- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
تقدير موقف: الهندسة العكسية لتحليل توصيات أمنيّة
تقدير موقف: الهندسة العكسية لتحليل توصيات أمنيّة
- 18 سبتمبر 2024, 10:35:59 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عبدالله أمين
أولاً: تمهيد وتوطئة
معروفٌ عن العدو الإسرائيلي أنه يحلل ويدرس ويستخلص الدروس والعبر مما يقوم به من حروب أو مناورات أو أعمال عسكرية؛ فيطور ذاته وأدواته بناء على ما استخلصه واستنتجه. كما أنه لا يقطع التواصل مع من يخرجون من هياكله الإدارية أو تشكيلاته العسكرية والأمنية؛ إن بسبب بلوغ السن القانوني المتاح للخدمة، أو لدواعي شخصية وذاتية؛ حيث يديم التواصل معهم والسماع منهم ، ويسترشد بنصائحهم التي قد تجد طريقها إلى مكاتب صناع القرار وأصحابه؛ فتتحول إلى قرارات وإجراءات وتوجهات.
ومن الذين يديم العدو تواصله معهم، ولا يقطع التماس مع ما لديهم من نصائح وتوصيات؛ من خدموا في أجهزته الأمنية والعسكرية، لمعرفة هذه الشريحة من الطاقات البشرية بحاجات الكيان المؤقت فيما يخص مواجهة التهديدات والمخاطر .
وقد رأينا هذا الأمر يتكرر مراراً أثناء معركة "طوفان الأقصى " ، حيث فتح العدو قنوات اتصاله حتى مع من يخالفونه الرأي والتوجه من أمثال (نبي) الغضب الجنرال "سحق بريك "أو قادة عسكرين من وزن " عمرام لفين " أو " غيورا آيلاند " وغيرهم من أصدقائهم والحلفاء ؛ فهذا الجنرال ذو الثلاث نجوم ( فريق ) قائد المنطقة الوسطى الأمريكية " مايكل كوريلا " ( ما بغيب راسه عن المنطقة إلّا رجليه طالات ) ، أما رئيسيه الجنرال ذو الأربع نجوم ( فريق أول ) رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية " تشارلز بروان " فهو ووزيره الجنرال المتقاعد "لويد اوستن " على تماس دائم مع جيش الكيان المؤقت وساسته .
ولقد كان آخر من صدرت عنه توصيات بخصوص أمن الكيان وأزماته ؛ الوزير السابق "مائير بن شبات " ، والذي شغل منصب مستشار الأمن القومي للكيان في فترة سابقة ، حيث نشر منذ فترة مقالاً نحسب أن كله أبو بعضه سيجد طريقه ليتحول إلى إجراءات تنفيذية ، الأمر الذي ستعنى هذه الورقة بتحليل ما جاء فيه من توصيات، عبر استخدام (الهندسة) العكسية لفهم خلفيات هذه التوصيات وما انبثقت عنه ، وما يمكن أن تكون قد ارتكزت عليه من استراتيجيةعمل ، أو مهمة اختصاص ، وصولاً إلى ذات التوصيات التي سنفرد لكل منها ما يمكن أن يشتق من مهام وإجراءات لتنفيذها .
وحيث أن المقال والتوصيات تحدثت عن أربع ساحات عمل هي :
1. قطاع غزة: حيث يوصي الكاتب أن تبقى تحت سيطرة أمنية وعسكرية كاملة ، لمنع معاودة بناء قدرات حكومة أو عسكرية لحماس .
2. الضفة الغربية: والتي يوصي بأن تكون أهداف الإجراءات الأمنية والعسكرية فيها على النحو الآتي:
✓ معالجة جذرية لتفكيك معاقل المسلحين .
✓ سحق القوة التنظيمية والاقتصادية لحماس .
✓ تعزيز الدفاع في منطقة التماس .
✓ استيفاء أدوات الضغط على السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بتشجيع الهجمات والنشاط المضاد للكيان.
3. الجبهة الشمالية: والتي يوصي بخصوصها بالعمل على إخراج " حزب الله " من نطاق التهديد المباشر للمستوطنات الشمالية وإعادة السكان إلى منازلهم سالمين .
4. إيران: والتي يعدها العدو أم ( المصائب ) ورأس ( الأخطبوط ) ؛ فيوصي " بن شبات " بـ ( شن ) حملة سياسية وأمنية واقتصادية دولية ـ لاحظوا أنه لم يتحدث عن أي نشاط عسكري ـ مكثفة تهدف إلى تراجعها عن النووي العسكري ، وتفكيك حلقة النار التي أقامتها حول الكيان .
وحيث أن الدخول في تفصيل هذه التوصيات واحدة واحدة ، سيجعل الحديث يطول ؛ فإننا سنقتصر بالحديث عكسياً ـ لأن كاتب التوصيات ذهب إلى الإجراءات مباشرة دون الحديث عن الاستراتيجية أو المهمة أو العقيدة القتالية ـ عما هو مرتبط بالضفة الغربية فقط ، بحيث نتوقع " الاستراتيجية "المتصورة التي انبثقت عنها " المهمة " المحولة ، والتي خرجت من رحمها هذه " التوصيات " المرسلة . ثم نخلص إلى إجراءات مقترحة للتعامل مع التوصيات المرسلة .
