الشيخ خالد سعد يكتب:صلة الرحم جسر المحبة وبركة العمر

profile
خالد سعد داعية إسلامي مصري
  • clock 29 يناير 2025, 12:28:23 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الحمد لله الذي أمر بصلة الأرحام، وجعلها سببًا للبركة في الأعمار والأرزاق، ووسيلة لنيل رضاه ومحبته، وحذّر من قطيعتها، وجعلها من أسباب الشقاء في الدنيا والآخرة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في محكم التنزيل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1). وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، الذي كان أوصلَ الناس لرحمه، وأبرَّهم بأهله، وأحرصَهم على الاجتماع والائتلاف، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين اقتدوا به، وساروا على نهجه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
فإن صلة الرحم ليست مجرد أمرٍ اجتماعي يُستحسن فعله، بل هي عبادة عظيمة، وطاعةٌ جليلةٌ، من أوثق عرى #الإيمان، ومن أسباب دخول الجنان. فالمجتمع الإسلامي يقوم على التعاون والتراحم، وإنَّ أولى #الناس بالتواصل والتراحم هم #الأهل و #الأقارب، فمن قصَّر في حق أقاربه، ولم يصلهم، فقد عرَّض نفسه لغضب الله، وخسر الخير في دنياه وآخرته.

لقد أمرنا الله تعالى بصلة الأرحام، وجعلها مرتبطة بتقواه، فقال سبحانه: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (الأنفال: 75). وأمر النبي ﷺ بها وحثّ عليها، وبيّن أنها سبب لطول العمر، وزيادة الرزق، ودفع البلاء، ونيل محبة الله ورضوانه، كما قال ﷺ: "من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه" (رواه #البخاري و #مسلم).

أولًا: مفهوم صلة الرحم

1- صلة الرحم لغةً وشرعًا

#لغةً الرحم مشتقة من الرحمة، وهي القرابة التي تربط بين الأفراد بسبب النسب أو المصاهرة.

#شرعًا صلة الرحم تعني الإحسان إلى الأقارب بكل صور الإحسان، سواء بالزيارة، أو المال، أو الكلمة الطيبة، أو قضاء الحوائج، أو حتى بالدعاء لهم والحرص على مودتهم.

2- حدود الأرحام الواجب صلتها

اختلف #العلماء في تحديد الأرحام الذين يجب صلتهم، ولكن أقرب الأقارب هم الذين يجتمعون في أصل واحد، كالأب والأم، والأخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأبناؤهم. وكلما كان القريب أشد قرابة، كانت صلته آكد وأوجب.

ثانيًا: فضل صلة الرحم في القرآن والسنة

1- في القرآن الكريم

لقد جاءت آيات كثيرة تحثّ على صلة الرحم، وتبيّن فضلها العظيم، ومنها:

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (الرعد: 21).

وقال عز وجل: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (محمد: 22-23).
2- في السنة النبوية

قال رسول الله ﷺ: "الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله" (رواه مسلم).

وقال ﷺ: "صلة الرحم تزيد في العمر" (رواه البخاري).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، قال: قال النبي ﷺ: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" (رواه البخاري).

ثالثًا: فوائد صلة الرحم

إن لصلة الرحم فضائل عظيمة تعود على الإنسان في دنياه وأخراه، ومن ذلك:
1. زيادة الرزق: فالموصول أوسع رزقًا وأبرك مالًا، كما في الحديث الشريف.

2. طول العمر: فقد ثبت أن صلة الرحم تطيل العمر، وتزيد البركة فيه.

3. محبة الله ورضوانه: فمن أراد أن يحبه الله، فليصل رحمه.

4. دفع البلاء والمصائب: فإن صلة الرحم تحمي من كثير من الأضرار والمشكلات.

5. تقوية الروابط الأسرية: فالرحم صلة تجمع بين الناس، وتزيد من الترابط والتكافل الاجتماعي.

رابعًا: صور صلة الرحم

1- بالزيارة والتواصل

الحرص على زيارة الأهل والأقارب، والسؤال عن أحوالهم.

تخصيص وقت أسبوعي أو شهري لزيارة الأرحام، أو الاتصال بهم إذا تعذّرت الزيارة.

2- بالعطاء والمساعدة

إن كان أحد الأقارب محتاجًا، وجب دعمه بالمال، أو السعي في قضاء حاجته.

تفقد الأيتام والأرامل من العائلة، ورعايتهم والاهتمام بهم.

3- بالكلمة الطيبة والدعاء

إدخال السرور على القريب بالكلمة الطيبة.

الدعاء للأرحام في السر والعلن، خاصة لمن لم يُحسن صلتهم.

4- بالتسامح والعفو

التغاضي عن الأخطاء والهفوات، وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة.

الصبر على أذى الأقارب، لوجه الله، كما قال النبي ﷺ: "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح" (رواه أحمد).

خامسًا: خطورة قطيعة الرحم
إن قطيعة الرحم من أعظم الكبائر، وأشد الذنوب التي تستجلب سخط الله. فقد توعّد الله تعالى قاطع الرحم بالعذاب الشديد، كما قال النبي ﷺ: "لا يدخل الجنة قاطع" (رواه البخاري ومسلم).

ومن مظاهر القطيعة:

ترك السؤال عن الأقارب، والانشغال عنهم.

الإساءة إليهم بالكلام أو الفعل.

التهاجر والخصومة بين الأرحام.

سادسًا: كيف نصل أرحامنا في عصر الانشغال؟

في ظل الحياة السريعة والانشغالات الكثيرة، يمكن صلة الأرحام بوسائل متعددة، مثل:

تخصيص وقت للزيارة ولو مرة في الشهر.

التواصل عبر الهاتف أو الرسائل الإلكترونية.
تقديم الهدايا ولو كانت بسيطة، تعبيرًا عن المحبة.
الدعاء للأرحام، وذكرهم بخير.

#خاتمة
صلة الرحم ليست خيارًا، بل هي عبادةٌ عظيمةٌ وواجبٌ شرعيّ، وهي طريقٌ إلى الجنة، وجسرٌ للمحبة، وبركةٌ في العمر. فلنحرص عليها، ونتقرب بها إلى الله، ولنكن من الواصلين لا القاطعين، حتى ننال محبة الله ورضوانه، والله المستعان.
اللهم اجعلنا من الواصلين لأرحامهم، وبارك لنا في أعمارنا وأرزاقنا، وارزقنا حبّك وحبّ من يحبّك، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. .

التعليقات (0)