- ℃ 11 تركيا
- 23 نوفمبر 2024
"هآرتس": علينا مصادرة توزيع حماس للمساعدات الإنسانية دون تهجير وتجويع
"هآرتس": علينا مصادرة توزيع حماس للمساعدات الإنسانية دون تهجير وتجويع
- 22 نوفمبر 2024, 11:39:56 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
* داني أورباخ - هآرتس
يتوفر في التاريخ العسكري العديد من الأمثلة لخطط عسكرية بدت منطقية تماماً على الورق، لكنها فشلت وضاعت في غياهب النسيان بسبب عدم قابليتها للتنفيذ، سياسياً.
فعلى سبيل المثال، خلال الحرب الروسية -اليابانية (1904-1905)، خطّط القائد الروسي أليكسي كوروباتكين لاستدراج اليابانيين إلى عمق الأراضي الروسية، الأمر الذي يؤدي إلى إطالة خطوط إمداداتهم، ثم سحقهم بهجوم مضاد عندما يصبحون ضعفاء ومنهكين وجائعين.
نظرياً، لم يكن هناك أيّ شيء يمكن أن ينقذ اليابانيين من هذه الخطة البسيطة، والذكية، والقاسية. لكن من الناحية السياسية، كانت هذه الخطة مشروعاً لم يُكتب له النجاح، ولم يكن في الإمكان أن ترى النور. حدث هذا، أساساً، لأن القيصر نيكولاي الثاني، الذي كانت له الكلمة الفصل في الخطط الحربية، لم يستطع أن يفهم لماذا يجب أن تتراجع قوة أوروبية عظمى، مثل روسيا، أمام اليابانيين الذين كان يحتقرهم. وكلما ازداد تراجُع كوروباتكين، كلما فقد القيصر ثقته بقائده العسكري. في النهاية، دفع كوروباتكين ثمن التراجع، فأقاله القيصر قبل أن يتمكن من تنفيذ خطته. لم يدرك القائد الروسي أن السياسة في مسائل الحرب هي صاحبة الكلمة الأخيرة دائماً.
على هذا النحو، تبدو خطة الجنرال المتقاعد غيورا آيلاند، "خطة الجنرالات"، والتي تتضمن تهجير سكان شمال قطاع غزة، وعزل المقاتلين الموجودين هناك وتجويعهم، مع المدنيين الذين يقررون البقاء، منطقية على الورق، لكنها في الواقع خطة خاطئة وضارة ومدمرة، لأنها تفتقر إلى الجدوى السياسية، والقانونية، وحتى الأخلاقية. والأسوأ من ذلك، هو أن تنفيذها بشكل جزئي قد يكلف إسرائيل ثمناً باهظاً من دون أن تجني الفوائد المرجوة.
من الناحية العسكرية البحتة، هناك منطق كبير في طروحات آيلاند. فإسرائيل تعاني جرّاء نقص في القوى البشرية، وإنهاك منظومة الاحتياط، وفقدان صبر الجمهور على استمرار القتال والخسائر في قطاع غزة. إن هذا الصبر هو مورد محدود، والغارات المتكررة على مناطق سبق أن "تم تطهيرها" تستهلكه. وإجلاء المدنيين عن منطقة معادية سيمكّن إسرائيل من عزل مقاتلي "حماس". وبهذا، يستطيع الجيش الإسرائيلي السيطرة على نقاط استراتيجية رئيسية من دون أن يتكبد ثمناً باهظاً في المال والأرواح، بالإضافة إلى ضرب "حماس" في نقطة ضعفها الأكثر إيلاماً: خسارة الأراضي بشكل دائم.
آيلاند محقّ أيضاً في قوله إن إسرائيل تقوم بتغذية "حماس"، بضغط من المجتمع الدولي. فالحركة تستولي على المساعدات الإنسانية التي تمررها إسرائيل إلى القطاع، وهو ما يعزز سيطرتها. وبدلاً من تقصير مدة الحرب، تعمل إسرائيل على إطالة أمدها عبر تغذية العدو بالطعام والوقود، الأمر الذي يزيد في معاناة جميع الأطراف. أيضاً آيلاند محق في زعمه أن تقديم المساعدات الإنسانية يعيق عودة الأسرى. يجب التذكير بأن "حماس" وافقت على الصفقة الأولى، التي تم بموجبها إطلاق سراح نصف الأسرى، ليس فقط بسبب الضغط العسكري، بل أيضاً لأن إسرائيل خنقتها بحصار شامل في ذلك الوقت. وعندما بدأ تدفُّق المساعدات، تراجع دافعها إلى إبرام صفقة أسرى جديدة.
ومع ذلك، ومثل المثال الروسي، ليس كل ما يبدو صحيحاً من الناحية العسكرية يمكن اعتباره منطقياً من الناحية الأخلاقية، أو القانونية، أو السياسية.
