الداعية الشيخ خالد سعديكتب : حراسة الشريعة والدين رسالة العظماء وأمانة الصادقين

profile
خالد سعد داعية إسلامي مصري
  • clock 6 فبراير 2025, 4:40:23 م
  • eye 71
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي شرف الأمة الإسلامية بحمل راية التوحيد، وأكرمها بحراسة دينه، وجعل الدفاع عن الشريعة أمانةً في أعناق عباده المخلصين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إمام المجاهدين، وسيد المرابطين، وقائد الغرّ المحجلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد،

فإن أشرف المقامات التي يبلغها المؤمن في هذه الدنيا أن يكون من حراس الشريعة، وأهل النصرة لدين الله، والساعين إلى إعلاء كلمته، والذّابين عن حياضه، والحافظين لحدوده. فالدين أمانة، والشريعة وديعة، والإسلام رسالة، لا يحملها إلا الصادقون الذين وهبوا نفوسهم لله، وأوقفوا حياتهم للدفاع عن دينه، وثبتوا على طريق الجهاد في كل ميادينه، مهما كثرت الفتن واشتدت المحن.

حقيقة الحراسة الشرعية للدين

إن مفهوم حراسة الدين لا يقتصر على الذود عنه بالسلاح فحسب، بل يشمل كل صور الجهاد والاجتهاد في سبيل الله، حمايةً لعقيدة التوحيد، وحفاظًا على السنة، ونشرًا للهدى، ودفعًا للباطل، وإقامةً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال النبي ﷺ في بيان دور أهل العلم والدين:"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين" (رواه البيهقي).

فهذه الحراسة واجبٌ متنوع الأدوار، فمنها:حراسة العلم بحفظ العقيدة الصحيحة، وردّ البدع، وبيان الحق، وإقامة الحجة.

حراسة الجهاد بالنفس والمال والسلاح دفاعًا عن الإسلام وأهله.

حراسة الدعوة بنشر الدين وتبليغه بالحكمة والموعظة الحسنة، وهداية الناس إلى سواء السبيل.

حراسة القيم والأخلاق بمواجهة الانحرافات الفكرية والاجتماعية التي يروّج لها أعداء الإسلام.

حراسة المجتمع الإسلامي بتربية الأجيال على الدين، وتعليمهم معاني العزة والاستقامة والثبات.


وقد وعد الله سبحانه وتعالى أهل هذه الحراسة الصادقة برفعة في الدنيا والآخرة، فقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].

أهل الحراسة أعظم الناس مقامًا عند الله

إن أرفع الناس منزلةً وأشرفهم مقامًا هم الذين نذروا أنفسهم لحراسة الدين، ووقفوا حياتهم للدفاع عن الإسلام، سواءٌ في ميدان القتال، أو في ساحات الفكر، أو على منابر الدعوة، أو في ساحات الإعلام، أو في معترك التربية والإصلاح.

وقد وصفهم الله في كتابه بقوله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].

فهؤلاء الرجال هم الذين ثبتوا على العهد، ولم يبدلوا ولم يضعفوا، بل مضوا في سبيل الله، وبذلوا أرواحهم وأموالهم من أجل نُصرة دينهم، فرفعهم الله وجعلهم نجومًا يهتدى بها، وأعلامًا تسير عليها الأجيال، وقدوةً لكل من أراد العزة في الدنيا والفلاح في الآخرة.

وقد شهد الله لهم بأنه اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بثمن غالٍ لا يساويه شيء، فقال تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

أنواع حراسة الدين والشريعة

1. الحراسة بالعلم

وهي من أشرف صور الحراسة، فإن العلماء ورثة الأنبياء، وهم الحماة الحقيقيون لهذا الدين، الذين يقفون سدًا منيعًا أمام الانحرافات الفكرية والضلالات العقدية، ويردّون على الشبهات، ويقيمون الحجة، ويصححون المفاهيم.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
"العلماء هم الذين يدفعون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فهم الحراس الحقيقيون على شريعة الله".

2. الحراسة بالجهاد في سبيل الله

وهي الحراسة بالنفس والمال والسلاح، وهو أشرف ميادين الحراسة، فقد قال النبي ﷺ:
"عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" (رواه الترمذي).

3. الحراسة بالدعوة والتربية

فإن الدعوة إلى الله ونشر العلم الشرعي، وتربية الأجيال على الدين، وتحبيب الناس في التوحيد، هو من أعظم صور الحراسة. قال الله تعالى:
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

4. الحراسة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وهذه من أوجب الواجبات، فإن ترك الحسبة يفسد الدين، ويضيع المجتمع، ويجعل الفساد متغلغلًا في الأمة، قال الله تعالى:
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110].

رسالة إلى أهل العزة والإيمان

يا من تريد أن تكون من أهل الحراسة لهذا الدين، اعلم أن الطريق ليس سهلًا، لكنه طريق الأنبياء والصالحين، محفوفٌ بالصبر واليقين، محاطٌ بالمحن والابتلاءات، لكن نهايته الجنة. فاثبت على الدرب، واصدق في العهد، وأحسن العمل، ولا تلتفت إلى المرجفين والمخذّلين، فإن الله غالبٌ على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].

اللهم اجعلنا من حراس الدين، وثبتنا على الصراط المستقيم، ووفقنا لما تحب وترضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

التعليقات (0)