمة مسرحية ( الملك أوديب ) يرجع الحكيم التاريخ الفعلي لكتابته مسرحية  ( أهل الكهف ) ، إلي سنة 1928. 

ونذكر في هذا المقام كتاب الدكتور / رمسيس عوض ، والذي   عنوانه : (ماذا قالوا عن أهل الكهف ؟) ، والصادر عن هيئة الكتاب   بالقاهرة ، سنة 1986.

كما نذكر كتاب الأستاذ / فتحي العشري ، والمعنون بـ (كهف    الحكيم) ، والصادر عن دار المعارف القاهرية ، سنة 1980

التعليقات (0)