تكبير الخط تصغير الخط

على منضدة صغيرة تتكدس فوقها علب الأدوية وقوارير المياه، يجلس عبد الجبار مشوش، أسطورة نادي الترجي التونسي ونجم منتخب تونس السابق، ينفث دخان سيجارته بيد مرتعشة بينما يطالع الصحيفة بحثًا عن أخبار الرياضة، وكأنه يبحث عن صدى ماضٍ مضى.

حياته اليوم تسير على إيقاع الرتابة، فالرجل الذي أبدع على المستطيل الأخضر في الستينيات والسبعينيات يعيش منذ سنوات في شقة قديمة بحي المنار قرب العاصمة التونسية، برفقة زوجته، بعيدًا عن الأضواء التي لطالما سطع تحتها.

نداء استغاثة لصانع أمجاد الترجي

تسببت الحالة الاجتماعية القاسية التي يمر بها مشوش، البالغ من العمر 79 عامًا، في موجة تعاطف واسعة داخل الأوساط الرياضية التونسية، لكنها أيضًا فجّرت الجدل حول المصير المجهول الذي يواجهه الكثير من الرياضيين بعد الاعتزال، حيث يجد العديد منهم أنفسهم في أوضاع معيشية صعبة، خاصة من لم ينخرطوا في مجالات أخرى مثل التدريب أو الإدارة الرياضية.

ورغم مسيرته الحافلة، لم يتوقع مشوش أن ينتهي به المطاف مهددًا بالطرد من شقته بسبب عجزه عن دفع الإيجار، بعد أن انتهت تجربته التدريبية القصيرة عام 2006. يقول للجزيرة نت:

"حياة الرياضيين قصيرة، والشهرة زائلة، لذلك يجب التفكير في تأمين المستقبل بعد الاعتزال، لكنني لم أفعل ذلك، لأجد نفسي اليوم على حافة الضياع."

يتذكر مشوش بداياته بحسرة، قائلاً: "بدأت مسيرتي في الستينيات، كنت أصغر لاعبي الترجي آنذاك، لم أفكر يومًا في المستقبل، كنت ألعب من أجل الجماهير، كانت مكافأتنا على الفوز 5 دنانير فقط!"

ورغم أن والده كان من مؤسسي النادي الإفريقي، إلا أن أحد مسؤولي الترجي أقنعه بالانضمام إلى الغريم التقليدي، ليبدأ رحلة كروية توّجها بالألقاب. لكنه اليوم يشعر بالخذلان: "نذرت حياتي لكرة القدم، لكنها لم تمنحني شيئًا بعد الاعتزال سوى الفقر."

"لم أكسب سوى أرقام دونها التاريخ"

يؤكد نجم الترجي السابق أنه لم يفكر يومًا في بديل بعد الكرة، فقد كان رئيس النادي آنذاك، محمد الزواوي، يطمئنه قائلاً: "العب كرة القدم وستضمن مستقبلك."

لكن الواقع كان مختلفًا، فبعد وفاة الزواوي، لم يجد مشوش من يعينه سوى رئيس الاتحاد التونسي السابق وديع الجريء، الذي تكفل بإيجار شقته، لكن بعد سجنه، أصبح اللاعب المخضرم مهددًا بالتشرد.

عبد الجبار مشوش (يسار) كان أحد صناع أمجاد الترجي التونسي (مواقع التواصل الاجتماعي)
 

ورغم الأوضاع المأساوية، لا يزال مشوش وفيًا لناديه، فحتى في ظل المرض والفقر، لم ينقطع عن متابعة الترجي، النادي الذي سجل له 66 هدفًا في الدوري ويحتل المركز الثالث في قائمة هدافيه التاريخيين.

جمعيات تحاول سد الفجوة

في تونس، تعمل بعض الجمعيات على دعم الرياضيين القدامى ممن يعانون الفقر والمرض، مثل جمعية قدماء لاعبي المنتخب التونسي، التي تأسست منذ أكثر من عقد. يقول رئيسها مختار ذويب، أحد نجوم مونديال 1978: "نحن ندرك جيدًا أوضاع اللاعبين السابقين، ولم نتردد في مساعدتهم، عبد الجبار مشوش أحد أساطير الكرة التونسية، ويستحق حياة كريمة."

وتنشط جمعيات أخرى، مثل جمعية قدماء لاعبي الترجي، في تقديم المساعدات للاعبين السابقين، لكنها تبقى غير كافية لسد الفجوة التي يتركها غياب الدعم الرسمي.

جمعية قدماء لاعبي الترجي التونسي زارت عبد الجبار مشوش منذ عامين (مواقع التواصل)
 

ويأمل ذويب أن تسفر الجمعية العمومية المقبلة، في 22 فبراير الجاري، عن تشكيل هيئة جديدة قادرة على إيجاد حلول عملية لمآسي نجوم الأمس الذين تحولوا اليوم إلى عناوين للنسيان.

مشوش، الذي أمتع الجماهير يومًا ما، يجلس اليوم في شقته المتواضعة، يحاصر المرض جسده، ويكاد الفقر يسلبه آخر ما تبقى من كرامته، لكن التاريخ لا ينسى، والجماهير لا تزال تتذكر أهدافه وأمجاده، حتى وإن تجاهلته الحياة.