الدكتور إبراهيم جلال فضلون يكتب: سوريا الكعكة الشامية هل من نجاة؟

profile
د. إبراهيم جلال فضلون أستاذ العلاقات الدولية
  • clock 20 يناير 2025, 11:18:17 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

إن آخر ما يحتاجه الوضع المُلتهب في سوريا صبّ المزيد من الزيت على النار، تلبية لرغبات بعض الدول التي تسارعت في "فرصة مجانية" لاحتلال أراضيها كإسرائيل التي أبلغت الولايات المتحدة مسبقاً التوسع جغرافيا باحتلالها اراضي سورية في هضبة الجولان ونقاط المراقبة في الأراضي السورية التي تصل مساحتها 235 كيلومترًا مربعًا، أي ما يعادل حوالي 60% من مساحة قطاع غزة، والسيطرة على منطقة جبل الشيخ تمثل "إنجازًا استراتيجيًا مجانيًا" لإسرائيل، خاصة أنها منطقة شهدت معارك دامية في حروب سابقة بين سوريا وإسرائيل.. لتخرق دولة الاحتلال للمرة الأولى منذ حرب عام 1973، ليكون هذا التوسع أكثر من 25 كيلو متر، ما يعكس رغبة إسرائيل في استغلال اللحظة التاريخية بعد سقوط الأسد لتعزيز نفوذها الإقليمي.

وكما تحررت سوريا وكانت هدفاً كما يراه الجولاني باسمه الحركي المستوحى من أصول عائلته المُتحدّرة من مرتفعات الجولان، كما قال هو، – في مقابلة مع محطة بي بي اس الأميركية عام 2021- إن جدّه نزح من الجولان بعد سيطرة إسرائيل على جزء كبير من الهضبة عام 1967، والآن مع الحالة المُتفجّرة ما عاد يجوز تجاهلها أو الاستخفاف بمخاطرها إذا خرجت عن السيطرة. فهل سيحمل على عاتقه هو من حرروا سوريا السلاح والأرواح لتحرير المكان الذي وُلد فيه ويفعل ما لم يفعله بني الأسد، والحكومات الأخرى، ولا ينسى أحد أياً كان فرداً أو دولة أن نجاح الثورة السورية لهم، وأن يستثمروا في الواقع السوري الجديد لمصالحهم، لكن السوريين أذكى من أن يتذاكى عليهم أحد، وصحيح أن نظام بشار قد سقط، ولكن سقوط الطغاة لا يعني نزول اللبن والعسل على الشعوب تلقائياً، هكذا يحكي لنا التاريخ، فالشعب السوري اليوم يعيش فرحة عارمة ونشوة غامرة ومتنفس لهواء الحرية، ولكن غداً ستذهب السكرة وتأتي الفكرة – كما يقول القول المأثور - وسيجد من يحكم سوريا الغد ملفات عديدة ومعقدة للبناء والتصالح والتفاهم مع الأكراد شرقاً والتعامل مع إسرائيل في الجولان، ومع الملف التركي وحدوده ومع مدن الساحل غرباً واحتوائها واستيعاب تطلعاتها.

 فمنذ الوهلة الأولى للأحداث بدا للعلن أن لحرب سوريا أكثر من هدف، فهي ليست معركة مستقبلية لسوريا وحدها، أيضاً معركة مستقبلية لإيران في منطقة الشرق الأوسط.. وأنه كمين لها وهو ما وعت له روسيا التي تعنيها كيفية الاستفادة من الدرس السوري حتى لا تتكرر في أوكرانيا.. فبينما كان العالم يركز على مسارات التهدئة في غزة "حركة حماس" وجنوب لبنان "حزب الله"، حتى أمن الجميع بالسلمية الهادئة، لكن (أخر الغز علقة)، كما يقول المثل المصري، ليفاجئ الجميع بتقارير الهجوم الواسع للمعارضة السورية الميدانية التي انطلقت بصورة سريعة جداً، فاقت التصور وانتهت بحلحلة النظام في 11 يوم تاريخي حيث ظهر التدبير التركي بتحريك قوتان على الأرض تسمى الفصائل المسلحة، "هيئة تحرير الشام" التي تعود أصولها إلى القاعدة وأخواتها، وهي عملياً إخوانية أي تتبع الأيديولوجيا الإخوانية التي اندحرت من مصر ومعها خيبات الأمل تجرها في شتات الأرض، وتوازي القوى الإسلامية في ليبيا وتونس واليمن. بعدها يأتي الجيش الوطني السوري وهو جماعة عسكرية منظمة على طريقة الألوية التابعة للقوات التركية كذلك، لصب الزيت على النار تجاه دمشق والساحل، أو تجاه مناطق الأكراد.. أما قوات قسد التي تحافظ على مناطق نفوذها مع العراق حتى منبج، هي أصلاً كردية وتضم مقاتلين سريان وقبائل عربية سنية متحالفة ضد الأسد والإخوان، أما الفرقاء الإقليميون الذين يدعمون هذه القوى الثلاث. محور الإخوان والتنظيم الدولي ومحور الأسد تحميه قيادة إيران وميليشياتها وروسيا، ويبقى أكراد قسد الذين يحظون بحماية عسكرية أميركية في الأقل منذ عام 2014.

كانت خطة تقسيم سوريا إلى مناطق لخفض التصعيد هي أهم ما أنتجته لقاءات أستانا، وخرجت من تحت عباءة مجلس الأمن و"الهيمنة الغربية"، لتبدوا سوريا موزعة بين مناطق بوتين- أردوغان في إدلب ومحيطها ومناطق بوتين- خامنئي في الوسط حول دمشق ثم بوتين في الساحل حول قاعدتي طرطوس وحميميم وأخيراً على حدود الجولان المحتل، وخامنئي على طريق طهران- بغداد- دمشق، ونسي الروس والإيرانيون جوهر مهمتهم المعلنة في سوريا وهو العمل لحل المشكلة السياسية والحفاظ على الدولة السورية، وصارت سوريا والمشرق بالنسبة إليهم جزءاً من ساحة معركة العالمية، فيها تحضر دولاً أخرى لألاعيب مع الفصائل المسلحة بدماء الأتباع، مع وتدخلات "مطابخ السياسات" الأميركية وحلفائها بالمنطقة، لنجد الحادث أن كلاً من الحكم السوري و"حزب الله" يتأثران جداً بلعبة التوازنات التي ستديرها "واشنطن دونالد ترمب" بين طموحات طهران وأولويات تل أبيب. لتظهر للواجهة “الخطوط الحمراء” المنسية، التي رسمها باراك أوباما، وترتفع أسهم التشدد في دمشق بالتلازم مع تسجيل "تراجع" عسكري تركي أمام الروس، و"تنازلات" سياسية تركية للإيرانيين تبلورت في "مسار آستانة"، الذي اعتبره كثيرون خذلاناً للمعارضة السورية.

ولعل استمرار تجاهل “الانتقال السياسي”، الذي كان ولا يزال محور الجهود السياسية والدولية والطموح الأعظم عند السوريين، خطيئة تُنذر بكارثة قد لا يظل بالإمكان احتواء آثارها وتداعياتها، والخوف كل الخوف من الفوضى الناجمة عن مغامرات تدخّل خارجي جديدة., والحل الحقيقي والنهائي هو “انتقال سياسي” سريع وجادّ، يستحقه السوريون وتستحقه سوريا العريقة الرائعة... @drIbrahimgalal

 

 

 

 

التعليقات (0)