- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
يسري عبدالغني يكتب : هذا هو الحب
يسري عبدالغني يكتب : هذا هو الحب
- 31 مايو 2021, 4:11:58 م
- 836
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يقال : إن معظم أهل الإبداع غير سعداء في حياتهم الزوجية أو العائلية ، بل إن بعضهم شبه منفصل عن أولاده وزوجته وأسرته ، بل إن البعض الآخر قد يحيا معهم ولكن في شقاق وخلاف لا ينتهي . نعتقد أنه يطلق على عواهنه ، فليس لدينا إحصائيات علمية مؤكدة تقر بهذا الكلام ،
وعليه فإن هذا الرأي أو هذا الاتجاه ليس بقاعدة عامة مطلقة أو مؤكدة ، هناك العديد من المبدعين في شتى مجالات الإبداع يعيشون حياة زوجية هانئة هادئة رائقة ، كلها حب ومودة وتعاون وثقة وصفاء ، يحترمون زوجاتهم كل الاحترام ، ويسعون على أولادهم عاملين على رعايتهم كل الرعاية ، يدركون أنهم فلذات أكبادهم على الأرض ، وإنهم امتدادهم ، يضعون عليهم الآمال والأماني ليكونوا مواطنين صالحين بحق ، فيكملوا مسيرتهم ، ويكملوا طريقهم . : إن هناك أمثلة عديدة تبرهن على ذلك الكلام الذي نقوله ؛ فـ "أمير المسرح العربي" ، توفيق الحكيم ، قاطع الزواج فترة ، وقالوا عنه : إنه عدو المرأة اللدود ، وإنه كان بخيلاً ، ولكنه تزوج شقيقة أحد أصدقائه ، وهي سيدة صالحة محترمة، عاش معها سنوات وسنوات في سعادة غامرة ، ويقال إنه اشترط عليها أن تتركه لإبداعه ، ولا تشركه معها في مشاكل البيت والأولاد . الحكيم بعد أن أنجب ابن وابنة كان يشارك السيدة زوجته في تربيتهما ، ويساعدها في حل مشاكلهم ،
وابن توفيق الحكيم هو عازف الجيتار / إسماعيل الحكيم ، الذي كون فرقة موسيقية ، وكتب الموسيقى التصويرية لبعض الأفلام السينمائية . ولكن إسماعيل الحكيم توفي في ريعان شبابه بمرض خبيث ، فحزن عليه الحكيم حزنًا شديدًا ، وظل يذكره إلى آخر يوم في حياته ، وعندما كان يتكلم عن ابنه ، عن لواعجه في وفاة ابنه ، كان يذكرنا برثاء ابن الرومي الشاعر العباسي ، وحزنه الشديد على أولاده ،
ويمكن للقارئ الكريم أن يراجع كتابي ، الصادر بالقاهرة ، 2016 ، والذي عنوانه : (توفيق الحكيم شمس المسرح العربي) ، وتحديدًا الفصل الرابع (الحكيم والمكانة البارزة ـ حيث تتوالى الإبداعات) ، حيث يجد المزيد عن علاقة أمير المسرح العربي / توفيق الحكيم ، وتفنيد للشائعة التي تزعم أن الحكيم كان عدوًا للمرأة . والدكاترة / زكي مبارك عاش حياة عائلية مستقرة ، وأنجب الإذاعية والأديبة / كريمة زكي مبارك ، التي واصلت الاهتمام بفكر والدها ، فقامت بنشر وطبع الكثير من أعماله التي لم تنشر ، كما قامت بإعادة نشر أعماله الأخرى ، وقد كان لي الشرف أن أعرفها عن قرب ، وأشاركها في أكثر من برنامج ثقافي كانت تقدمه في الإذاعة المصرية .
يسري عبدالغني يكتب وشاعر العروبة / علي الجارم ، عاش حياة عائلية هانئة ، وابنه الدكتور / بدر الدين علي الجارم ، الذي كان طبيبًا نابهاً ، واهتم بنشر شعر والده وكذلك الروايات التاريخية المهمة التي كتبها الجارم . والأديب الساخر / إبراهيم عبد القادر المازني ، توفيت السيدة زوجته الأولى بمرض عضال ، وصعد ذات اليوم إلى صيدلية معلقة على حائط حجرتها ليحضر لها دواء ، فسقط من على السلم الخشبي الذي صعد عليه ، وكسرت ساقه كسرًا مضاعفًا ، وظل يعرج إلى آخر حياته ،
وحزن عليها حزنًا شديدًا . ثم تزوج الأستاذ المازني بسيدة فاضلة أخرى ، عاش معها حياة مستقرة ، وتوفيت ابنته (حياة) في ريعان صباها ، فكتب عنها ، أجمل الكلمات وأصدقها ، وابنه تولى التعريف بوالده ونشر أعماله ، وشارك بصفة دائمة في أي احتفاء بالمازني أديبنا الكبير . وأذكر أن ابن الأديب العلامة / حفني ناصف ، عالم الأدب واللغة ، ومعلم أمير الشعراء / أحمد شوقي ، قام بجمع تراث والده ، فأفاد به جمهرة القراء وأهل الثقافة والأدب ، والمعروف أن ابنة حفني ناصف هي السيدة / ملك حفني ناصف ، باحثة البادية ، والأديبة المصلحة التي كانت حياتها قصة كفاح ، ونضال تستحق الدرس والبحث ، لنأخذ منها العبرة والعظة .
ومحمود حسن إسماعيل ، الشاعر الرومانسي الكبير ، صاحب قصيدة (دعاء الشرق) ، الذي تغنى بها الموسيقار / محمد عبد الوهاب ، وقد عانى هذا الشاعر أكبر معاناة ، وتعب ذائقًا شظف العيش ، فترك مصر إلى الكويت ، ليعمل هناك كمستشار لإذاعتها ، ووافته المنية هناك . ابنة الشاعر / محمود حسن إسماعيل هي الإذاعية الراحلة / سلوان محمود ، والتي قدمت العديد من البرامج الثقافية الناجحة في الإذاعة المصرية ، وقد ألفنا صوتها عندما كانت تقرأ الأشعار الرقيقة في الفترة الصباحية بإذاعة البرنامج العام ، وكانت تقرأ أشعار والدها في كل المنتديات ، وتشارك في كل الندوات التي تعقد للاحتفاء بوالدها
رحمه الله . والفنان الموسيقار الراحل / أحمد السنباطي ، هو ابن الموسيقار الكبير ، رياض السنباطي ، أعظم من لحن لسيدة الغناء العربي / أم كلثوم ، وقد قالوا أن السنباطي أحب أم كلثوم حبًا صامتًا ، نعم أحب فنها ورقيها ، أحب عبقريتها و احترمها ، فغناء أم كلثوم لألحان السنباطي ، أوصله إلى عنان السحاب
وقالوا : إن محمد القصبجي ، الملحن الشهير ، وعازف العود العبقري ، والذي ارتضى أن يجلس في فرقتها كمجرد عازف للعود سنوات طويلة ، قالوا : إنه هو الآخر أحب أم كلثوم ، وتيم بها عشقًا ، وكان يغار عليها من الهواء الطائر . وقالوا : إن الشاعر الرومانسي الخلوق العبقري / أحمد رامي ، كاتب أجمل الكلمات التي تغنت بها أم كلثوم ، قالوا : إنه أحبها حبًا شديدًا ، وأن كل شعره العاطفي كان موجهًا لها . ورامي شاعر الشباب ، هو الذي وجه أم كلثوم إلى القراءة والاطلاع ، وكان يختار لها الكتب التي تقرؤها ، ويعيرها الكتب والدواوين الشعرية من مكتبته الخاصة ، ومن دار الكتب المصرية التي كان بها ، وكم من مرة زارته فيها .
ولكن القصبجي تزوج ، ورامي تزوج ، والسنباطي تزوج وعاشوا جميعًا حياتهم في استقرار . من الممكن أن يكون هذا الحب ، حب العبقرية ، وتصرفاتها ، وتحليله أمر محير ، بل أمر صعب جدًا ، لقد أحب المئات أم كلثوم الإنسانة العبقرية ، ولكن الملايين أحبوا أم كلثوم الفنانة . وأم كلثوم نفسها تزوجت ثلاث مرات ، كما كتب عنها ، تزوجت وهي صغيرة من تاجر ماشية ، ولكن هذا الزواج لم يستمر أو لم يكتمل ، وتزوجت من الموسيقار / محمود الشريف ، ولكن هذا الزواج الذي أثار ضجة كبيرة أيامها ، انتهى نهاية سريعة ، نهاية غامضة ، لأسباب لا نقف عليها بدقة حتى الآن ، وإن قيل : إن الملك فاروق أو القصر الملكي تدخل لإنهاء هذا الزواج ، الذي قيل عنه إنه زواج غير متكافئ ، وأن أم كلثوم رمز لمصر كلها ، وللمصريين . بعد ذلك تزوجت أم كلثوم من الطبيب الشهير / حسن الحفناوي ، والذي كان يقدر جيدًا من هي أم كلثوم ، ففهمها عن دراية ووعي ، ولم يتدخل في شئون عملها ، ومن هنا عاشت معه حياة هانئة مستقرة . الجميع أحب كوكب الشرق / أم كلثوم ، من جميع الفئات والأعمار والطبقات والمشارب والميول ، ولكن أم كلثوم أحبت الفن وأخلصت له ، أحبت الإبداع وقيمه السامية ، وعليه قد اتسع قلبها لكل الناس .