- ℃ 11 تركيا
- 23 نوفمبر 2024
يوسف الجوراني يكتب: فوضى المعلومات في ظل الحرب على غزة وتأثيرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي
يوسف الجوراني يكتب: فوضى المعلومات في ظل الحرب على غزة وتأثيرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي
- 29 أكتوبر 2024, 3:31:07 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مع استمرار الحرب على غزة، لم تعد المعركة مقتصرة على الأرض وحدها؛ بل امتدت إلى فضاء آخر لا يقل خطورة، وهو منصات التواصل الاجتماعي.
فقد تحولت هذه المنصات إلى أدوات محورية لتشكيل الرأي العام وتوجيه النقاشات، لكنها في الوقت ذاته تشهد حالة من الفوضى الإعلامية، حيث تتداخل الحقائق مع الشائعات، مما يجعل من الصعب على المتابعين التمييز بين الحقيقة والدعاية. ولا تقتصر آثار هذه الفوضى على الأفراد فحسب، بل تُعمّق أيضًا الأزمات النفسية والاجتماعية والسياسية على مستويات متعددة.
منصات التواصل الاجتماعي: أداة تواصل أم سلاح إعلامي؟
لم تعد منصات مثل فيسبوك، تويتر (إكس)، إنستغرا م وتيك توك مجرد وسائط لنقل الأخبار؛ بل أصبحت ساحات لمعركة إعلامية مستمرة، تتنافس فيها جهات رسمية، وسائل إعلام، وناشطون على فرض روايات متباينة حول أحداث غزة. هذا التنافس يخلق حالة من التشويش الجماعي.
في هذا السياق، لم يعد الجمهور مجرد متلقٍّ للمعلومات، بل أصبح طرفًا فاعلًا في صياغة المحتوى وتداوله. يمكن لكل منشور أو تغريدة أن تُسهم في تغيير السردية المتداولة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. غير أن هذا التدفق الهائل للمعلومات يفتح المجال أمام انتشار الأخبار المضللة والصور المفبركة التي تُحرّك المشاعر وتعزز الانقسامات الاجتماعية.
التخبط الإعلامي وأثره على الرأي العام
الكمّ الهائل من المعلومات المتناقضة والمتدفقة باستمرار يؤدي إلى إرهاق المتابعين نفسيًا، ويُسهم في خلق عدة أزمات، منها:
الاستقطاب الحاد
فرق متناحرة، تتبنى كل منها رواية مختلفة، مما يزيد من حدة الخلافات الاجتماعية والسياسية.
انتشار الشائعات
يؤدي غياب التحقق من صحة المعلومات إلى انتشار الشائعات بسرعة، ما يعزز مشاعر الخوف والقلق بين الأفراد.
أزمة الثقة بالإعلام
تفقد وسائل الإعلام التقليدية والبديلة مصداقيتها تدريجيًا بسبب صعوبة التمييز بين الحقيقة والدعاية، مما يُضعف ثقة الجمهور بالمصادر الإخبارية.
الانغماس العاطفي
يتفاعل المستخدمون عاطفيًا مع المحتويات المنشورة، مما يعزز الاستقطاب ويُضعف القدرة على التفكير النقدي واتخاذ مواقف عقلانية.
دور الإعلام التقليدي والبديل: تهدئة الفوضى أم تأجيجها؟
رغم أن وسائل الإعلام التقليدية تحاول الحفاظ على مصداقيتها من خلال تقديم تغطيات مهنية، إلا أنها لم تعد المصدر الوحيد للمعلومات، ما قلل من قدرتها على التحكم في السرديات المطروحة. كما أن انحياز بعض وسائل الإعلام إلى أجندات سياسية معينة يسهم في تفاقم حالة الفوضى.
على الجانب الآخر، برزت وسائل الإعلام البديل وصحافة المواطنين كأدوات مهمة لتقديم زوايا غائبة عن الأحداث. غير أن هذا النوع من الإعلام، رغم أهميته، قد يكون أحيانًا مصدرًا للأخبار المضللة، نتيجة غياب المعايير المهنية أو التسرع في النشر.
كيف يمكن مواجهة التضليل الإعلامي؟
للتقليل من أثر الفوضى الإعلامية، يحتاج المستخدمون إلى التعامل بوعي مع المحتوى الذي يتعرضون له يوميًا. فيما يلي بعض الخطوات العملية:
التريث قبل النشر
يجب التفكير مليًا قبل إعادة نشر أي معلومة والتأكد من صحتها.
التحقق من مصادر متعددة
يُوصى بمقارنة الأخبار بين عدة منصات إعلامية محلية ودولية للحصول على رؤية متوازنة.
الاعتماد على أدوات التحقق
يمكن استخدام مواقع وخدمات للتأكد من صحة الأخبار والصور المتداولة.
البحث عن المحتويات المدعومة بالبيانات
يُفضل قراءة التقارير التي تعتمد على إحصائيات ووثائق رسمية بدلًا من الأخبار المثيرة للعواطف.
المسؤولية الجماعية في مواجهة الفوضى الإعلامية
إن مواجهة التضليل الإعلامي تتطلب جهدًا جماعيًا. على الأفراد التحلي بالوعي الرقمي وتجنب نشر الأخبار غير الموثوقة. كذلك، ينبغي على وسائل الإعلام الالتزام بالمعايير المهنية وتقديم تغطيات متوازنة بعيدًا عن التحيز.
أما منصات التواصل الاجتماعي، فينبغي عليها تطوير خوارزميات وتقنيات أكثر فعالية للكشف عن المحتوى المضلل والحد من انتشاره.
خاتمة: نحو وعي رقمي مسؤول
مع استمرار الحرب على غزة، يصبح من الضروري تبني وعي رقمي مسؤول يعزز القدرة على التمييز بين الحقيقة والدعاية. فالأزمات الكبرى لا تقتصر على ساحات القتال المادية، بل تمتد إلى العقول والوعي الجماعي.
إن التعامل الواعي مع المحتويات الإعلامية، سواء من قبل الأفراد أو المؤسسات، يمثل خطوة أساسية نحو كسر دائرة التضليل الإعلامي وتجنب الوقوع في فخ الروايات المتسرعة والعواطف الجارفة.
المرحلة المقبلة تتطلب تعاونًا جادًا بين الجمهور، الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي لتعزيز الحقيقة والحد من تأثير التضليل. فالحقيقة، مهما كانت ضبابية وسط هذا الضجيج، تظل السبيل الوحيد لبناء مستقبل أكثر وضوحًا واستقرارًا.
يبقى القول بأن الإعلام العربي المقاوم يجب أن يستمر في حشد طاقاته لكسب المزيد من الجمهور العربي والغربي ودحض روايات الإعلام الصهيوني ومن يسانده.