- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
يسري عبدالغني يكتب : عند ما يكون العملاق هاديا كالشعاع . .!!
يسري عبدالغني يكتب : عند ما يكون العملاق هاديا كالشعاع . .!!
- 29 يونيو 2021, 4:50:51 ص
- 1526
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
العقاد ـ على حد قول أستاذتنا الدكتورة / نعمات أحمد فؤاد بأسلوبها الرائق الشائق ـ هاديًا كالشعاع ، عاليًا كالمنار السامق ، وارفًا كالظل الظليل الوارف ، زاخرًا كالنهر العذب المتجدد المعطاء ، عميقًا كالبحر بكنه أسراره ، حاليًا كالروض الندي العطر ، رحبًا كالأفق المترامي ، خصيبًا كالوادي الخصيب ، مترفعًا كالنسر المحلق الفتي ، مهيبًا كالعلم الجامع الشامل .
كان أستاذنا العقاد عنيدًا كالجبروت من أجل الحق والخير والجمال ، لا يرجو ولا يخشى في الحق لومة لائم ، إذا تكلم أسمع الجميع ، وإذا حاجى أقنع قوي الحجة ، وإذا عاد أفحم وهزم وفاز ، كثير بنفسه وبعلمه وثقافته وفكره ، سلاحه لا يفل ، وقصبته لا تلين ، عزمه لا يكل ولا يفتر ، صبره لا يمل لأنه دون حدود ، وجده لا يفتر لأنه طاقة رافدة ، طاقة لا تعرف النضوب ، كأن وراءها مددًا يرفدها من سر الخلود أو من روح المولى جل علاه .
لقد عاش العقاد حياة أدبية وفكرية خصبة فتية ، وحياة كبرى لا تعرف إلا الأمور الجادة ، وتنأى عن الصغائر والتفاهات ...
عزف في حياته عن الزواج ، وكأنه منذور للمعبد ، معبد الفكر والفن والأدب ، معبد الكلمة السامقة الجادة المعلمة ...
ويحاول البعض أن يرجع عدم زواج الأستاذ / العقاد إلى أسباب متنوعة ، منها تجاربه العاطفية الفاشلة ، وبالطبع الله أعلم بالقلوب والمشاعر ولكل امرئ الحرية التامة والكاملة في حياته الاجتماعية يشكلها كما يحلو له ، يعيش دون زواج أو بزواج ، وإن كان من الأفضل اجتماعيًا أن يتزوج المرء ، إلا أننا نؤكد أن العقاد رجل نذر نفسه وحياته للفكر والعلم والأدب والفن والكلمة الراقية البناءة المحترمة ...
وهب نفسه للكتابة والإبداع ، فما كان منهما إلا وأن وهب أنفسهما لراهب الفكر والأدب أستاذنا / عباس محمود العقاد ... الكتابة هي صاحبته ، هي ابنه هي ابنته ، التي وفى لها أعظم وأنبل الوفاء ، لا يكاد يخلو إلى نفسه أو إلى الناس إلا وهو على موعد دائم معها ، يعود إليها في الموعد المحدد ، تنتظره لأنها تعرف أنه ولا بد أن يأتي لها ...
ولا داعي لإرجاع أمر زواج الأستاذ / العقاد إلى أمور غير صحيحة وغير سوية ، لقد قالوا : أن العقاد أحب سارة التي لم نعرف اسمها الحقيقي حتى الآن ، وكتب عنها روايته الوحيدة ، وقالوا : إن سارة اسمها الحقيقي (ليزا) وهي فتاة لبنانية على درجة كبيرة من الجمال والفتنة ، كما قالوا : إن سارة هي (هنومة خليل ) الممثلة / مديحه يسري ، وفقًا لما قاله أستاذنا الصحفي الكبير / مصطفى أمين ..
وقالوا : إنه أحب ابنة الجيران ، وقالوا : إنه أحب الأديبة اللبنانية / مي زيادة ، وقالوا : إنه تزوج في الخفاء ، وله ابنة ، وقد أعلنت إحدى السيدات ذلك بعد وفاته ، وقالت : إنه جعل ريع بعض كتبه لها ولابنته منها ، ولكن المقربين من الأستاذ نفوا ذلك نفيًا قاطعًا ، ووصفوا هذه السيدة بأنها مدعية ... على كل حال فكل هذا لم يؤكد حتى الآن بأدلة وبراهين موثقة
أقول لكم : قد يتخيل الناس أنه في خلوه الظاهر لا يعير الكتابة حبه الأول والأخير الاهتمام ، وقد أخطئوا كل الخطأ في ذلك ، فحسه لا يخلو منها ، وشعوره لا يفرغ الباتة من عشقها الأبدي ، أو الهيام بها ، والتبتل في محرابها مهما كانت متاعبها وإحنها ...
يجلس الأستاذ مع الناس ، ولكن الكتابة تعيش في عقله ووجدانه ، هي صورة في عينيه ، هي مسئولية في وجدانه ، هي أمانة في أعماقه وضميره ، هي خاطر في خياله ونفسه ، هي خلجة في شعوره ومشاعره ، وهكذا كانت الكتابة عند عملاق الأدب والفكر / عباس محمود العقاد ...
أوقف العقاد (عملاق الفكر وجباره ) حياته كلها على التحصيل والكتابة ، وأستاذنا عصامي بمعنى الكلمة ، شق طريقه في الصخر دون هوادة أو لين ، لم يعتمد على أم أو أب أو قريب أو حسيب أو نسيب ، لم يعتمد على الدرجة العلمية ، أو الوظيفة المرموقة ، لم يعتمد على الجاه أو المال الموروث ، لم يعتمد على السلطة أو السلطان ...
لقد شق طريقه وسط العواصف والأعاصير والمحن وبنى لنفسه : اسمًا ، ومجدًا ، وشهرة ، ولا سيما في مجال الإبداع والفكر والأدب ...