فلا يمكن لإسرائيل تجويع الآلاف من المدنيين الذين قد لا يكون لديهم وسيلة لمغادرة المناطق الخطِرة، وإن تم تحذيرهم، وخصوصاً إذا لم تُقدَّم لهم بدائل آمنة. وعلى الرغم من أن القانون الدولي يسمح بإجلاء المدنيين بشكل موقت عن مناطق النزاع، فإن ذلك الإجلاء يقتصر على الفترة التي تستمر فيها المخاطر، ولا يجوز أن يكون دائماً؛ أيضاً من المؤكد أنه لا يجيز إلحاق الضرر المتعمد بالمدنيين الذين بقوا في تلك المناطق.
علاوةً على ذلك كلّه، تعدّ الخطة غير قابلة للتنفيذ من الناحية السياسية. فعلى الرغم من أن قواعد وزارة الدفاع الأميركية تسمح بفرض حصار على منطقة معادية، فإن الإدارة الحالية (على الأقل) لا تسمح لإسرائيل بالعمل، وفقاً للمعايير المتساهلة التي تطبّقها على نفسها. وحتى لو سمحت إدارة دونالد ترامب بذلك، فإن إسرائيل لا يمكنها أن تتحمل عواقب حرق ما تبقى من جسور تربط بينها وبين أوروبا، ومصر، والأردن، والإمارات، والسعودية.
لقد دعوت، مراراً، إلى اختبار حدود صبر المجتمع الدولي إلى أقصى مدى من أجل تحقيق الهدف الرئيسي للحرب: القضاء على حركة "حماس". ومع ذلك، فإن منع المساعدات الإنسانية بالكامل سيؤدي إلى نفاد صبر المجتمع الدولي، وهو ما سيؤثر في إمدادات السلاح إلى إسرائيل.
بينما سيمثل تنفيذ خطة آيلاند، جزئياً، الخيار الأسوأ على الإطلاق: إذ إن إسرائيل ستتحمل تداعيات الغضب الدولي، وسترضخ في النهاية للضغوط، وستضطر إلى إدخال المساعدات، لكنها لن تنجح في تحقيق أهدافها.
في السياق نفسه، لن نتمكن من تجاهُل المعضلة التي يطرحها آيلاند: وهي معضلة قيام إسرائيل بتغذية العدو، والتي تساهم في حفاظ "حماس" على قدرتها في غزة، إن لم يكن كدولة فعلية. هذه الحقيقة تجبر الجيش الإسرائيلي على العودة، مراراً، إلى المناطق التي "طهّرها" مسبقاً، وهذا يمثل استنزافاً للمال والذخيرة، والأهم من ذلك، أرواح الجنود.
والحل الوحيد لهذه المعضلة هو توجيه المساعدات الإنسانية إلى المناطق الواقعة تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل، وتوزيعها هناك تحت إشرافها.
على إسرائيل إنشاء "مناطق آمنة" في شمال قطاع غزة وجنوبه ووسطه. وإقامة مخيمات مجهزة بالمياه والغذاء والأدوية في هذه المناطق، بإدارة منظمات دولية، وتحت إشراف إسرائيلي. وتقوم إسرائيل بدعوة سكان القطاع إلى هذه المناطق، حيث سيتم إخضاعهم لعملية فحص أمني يُجريها جهاز الشاباك لتحديد واعتقال عناصر "حماس". وسيوجّه الجيش الإسرائيلي، بالتدريج، المساعدات الإنسانية المرسلة إلى القطاع نحو هذه المناطق، على حساب المناطق التي تخضع لسيطرة "حماس".
على هذا النحو، ستفي إسرائيل بالتزامها، بصفتها قوة محتلة، من ناحية توفير المساعدات الإنسانية للسكان، وستمنع حركة "حماس" من التحكم بالمجتمع في غزة من خلال توزيع المساعدات. وبمرور الوقت، قد تتمكن إسرائيل أيضاً من إنشاء قاعدة لحكم عسكري موقت. وسيُستبدل هذا الحكم في المستقبل بسلطة فلسطينية محلية، تخضع لإشراف إسرائيلي، أو دولي موثوق به، وتبدأ عملية طويلة لنزع تأثير "حماس" والتطرف من السكان في قطاع غزة. فقط من خلال هذه العملية، يمكن تأسيس أساس للتعايش الإسرائيلي - الفلسطيني في المستقبل. الشرط الأساسي لتحقيق ذلك هو سحب السيطرة على المساعدات الإنسانية من يد "حماس"، من دون الانجراف وراء أوهام التهجير والتجويع الجماعي.
--------------------------------------------------
* المؤرخ العسكري في الجامعة العبرية في القدس
[1] قدّم أربعة أكاديميين إسرائيليين، منهم البروفيسور داني أورباخ، في شباط/فبراير 2024، وثيقة بعنوان "إعادة إعمار غزة بعد حماس".