- ℃ 11 تركيا
- 22 يناير 2025
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: حرمة الدماء وصيانة الأرواح في الإسلام نداء إلى العقلاء في زمن الفتن
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: حرمة الدماء وصيانة الأرواح في الإسلام نداء إلى العقلاء في زمن الفتن
- 22 يناير 2025, 5:17:16 م
- 65
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
قدسية النفس البشرية في الإسلام
الحمد لله الذي شرع دينًا يحفظ للإنسان حقوقه ويصون كرامته، وجعل النفس البشرية أمانة عظيمة، وحرّم الاعتداء عليها إلا بالحق، فقال في محكم التنزيل: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]. والصلاة والسلام على رسول الرحمة، محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وحذرنا من التورط في الدماء، فقال: "أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء" (رواه البخاري).
في زماننا هذا، نشهد أحداثًا مؤلمة ومروعة، حيث أصبح القتل أمرًا شائعًا ومعتادًا، وفقدت النفوس حرمتها في قلوب كثير من الناس. وهذه الحوادث تمثل نذير شؤم ومؤشرًا خطيرًا على تفشي الفتن التي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم، مما يستوجب منا وقفة جادة لنتأمل أسبابها، ونبحث عن علاجها.
---
ظاهرة القتل في زمان الفتن: وصف النبوة لواقعنا
لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامات الساعة كثرة القتل والفتن، فقال: "يُقبَضُ العلمُ، ويظهَرُ الجهلُ، والفتنُ، ويَكثُرُ الهرْجُ". قيل: يا رسول الله، وما الهرج؟ فقال: "القتل" (رواه البخاري ومسلم).
هذا الحديث الشريف يرسم صورة دقيقة لزمان يكثر فيه القتل وتنتشر فيه الفتن حتى تصبح الدماء رخيصة، ويقتل الإنسان أخاه بلا سبب واضح. وهذا الوصف ينطبق على عصرنا اليوم، حيث أصبحت الأرواح تُزهق لأتفه الأسباب، وانتشرت الجرائم في كل مكان، حتى بات القتل مشهدًا يوميًا يُشاهد على شاشات التلفاز، أو يُقرأ عنه في الأخبار.
ولعل ما حدث مؤخرًا في مصر من جرائم مروعة، مثل جريمة قتل بشعة في الأقصر، حيث أقدم شاب نصراني على قتل مسن بوحشية وقطع رأسه واكل منها وشرب من دمه وكتب بدمائه على الحائط ، أو حادثة الفيوم التي وقعت داخل أحد البنوك ، إضافة إلى جريمة نصراني قتل ابنته لأنها اعتنقت الإسلام، كلها أمثلة حية على واقع مخيف يعكس انحدار القيم وغياب الوازع الديني خاصة في السنوات العشر الأخيرة وكأننا نعيش في عالم الغاب.
---
حرمة الدماء في الإسلام
لقد أولى الإسلام قضية حفظ النفس البشرية مكانة عظيمة، واعتبر الاعتداء عليها من أعظم الكبائر. يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الإسراء: 33].
وجعل الإسلام الاعتداء على النفس اعتداءً على الإنسانية كلها، فقال تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم شناعة هذا الجرم في قوله: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركًا، أو مؤمن قتل مؤمنًا متعمدًا" (رواه أبو داود).
وقال أيضًا: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار" (رواه الترمذي وصححه الألباني).
---
أسباب تفشي ظاهرة القتل
انتشار ظاهرة القتل في المجتمعات لا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة عوامل متعددة، منها:
1. ضعف الوازع الديني
ضعف الوازع الديني يُعد من أعظم أسباب تفشي الجرائم وسفك الدماء. فالوازع الديني هو الذي يضبط تصرفات الإنسان ويوجهه نحو الخير، وعندما يضعف هذا الوازع تتحكم الأهواء والشهوات في النفس، وتصبح قادرة على ارتكاب أبشع الجرائم دون خشية من الله أو وازع من الضمير. يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 27]، مما يدل على أن التقوى هي الضمانة الأولى لحفظ النفس من الانحراف.
والنبي صلى الله عليه وسلم يوضح أهمية الوازع الداخلي في قوله: "الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن" (رواه أبو داود). فكلما ضعف الإيمان، زادت الجرأة على ارتكاب الجرائم.
انتشار الجهل بالدين وأحكامه
الجهل بالدين وأحكامه يؤدي إلى ضياع البوصلة الأخلاقية في المجتمع. فمن لا يعلم حرمة الدماء، ولا يدرك عواقب الظلم، قد يُقدم على القتل وسفك الدماء بغير حق. يقول الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9].
والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من الجهل كأحد علامات الفتن والفساد، فقال: "إن بين يدي الساعة أيامًا يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج والمرج" (رواه البخاري ومسلم). لذا فإن نشر العلم الشرعي وتعليم الناس أمر ضروري لمواجهة هذه الظاهرة.
الفتن والصراعات
الفتن والصراعات التي تعصف بالمجتمعات تؤدي إلى تدمير الأمن والاستقرار، وتُذكي نار العداوة والبغضاء بين الناس. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن، فقال: "ستكون فتنٌ كقطع الليل المظلم، يُصبح الرجل فيها مؤمنًا ويُمسي كافرًا، ويُمسي مؤمنًا ويُصبح كافرًا" (رواه مسلم).
كما أن الصراعات التي تقوم على العصبيات القبلية أو الطائفية هي سبب رئيسي للقتل والدمار، وقد نهى الإسلام عنها بشدة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة" (رواه البخاري ومسلم) في إشارة إلى العصبية الجاهلية.
الإعلام المنحرف
وسائل الإعلام المنحرفة أصبحت اليوم واحدة من أخطر أدوات نشر الفساد والعنف في المجتمعات. فهي تروج لأفلام ومسلسلات تدعو إلى القتل، والسرقة، والإدمان، والبلطجة، والجريمة، مما يترك تأثيرًا سلبيًا على العقول، خاصة الشباب.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 19].
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا" (رواه مسلم). لذا فإن صناعة الإعلام يجب أن تتوجه نحو تعزيز القيم الإيجابية بدلًا من الترويج للجرائم.
غياب العدالة
غياب العدالة يؤدي إلى تفشي الظلم والجرائم، حيث يشعر المظلومون باليأس، وقد يلجؤون إلى الانتقام بوسائل غير مشروعة. وقد جعل الإسلام إقامة العدل أساس الحكم الصالح، فقال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ [النحل: 90].
وأكد النبي صلى الله عليه وسلم أن العدالة يجب أن تُطبق على الجميع دون محاباة، فقال: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" (رواه البخاري ومسلم). فالناس في ظل الشريعة الإسلامية سواسية أمام القانون، لا فرق بين غني وفقير، أو قوي وضعيف.
تعزيز الوعي الديني
تعزيز الوعي الديني هو المفتاح الأساسي لتقويم المجتمعات وحمايتها من الجرائم. فالوعي الديني يُحيي الضمائر ويغرس الخوف من الله، مما يمنع الإنسان من ارتكاب المحرمات. يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28].
وينبغي على العلماء والدعاة أن يقوموا بدورهم في توعية الناس، وأن يُبيّنوا لهم خطورة الجرائم وآثارها على الفرد والمجتمع، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: "اجتنبوا السبع الموبقات..." وذكر منها: "قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق" (رواه البخاري ومسلم).
الإصلاح بين الناس
الإصلاح بين الناس من أعظم القربات التي دعا إليها الإسلام. قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات: 10].
والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن فضل الإصلاح، فقال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين" (رواه الترمذي).
نبذ العصبية والجاهلية
الإسلام جاء ليقضي على العصبية الجاهلية التي كانت سببًا للفتن والصراعات. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية" (رواه أبو داود).
وأكد القرآن الكريم وحدة البشر، فقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13].
تربية الأجيال على قيم التسامح واحترام الآخر
تربية الأجيال على قيم التسامح واحترام الآخر هي السبيل لبناء مجتمع متماسك وآمن. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [فصلت: 34].
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" (رواه البخاري ومسلم).
زرع هذه القيم في نفوس الأطفال والشباب من خلال التربية والتعليم يعزز مناعة المجتمع ضد العنف والتطرف. .
يا أيها المسلمون، إن الله قد حرم الدماء، وجعل صيانتها من أعظم مقاصد الشريعة، فلا تستهينوا بهذا الحق العظيم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا" (رواه البخاري).
لنقف جميعًا في وجه الفتن التي تفرق بيننا، ولنحرص على وحدة الصف ونبذ العصبية والجاهلية. ولنذكر أنفسنا وأبناءنا بأن قتل النفس لا يجلب إلا الخزي والهلاك.
نسأل الله أن يحفظ بلاد المسلمين من الفتن، وأن يحقن دماءنا، ويرفع عنا البلاء، ويهدينا جميعًا إلى سواء السبيل. إنه سميع مجيب واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين