- ℃ 11 تركيا
- 26 يناير 2025
المسؤولية العالمية عن تحقيق المساءلة الجنائية بعد وقف إطلاق النار في غزة: الفرص والتحديات
المسؤولية العالمية عن تحقيق المساءلة الجنائية بعد وقف إطلاق النار في غزة: الفرص والتحديات
- 25 يناير 2025, 11:38:40 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الدكتورة إنعام أديب برقوق - دكتورة في القانون الجنائي الدولي- لبنان
لقد برزت حرب غزة عام 2024 كواحدة من أكثر الصراعات تدميراً شنتها إسرائيل على قطاع غزة في التاريخ الحديث، حيث خلفت وراءها معاناة إنسانية هائلة وتدميراً واسع النطاق وتوترات سياسية عالمية متزايدة.
لفتت الحرب على عزة الانتباه العالمي بسبب الخسائر الإنسانية الكارثية وانتهاكات القانون الدولي، والتي اتسمت بسقوط عدد غير مسبوق من الضحايا المدنيين وتدمير البنية التحتية الحيوية والنزوح الجماعي، وهي كلها أعمال ترقى إلى "الإبادة الجماعية"، مما أدى إلى مطالب متزايدة بالمساءلة الجنائية للجناة.
واليوم، بعد وقف إطلاق النار، رغم أنها خطوات حيوية نحو السلام، ومع ذلك، إلا انها يجب ألا تأتي على حساب العدالة للضحايا أو على حساب التزام المجتمع الدولي باحترام القوانين الإنسانية وقوانين حقوق الإنسان.في حين ان وقف اطلاق النار الهدف الأساسي منه هو وقف العنف وتوفير الإغاثة للسكان المتضررين، فإنه أيضًا نافذة حاسمة لتحقيق العدالة والمساءلة عن الانتهاكات المرتكبة من قبل القادة الاسرائيليين في قطاع غزة.
أهمية المسؤولية الجنائية الدولية عن الحرب في غزة
تُعد المسؤولية الجنائية الدولية واحدة من الركائز الأساسية لتحقيق العدالة الدولية، خاصة في ظل النزاعات المسلحة التي تتسبب في خسائر بشرية ومادية جسيمة. في السياق الفلسطيني، تُبرز الحرب في غزة تحديات أخلاقية وقانونية تتطلب اهتمامًا دوليًا عاجلًا لضمان المساءلة عن الجرائم المرتكبة. هذه المسؤولية الدولية ليست مجرد التزام قانوني، بل هي ضرورية لتحقيق العدالة، ردع الجرائم، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني.
والمساءلة الجنائية الدولية ستُظهر التزام المجتمع الدولي بتطبيق القانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان ، وتطبيق العدالة الدولية يُرسل رسالة بأن القوة المفرطة القائمة على الجرائم ضد المدنيين والاعيان المدنية لن تمر دون مساءلة، بغض النظر عن الأطراف المتورطة.
والحرب في غزة أدت إلى سقوط آلاف الضحايا المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، فمحاسبة المسؤولين تمنح الضحايا وعائلاتهم إحساسًا بالعدالة وتعويضًا معنويًا وماديًا عن معاناتهم.
إلى جانب أن التحقيق في الجرائم المرتكبة في غزة يُظهر دور المحكمة الجنائية الدولية كمؤسسة قادرة على تحقيق العدالة الدولية ويبرز أهمية دور الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية في الضغط من أجل محاسبة المسؤولين وتعزيز احترام القانون الدولي.
ابرز التحديات التي تواجه تحقيق المسؤولية الجنائية الدولية عن الإبادة الجماعية في غزة:
التحدي المتمثل في ضمان المسؤولية الجنائية عن الانتهاكات المرتكبة في غزة كبير ومتعدد الأوجه، وينطوي على عقبات قانونية وسياسية مختلفة. وفي حين أن المساءلة ضرورية لتحقيق العدالة والسلام على المدى الطويل، فإن عوامل مختلفة تعقد الجهود الرامية إلى محاسبة الجناة عن انتهاكات القانون الدولي وحقوق الإنسان، منها :
- عرقلة اسرائيل لدخول لجان التحقيق الدولية الخاصة بتوثيق الانتهاكات الى غزة أو رفض التعاون معها حيث تعتبر انها متحيزة ضدها كما فعلت سابقاً عامي2009 و 2021 على سبيل المثال.
- تمرير مشروع قانون في مجلس النواب الأمريكي يسعى إلى فرض عقوبات وخفض التمويل للمحكمة الجنائية الدولية عقب إصدارها مذكرتات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، مما سينعكس سلباً على عمل المحكمة الجنائية الدولية ويؤدي إلى تقويض العدالة.
- التحالفات السياسية الدولية التي تحمي إسرائيل تمثل عنصرًا مهمًا في سياستها الخارجية، حيث تساعد في تعزيز وضعها الأمني والدبلوماسي على الساحة الدولية، من خلال التحالفات تحظى إسرائيل بتغطية سياسية ودبلوماسية من دول كبرى تساهم في تعزيز موقفها في المحافل الدولية.، كما توفر لإسرائيل الدعم العسكري والتكنولوجي، ما يساعد في الحفاظ على قوتها العسكرية في مواجهة التهديدات الإقليمية، الى جانب أن هذه التحالفات على اكتساب شرعية في بعض المناطق، رغم الانتقادات الدولية المستمرة بشأن سياساتها تجاه الفلسطينيين.
ضرورة العمل العالمي لتحقيق المساءلة:
· وتقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية وقانونية للتصرف بشكل حاسم في مواجهة التحديات التي تحول دون المساءلة الجنائية الدولية عن الإبادة الجماعية، وهذا يتطلب:
· مواجهة العقوبات المفروضة على المحكمة الجنائية الدولية، من خلال خطوات متعددة تشمل تعزيز الدعم الدولي من خلال توحيد الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي على الدول الأعضاء الوقوف صفًا واحدًا في دعم المحكمة والدفاع عنها في مواجهة هذه العقوبات، بالإضافة إلى ضمان توفير الدعم المالي المستدام للمحكمة لتعويض أي ضغوط اقتصادية أو قيود مفروضة عليها.
· مواجهة منع دخول اللجان الدولية المستقلة للتوثيق الانتهاكات باستخدام الأدلة الرقمية مثل الصور ومقاطع الفيديو وتحليلها عبر تقنيات متطورة (مثل تحليل المواقع الجغرافية)..
· - إقامة دعاوى قضائية امام محاكم الدول التي تنتمي اليها شركات الأسلحة التي دعمت إسرائيل باعتبارها مساهم بصورة غير مباشرة بتقديم الوسائل لارتكاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
· تفعيل الاختصاص الجنائي العالمي الذي يسمح لدولة ما بملاحقة ومحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم دولية جسيمة، بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة أو جنسية المتهمين أو الضحايا، فالنظام القانوني في معظم الدول الأوروبية على سبيل المثال يتيح مثل هذا الاختصاص. على الدول الاوروبية الداعمة للقضية الفلسطينية تفعيل هذا الاختصاص على القادة والمسؤولين الاسرائيليين وهذا ما سيشكل تحدي وضغط عليهم في تجولهم لبعض الدول الأوروبية
وأخيراً، فإن الإبادة الجماعية في غزة ليست مجرد قضية إقليمية، بل هي مسؤولية عالمية ، ويجب على المجتمع الدولي أن يرقى إلى مستوى التحدي المتمثل في ضمان المساءلة الجنائية للمسؤولين عن ارتكاب الفظائع . ووقف اطلاق النار في غزة يشكّل فرصة محورية يتعين على المجتمع الدولي أن يستغلها للسعي لتحقيق المسؤولية الجنائية بحق مرتكبي الانتهاكات في غزة.
العدالة ليست اختيارية، بل هي حجر الزاوية للسلام وحقوق الإنسان وسيادة القانون. فمن خلال التمسك بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان، يستطيع العالم أن يثبت أن الإفلات من العقاب على جرائم الإبادة الجماعية لا مكان له في العصر الحديث، وإن الفشل في التصرف بشكل حاسم لن يؤدي إلى تشجيع الجناة فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى تآكل أسس القانون الدولي والضمير الأخلاقي للإنسانية