من أبرز المحطات التي جسدت هذا الصعود، كان انتصار طالبان في أفغانستان عام 2021، حين نجحت الحركة في استعادة الحكم بعد عقدين من الاحتلال الأمريكي.

إسلام الغمري يكتب: التحولات الكبرى: ملامح صعود الإسلاميين وإعادة رسم المشهد

profile
  • clock 15 مارس 2025, 8:07:37 م
  • eye 459
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

تشهد المنطقة الإسلامية اليوم تحولات غير مسبوقة تعكس صعود التيار الإسلامي كلاعب رئيسي في المشهد السياسي والعسكري. لم تعد هذه التحولات مجرد تطورات معزولة، بل أصبحت جزءًا من ديناميكية أوسع تعيد تشكيل موازين القوى، وتؤسس لمرحلة جديدة من التأثير الإسلامي على الصعيدين الإقليمي والدولي. هذه المرحلة لا تمثل مجرد رد فعل على الأوضاع الراهنة، بل تعكس تراكمًا استراتيجيًا وتجربة ممتدة مكّنت الحركات الإسلامية من الانتقال من حالة الدفاع إلى مرحلة الفعل والتأثير المباشر.

 

محطات التحول: من المقاومة إلى فرض المعادلات

 

من أبرز المحطات التي جسدت هذا الصعود، كان انتصار طالبان في أفغانستان عام 2021، حين نجحت الحركة في استعادة الحكم بعد عقدين من الاحتلال الأمريكي. لم يكن هذا الحدث مجرد انسحاب للقوات الأجنبية، بل إعلانًا عن فشل المشروع الغربي في إخضاع الشعوب المسلمة، وانتصارًا لنموذج المقاومة الإسلامية القادر على الصمود والاستمرار رغم الضغوط والعقوبات. لقد أثبتت طالبان قدرتها على إدارة الدولة، والتكيف مع المتغيرات الدولية، مع الحفاظ على هويتها الإسلامية، مما جعل انتصارها رمزًا لتحولات أوسع في المنطقة.

 

وفي سوريا، جاء الانتصار الحاسم للثورة في ديسمبر 2024 ليؤكد أن الحركات الإسلامية المسلحة قادرة على إحداث تغيير جذري في المشهد السياسي. بعد أكثر من عقد من المواجهة، نجحت الفصائل الإسلامية في إسقاط نظام الأسد من خلال حملة عسكرية خاطفة، لتثبت أن الإسلاميين ليسوا فقط قوى مقاومة، بل قادرون أيضًا على استثمار الأوضاع الميدانية لفرض إرادتهم السياسية.

 

أما في السودان، فقد برز التيار الإسلامي كقوة قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والتعامل مع محاولات القوى الإقليمية والدولية لإجهاض أي مشروع إسلامي ناجح. ويكشف الأداء العسكري والسياسي المتماسك هناك عن نضج التجربة الإسلامية في إدارة الصراعات، واستيعابها لدروس الماضي.

 

فلسطين في قلب الصعود الإسلامي

 

في 7 أكتوبر 2023، شكلت عملية طوفان الأقصى تحولًا استراتيجيًا في مسار القضية الفلسطينية، إذ أعادت الحركات الإسلامية موقعها في صدارة المقاومة، ووجهت ضربة قاسية للاحتلال الإسرائيلي ومنظومته الأمنية. لم تكن هذه العملية مجرد تصعيد عسكري، بل تأكيدًا على أن الإسلاميين قادرون على فرض وقائع جديدة تتجاوز حسابات التسويات الهشة، وتعزز فكرة المقاومة كخيار استراتيجي لاستعادة الحقوق.

 

الإسلاميون وتحديات السياسة: بين العثرات والفرص

 

لم يكن صعود الإسلاميين خاليًا من العقبات، إذ واجه التيار الإسلامي ضربات عنيفة، كما حدث في مصر عام 2013 حين أطاح انقلاب عسكري بتجربة الحكم الإسلامي، وفي تونس عام 2021 عندما تم تقويض التجربة الديمقراطية عبر انقلاب ناعم. إلا أن هذه الانتكاسات لم تكن نهاية المطاف، بل محطات لصياغة استراتيجيات أكثر وعيًا بطبيعة التحديات، وأكثر قدرة على التكيف مع المتغيرات.

مستقبل الصعود الإسلامي: نحو تمكين مستدام

 

لم يعد التيار الإسلامي مجرد معارضة سياسية أو فاعل عسكري في مناطق النزاع، بل أصبح قوة صاعدة، تفرض نفسها على الأرض، وتعيد تشكيل المشهد وفق رؤية متكاملة. يتمثل التحدي الأكبر اليوم في كيفية تحويل هذه الانتصارات الجزئية إلى مشروع نهضوي مستدام، قادر على الجمع بين القوة السياسية، والإدارة الاقتصادية، والاستقلال الاستراتيجي.

 

إن ما نشهده اليوم هو مرحلة إعادة التموضع، حيث يستفيد الإسلاميون من تراجع النظم التقليدية، ويملأون الفراغات التي خلفتها الفوضى السياسية والاقتصادية في المنطقة. ومع تصاعد الأزمات العالمية، يبرز الإسلاميون كبديل قادر على تقديم نموذج مختلف، مستند إلى قاعدة شعبية واسعة، وإرث طويل من التحدي والصمود.

 

نحن أمام مشهد جديد، تتغير فيه قواعد اللعبة، ويتحول فيه الإسلاميون من أطراف محاصرة إلى قوى مؤثرة، قادرة على فرض إرادتها في ساحات المواجهة السياسية والعسكرية. إنها مرحلة لم تعد فيها الحركات الإسلامية مجرد فكرة أو تيار، بل أصبحت حقيقة ترسم ملامح مستقبل المنطقة، وتعيد ترتيب الأوراق وفق معادلات جديدة، يتصدر فيها الإسلاميون مشهد الفعل والتأثير.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)