- ℃ 11 تركيا
- 25 نوفمبر 2024
Paper Tiger: كيف يتصور أعداء واشطن القوة الأمريكية؟
Paper Tiger: كيف يتصور أعداء واشطن القوة الأمريكية؟
- 30 أغسطس 2023, 6:21:16 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عرض: سيد مجاهد
كان صعود الولايات المتحدة على قمة النظام العالمي الراهن مصحوباً بتوظيف واشنطن عدداً من الأدوات، ومنها الأدوات الإكراهية، لضمان فرض السيطرة الأمريكية على النظام العالمي؛ الأمر الذي استعدى العديد من الأطراف الدولية التي حاولت طرح خطاب مناوئ للهيمنة الأمريكية. وهذا الخطاب اعتمد – في جانب رئيسي منه – على محاولة تقويض الصورة الذهنية للقوة الأمريكية، والترويج لواشنطن باعتبارها “قوة مأزومة” حاولت أن تضخم قدراتها بخلاف الواقع، كي تنجح في خدمة مصالحها وإقناع الدول الأخرى بالامتثال للتوجهات الأمريكية.
وفي هذا السياق، نشر الكاتبان “باراك مندلسون” و”دومينيك تيرني” مقالاً حمل عنوان “النمر الورقي: صورة العدو لأمريكا”، في مجلة “سيرفيفال” (Survival)، تحدث فيه الكاتبان عن نظرة الأعداء التقليديين إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها؛ حيث ثبت أن هؤلاء الأعداء، على اختلاف أشكالهم وأيديولوجياتهم، أجمعوا أن الولايات المتحدة هي “نمر من ورق” (Paper Tiger)، في إشارةٍ إلى مقولة الزعيم الشيوعي الصيني “ماو تسي تونج” في عام 1946، وهي المقولة التي توحي بأن الشيء قد يبدو من حيث المظهر مخيفاً، لكنه في الحقيقة ضعيف. وقد أشار الكاتبان إلى أن هذا الاعتقاد قد دفع أعداء واشنطن إلى الاستهانة بالقوة الفعلية للولايات المتحدة، ومن ثم كانت قراراتهم بشن حروب ضدها خاطئة، وأدت إلى هزيمتهم في النهاية.
نماذج تاريخية
أفاد المقال بأن قائمة أعداء الولايات المتحدة الأساسيين في الحروب الكبرى، منذ عام 1941، تشمل اليابان وألمانيا والصين وفيتنام الشمالية والعراق وتنظيم القاعدة وحركة طالبان، مشيراً إلى أنه على الرغم من اعتقادهم جميعاً برواية أن الولايات المتحدة “نمر من ورق”، فإنهم يختلفون في توصيف قدرات واشنطن من حيث القوة والضعف. وفيما يأتي أبرز التصورات لكل “عدو” من أعداء واشنطن على حدة.
1– التقديرات الخاطئة لقدرة اليابان على هزيمة واشنطن: اختلفت تقديرات اليابانيين حول إمكانية تحقيق النصر على الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، فكانت لدى الأغلبية قناعات بأن واشنطن معرضة للخطر بسبب الانقسامات الطبقية الداخلية، وافتقار الجنود إلى العزيمة في القتال، واعتقدت اليابان أن لديها فرصة عادلة للتغلب على الولايات المتحدة في الحرب؛ بسبب تفوق جنودها في الروح القتالية، بينما كان على الجانب الآخر اتجاهات تشكك في إمكانية تحقيق اليابان – بقدراتها المحدودة نسبياً مقارنةً بالقدرات الأمريكية – انتصاراً حاسماً في المعركة.
أرادت اليابان خلال الحرب العالمية الثانية أن تحقق النصر على الولايات المتحدة وبريطانيا باستخدام استراتيجية الحرب الطويلة الأمد، التي تعتمد على تكتيكات الاستنزاف، واعُتبر الهجوم المفاجئ على “بيرل هاربور” بمنزلة فرصة لشل البحرية الأمريكية، كما أرادت اليابان – من خلال تحالفها مع الفاشيين الأوروبيين – أن تجبر الولايات المتحدة على القتال على جبهات متعددة، واعتقدوا أن المجتمع الرأسمالي الأمريكي أضعف من أن يتحمل أعباء الحرب لفترة طويلة وقاسية، لكنهم في النهاية أخطؤوا في هذا التقدير، وتعرضوا لهزيمة قاسية.
2– معضلة اعتقاد النظام النازي بالقدرة على هزيمة واشنطن: كانت القيادة النازية في ألمانيا، بقيادة “هتلر”، بحسب المقال، تدرك أن الولايات المتحدة لديها قوة مادية هائلة، لكنها رغم ذلك اعتقدت أنها قادرة على تحقيق الانتصار؛ لأن الولايات المتحدة لديها نقاط ضعف داخلية تتمثل في الانقسامات الطبقية والعرقية؛ حيث اعتقد هتلر أن نحو 60 مليون أمريكي لديهم أصول عنصرية، وأن سبب ضعف المجتمع الأمريكي أن نصفه “مُهوَّد”، والنصف الآخر من الأمريكيين من أصل أفريقي، في حين أنه رأى أن ألمانيا كانت مجتمعاً عضوياً حقيقياً.
كانت استراتيجية برلين لتحقيق النصر على الولايات المتحدة غامضة، لكنها افترضت حرباً طويلة؛ ففي عام 1939، قال هتلر: “يجب على الحكومة أن تكون مستعدة لحرب مدتها عشر سنين إلى خمس عشرة سنة”، وقد رأى هتلر أن هناك فرصة سانحة لإنشاء تكتل مكتفٍ ذاتياً، ويمكنه منافسة القوة العالمية الأنجلو–أمريكية وهزيمتها في نهاية المطاف.
3– اقتناع الصين بفشل الولايات المتحدة في وقف المد الشيوعي: شهدت الحرب الكورية عام 1950 صداماً عنيفاً بين الرأسمالية الأمريكية والشيوعية الصينية؛ حيث تدخلت الولايات المتحدة وحلفاؤها لمساعدة سيول، بينما تدخلت الصين بقوات برية لمواجهة القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها. وعلى الرغم من أن بكين كانت تدرك القوة الصناعية والتكنولوجية الأمريكية، فإنها كانت واثقةً بقدرتها على هزيمة واشنطن وتعزيز مكانة الصين الإقليمية وتعزيز السيطرة الشيوعية.
اعتقد الزعيم الصيني “ماو تسي تونج” أن الولايات المتحدة ستفشل في وقف تمدد الشيوعية، كما اعتقد المسؤولون الصينيون أن الاقتصاد الأمريكي الرأسمالي لا يمكنه تحمل التعبئة العسكرية المستمرة، وأن الولايات المتحدة تفتقر إلى القوات اللازمة للقتال بفاعلية في آسيا؛ لذلك أرادت بكين شن حرب طويلة الأمد تستطيع من خلالها استنزاف الولايات المتحدة، لكن في النهاية لم تتمكن بكين من تحقيق الانتصار المُنتظر، ولم تتحقق أهدافها حينذاك.
4– رهان فيتنام على تحقيق نصر استراتيجي في مواجهة واشنطن: خلال حرب فيتنام، رأت فيتنام الشمالية أن الولايات المتحدة قوية مادياً، وكانت على علم بالقدرات المادية الأمريكية، بما في ذلك التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة والقوة الجوية، لكنها كانت ترغب في توحيد البلاد وفق شروطها؛ حيث أدركت أن هذه المهمة ستكون صعبة لكنها ليست مستحيلة، واعتقدت فيتنام أيضاً أن “خوض حرب طويلة الأمد هو نقطة ضعف الولايات المتحدة”.
أيقنت فيتنام أن استراتيجية الحرب الطويلة ستؤدي إلى تفاقم التوترات في المجتمع الأمريكي، من خلال إثارة الرأي العام الأمريكي ضد حرب فيتنام، ومن ثم ستُجبر واشنطن على سحب قواتها؛ لذلك أعلن الرئيس الفيتنامي الشمالي “هوتشي مينه” أن “كسب تأييد الشعب الأمريكي أمر مهم للغاية”، مؤكداً أن الأمريكيين لن يسمحوا بتبديد مواردهم في فيتنام إلى ما لا نهاية.
5– فشل العراق في إجبار القوات الأمريكية على الانسحاب: خلال حرب الخليج 1990–1991، رأى الرئيس العراقي الأسبق “صدام حسين”، وفقاً للمقال، أن الولايات المتحدة قوية مادياً، لكنه اعتقد أنها لن تجرؤ على المغامرة مرة أخرى، بعد فشل الحرب على فيتنام، وإذا حدث ذلك، فإن مهمتها ستنتهي بالفشل أيضاً. وكان هذا الاعتقاد نابعاً من تفاؤل “حسين” بأن الرأي العام الأمريكي لن يسمح بتكرار الخسائر المتتالية للجيش الأمريكي.
كان لدى “صدام” يقين بأن الجنود العراقيين أكثر ثباتاً وقوةً في المعركة من الجنود الأمريكيين؛ وذلك لإيمانهم بأن الجهاد أحد أهدافهم في الحرب، ورأى أن إطالة أمد القتال من خلال تكتيكات الاستنزاف، من شأنه أن يقوض التحالف الذي تقوده واشنطن، ويؤدي إلى تآكل الدعم الشعبي الأمريكي للحرب، كما أرادت بغداد أن تفصل الشركاء العرب عن التحالف الأمريكي، وإجبار الولايات المتحدة على نشر قوات أمريكية إضافية، ومن ثم زيادة المشاعر المناهضة للحرب في الداخل؛ ما يجبر واشنطن على التراجع.
6– إيمان التنظيمات الإرهابية بإمكانية التغلب على القوة المادية الأمريكية: سعت التنظيمات الإرهابية، بحسب المقال، التي تحمل أفكاراً متشددة، مثل تنظيم القاعدة وطالبان وجماعة التوحيد والجهاد، إلى توحيد الأراضي الإسلامية في خلافة واحدة، ثم التوسع في المناطق غير الإسلامية، واعتقدت قيادات هذه التنظيمات أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب قتال الولايات المتحدة، باعتبارها العدو الأكبر للعالم الإسلامي، كما أيقنت أن القوة الدينية التي تدعي امتلاكها سوف تتغلب على أي قوة أخرى مادية تمتلكها الولايات المتحدة.
اعتمدت هذه التنظيمات، في حربها ضد القوات الأمريكية في المنطقة، على استلهام الروح الجهادية ضد “النمر الورقي الأمريكي”، على حد وصفها، كما اعتمدت على أساليب الحرب غير التقليدية، التي تستند إلى تكتيكات فردية وعمليات اغتيال، فضلاً عن استدراج القوات الأمريكية في الأماكن الصحراوية والجبلية التي تسيطر عليها جيداً، لتكون حرباً مفتوحة تُلحِق بالقوات الأمريكية خسائر واسعة. وعلى الرغم من إدراك التنظيمات الإرهابية للقوة الأمريكية، اعتقدوا أن بإمكانهم التغلب عليها مع إطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة.
استفادة “واشنطن”
بالرغم من النماذج المشار إليها، وتقليل بعضها من القدرات الأمريكية واعتبارها “نمراً من ورق”، فإن هذا التصورات لم تكن دقيقة في بعض الأحيان. وهذا الأمر كانت تستفيد منه واشنطن؛ لأنه يعطيها أفضلية في الحروب ضد أعدائها وخصومها. وهذه الأفضلية اتخذت ملامح رئيسية تمثلت في الآتي:
1– الاعتقاد خطأً بعدم كفاية القدرات المادية الأمريكية لكسب الحرب: اتفق العديد من أعداء الولايات المتحدة، بحسب المقال، على رؤية واحدة لنقاط القوة والضعف لواشنطن في الحرب؛ فقد اعتقدوا أن الولايات المتحدة قوية مادياً، لكنها مع ذلك ضعيفة لأن جنودها يفتقرون إلى الروح القتالية، ولأن مواطنيها يكرهون وقوع الخسائر البشرية. وقد شجَّعت هذه الرؤية أعداء واشنطن على تبني استراتيجية حرب طويلة المدى، هدفها استنزاف القوات الأمريكية، وبالطبع قد ساعدت هذه الرؤية واشنطن في تحقيق مصالحها.
2– تجاهل واشنطن تصورات أعدائها حول نقاط ضعفها: اللافت أن الولايات المتحدة تعاملت بدرجة كبيرة من البرجماتية مع تصورات أعدائها، وسمحت لهم بمساحة أكبر للاستمرار في رؤيتهم غير الدقيقة لواشنطن؛ فقد أدرك صناع السياسات والباحثون الأمريكيون تصورات الأعداء لنقاط القوة والضعف الأمريكية، إلا أنهم كانوا يميلون إلى إهمال تصورات العدو لنقاط الضعف؛ فقد أدركوا أن الأعداء في بعض الأحيان يلجؤون إلى إبراز جوانب الضعف في الخطابات الرسمية، لتعزيز الثقة وحشد الدعم ضد الولايات المتحدة، ومن ثم اعتبروا أن الخصوم غير قادرين على التفكير بشكل عقلاني.
3– دفع خصوم الولايات المتحدة إلى قرارات كارثية: أشار عالم السياسة الأمريكي “ريتشارد بيتس”، في كاتبه “القوة الأمريكية” إلى أن خصوم الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب الباردة، كثيراً ما أخطؤوا في الحكم على “استعداد واشنطن لمحاربتهم بفاعلية، بل دفع هذا الاعتقاد أيضاً اليابان، أثناء الحرب العالمية الثانية، إلى شن الحرب على الولايات المتحدة عام 1941، على الرغم من أن قوة اليابان لا تتجاوز عُشر قوة الولايات المتحدة. وعطفاً على هذا، بدا أن التقديرات غير الواقعية للقوة الأمريكية، تعطي واشنطن أفضلية استراتيجية في حال مواجهة خصوم أقل في القدرات، وهم الخصوم الذين يتبنون قرارات كارثية قد تؤثر – بشكل أو بآخر – على استقرار وأمن هؤلاء الخصوم.
وختاماً، لفت المقال إلى أنه بالرغم من وجود اختلافات جوهرية بين خصوم الولايات المتحدة التقليديين، فإنهم أجمعوا جميعاً على أن الولايات المتحدة “نمر من ورق”، رغم إدراكهم القوة المادية الأمريكية، لكنهم يميلون إلى تبني رؤى تحمل دلالات النصر على واشنطن، حتى لو كان هذا النصر سيتحقق على المدى الطويل، مع تسليط الضوء على ضعف الداخل الأمريكي، وتخوفاته من وقوع الخسائر البشرية والافتقار إلى الروح القتالية. وقد رجَّح الكاتبان أن كل هذه العوامل دفعت خصوم واشنطن إلى تبني قناعات وهمية بأنهم قادرون على إلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة، وربما ساهمت عوامل أخرى في تبني هذه النظرة، مثل التحيز إلى الذات والأيديولوجية، فضلاً عن الخطاب الدعائي الذي يستهدف تعزيز الثقة وحشد الدعم.