ثانياً: الاستراتيجية المتصورة
إن المراقب للسلوك الأمني والعسكري للعدو مع أهلنا في الضفة الغربية ، وما يصدر من توصيات أمنية من هنا وهناك ، يستطيع أن يتصور أن العدو يعمل وفقاً للإستراتيجية التالية : "تدمير الأصول البشرية والمادية لحركات المقاومة في الضفة الغربية ، ومنعها من تطوير علاقة صحية مع حاضنتها الشعبية ، عبر استهداف ـ استهداف العدو ـ البنى التحتية والخدمية ، بحيث لا يتولد تهديد ذيمصداقية على أصول العدو البشرية والمادية المنتشرة على طول وعرض الضفة الغربية ، أو مدن وقرى التماس في فلسطين التاريخية " .
ولتحقيق هذه الاستراتيجية ؛ لا بد من تحويلها إلى مهمة تعبوية كلية ، وهو ما سنتطرق له في العنوان الآتي .
ثالثاً: المهمة المُحولة للجهات التنفيذية
إذا كان فهمنا للأهداف الموصى بها صحيحاً ؛ الأمر الذي مكّنا من تصور الاستراتيجية الكلية الحاكمة للإجراءات التعبوية ، فإننا نعتقد أن المهمة الكلية المحولة للمستوى التنفيذي ـ العسكري ـ سوف تكون : " البحث عن نقاط ارتكاز المقاومة الفلسطينية ومراكز ثقلها المادية البشرية والاقتصادية ، عبر تشغيل كامل القدرات الذاتية والرديفة ، بهدف تدمير أصول المقاومة ومرتكزاتها ومراكز ثقلها في الضفة الغربية ، من أجل رفع مستوى الأمن والتأمين لـ ( مغتصبات ) العدو في منطقة العمليات ، ومنع تطور أي تهديد ذي مصداقية ضد مناطق التماس ، ينذر بـ " طوفان أقصى " ثانٍ في الضفة الغربية".نعتقد أن هذا الفهم للمهمة يتساوق مع تلك الأهداف والتوصيات الأمنية .
رابعاً: مرتكزات العقيدة القتالية لتنفيذ الاستراتيجية العسكرية
وحتى ينجح العدو في تحقيق المهمة المتصورة ، عبر تنفيذ الأهداف المشتقة منها ، فإننا نعتقد أنه سوف يتبنى عقيدة قتالية ترتكز على :
1. إدامة الضغط العسكري والأمني على فصائل المقاومة وبيئتها عبر الإجراءات التالية :
➢ الاقتحامات والمداهمات والاعتقالات الليلية والنهارية .
➢ الإحباط الموضعي ؛ أمنياً وعسكرياً للتهديدات المتوقعة .
➢ زيادة النشاط الأمني والمعلوماتي عبر مختلف مصادر الجمع البشري والفني .
➢ زيادة وتكثير موضعة ونشر الحواجز الثابتة والطيارة ، على الطرق الرئيسية والفرعية .
➢ زيادة وتيرة الدوريات العسكرية والأمنية ؛ الآلية والراجلة .
➢ زيادة نقاط الإنذار المبكر من قبل نقاط ( يرى وطلق ) على طول جدار الفصل ، أو على حواف الأمامية للمغتصبات والتجمعات الاستيطانية .
2. تجفيف مصادر الإدامة والتمويل عبر الإجراءات التالية:
➢ تشديد الضغط على مدن وقرى الحافة الأمامية للضفة الغربية ، شرقاً وغرباً .
➢ ملاحقة سلاسل التوريد المالية ؛ محلياً ، وإقليمياً ، ودولياً .
➢ كشف وتسريب معلومات مرتبطة بطرق عمل ، وشخصيات فاعلة في عمليات الإدامة والتمويل .
➢ الأشراك الخداعية ؛ المالية والأدواتية .
➢ زيادة التعاون والتنسيق مع أجهزة أمن دول الطوق .
➢ الأعمال الاستباقية لإحباط عمليات الإمداد المحلية والإقليمية .
3. تشغيل القدرات الرديفة ، عبر الإجراءات التالية :
➢ زيادة تفعيل ومنح دور لقطعان المستوطنين ، وحراس ولجان أمن المغتصبات .
➢ زيادة عمليات التنسيق مع أجهزة أمن سلطة الحكم الذاتي ، ورفع وتيرتها ؛ كماً وشكلا ً ومضمومناً.
➢ التعاون مع أجهزة أمن وقوات عسكرية للدول الصديقة والحليفة للعدو .
➢ تشغيل شركات أمن ، وتجنيد مرتزقة للمساعدة في تنفيذ مهام وأعمال شُرَطية وعسكرية .
خامساً : توصيات وإجراءات مضادة مقترحة
1. إدامة التماس المعلوماتي مع الموقف الميداني وتحليل معطياته ، ليبنى على الشيء مقتاضه .
2. تظهير الموقف بشكل أكثر وضوحاً من الجهات المتساوقة مع نشاطات العدو وإجراءاته المعادية .
3. التدقيق الأمني والإجرائي فيما يخص عمليات الإدامة والتمويل .
4. بناء خطوط إدامة وتمويل ذاتية ، وعدم الارتهان للخطوط التجارية .
5. الصبر والأناة ، ومراكمة الخبرات والقدرات .
هذا بعض ما تيسر من فهم لمراقب للموقف عن بعد ، معتقدين أن مثل هذه الأوراق يجب أن تخضع للتدقيق والتقييم ، والدراسة والتحليل . فكل يؤخذ منه ويرد عليه ، إلا صاحب ذاك القبر صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .