- ℃ 11 تركيا
- 10 يناير 2025
"فايننشال تايمز": تفاصيل هروب بشار الأسد وابنه حافظ من دمشق
"فايننشال تايمز": تفاصيل هروب بشار الأسد وابنه حافظ من دمشق
- 23 ديسمبر 2024, 2:03:26 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في ليلة سقوط عاصمته، صعد بشار الأسد إلى مركبة مدرعة روسية برفقة ابنه الأكبر حافظ وانطلق بعيدًا، تاركًا وراءه أقارب وأصدقاء ومؤيدين يبحثون بشكل محموم عن الرجل الذي وعد بحمايتهم.
وبعد فترة وجيزة، حوالي الساعة 11 مساءً من يوم 7 ديسمبر، وجد شركاء قدامى كانوا يمرون بجوار منزله في حي المالكي الراقي بدمشق نقاط الحراسة مهجورة والمباني شبه فارغة: كانت الأضواء لا تزال تومض، أكواب القهوة نصف ممتلئة، والزي العسكري متناثر على الشارع.
بحلول منتصف الليل، كان الرئيس السوري آنذاك في طريقه بالفعل برفقة ابنه حافظ إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية على الساحل الشمالي الغربي لسوريا، وفقًا لقائد عسكري من المعارضة وضابط استخبارات سابق وأشخاص مطلعين على عملية هروب عائلة الأسد.
لم يُخبر الأسد جيشه بالاستسلام إلا بعد خروجه من دمشق، حيث أصدر أوامر بحرق المكاتب والوثائق، بحسب عضو في المجلس العسكري للمعارضة وشخص مطلع على الأحداث.
وكانت روسيا، التي تُعد واحدة من أبرز داعمي الأسد خلال الحرب الأهلية التي استمرت 13 عامًا، قد وعدت بتوفير ممر آمن إلى حميميم، ونفى قائد من هيئة تحرير الشام وجود أي مفاوضات بشأن خروج الأسد.
ورغم مساعدة موسكو عائلة الأسد على الفرار من العاصمة، إلا أنها جعلت الأب والابن ينتظران حتى الساعة الرابعة فجرًا من يوم 8 ديسمبر، حيث تم منحهما اللجوء لأسباب إنسانية، وسرعان ما غادرا إلى روسيا، منهين بذلك حكمًا استمر خمسة عقود من الوحشية لعائلة الأسد بشكل مفاجئ.
استعرضت صحيفة “فايننشال تايمز” الأيام والساعات الأخيرة في حكم بشار الأسد من خلال أكثر من اثنتي عشرة مقابلة، شملت مطلعين داخل النظام وأشخاصاً مطلعين على تحركات العائلة، وقد طلبت المصادر عدم الكشف عن هويتها للحديث بحرية حول قضايا حساسة. ولم تنجح الجهود للتواصل مع الأسد وأفراد عائلته في موسكو.
قلة فقط توقعوا الهجوم الكاسح من قِبل المعارضة — بما في ذلك الرئيس نفسه، الذي اعتقد أنه قد انتصر في الحرب الأهلية التي اندلعت بسبب قمعه الوحشي للمتظاهرين في عام 2011.
كان الأسد يشعر أنه في طريقه لاستعادة مكانته الدولية أخيرًا حيث بدأت بعض الدول الأوروبية في فتح قنوات تواصل معه بعد ان بدأ العرب ذلك قبلهم، لكن استغرق الأمر من المعارضة، بقيادة جماعة “هيئة تحرير الشام” الإسلامية، عشرة أيام فقط للسيطرة على العاصمة بعد شن هجومهم الخاطف.
في موسكو، اجتمع الأسد مع زوجته أسماء، التي قال أشخاص مطلعون على عملية الهروب إنها كانت هناك لعدة أسابيع تتلقى علاجاً لعودة مرض السرطان للمرة الثانية، كما كانت والدتها ووالدها، فواز الأخرس، في العاصمة الروسية، وهو الذي فرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات في وقت سابق من هذا الشهر، وقد انضم إلى العائلة أيضاً أبناء الأسد، بما في ذلك ابنته زين، التي كانت تدرس في جامعة السوربون في أبوظبي، وفقًا لأشخاص مقربين من الأسرة.
غادر الأسد دون أن ينبس ببنت شفة تجاه الأشخاص الذين قدموا له الولاء لعقود، مما ترك العديد من الموالين السابقين مصدومين وغاضبين من تخليه عنهم.
لم يكلف نفسه حتى عناء تحذير أقاربه — بما في ذلك أبناء عمومته، وأشقاؤه، وأبناء وبنات إخوته، بالإضافة إلى عائلة زوجته — الذين تُركوا ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم بينما كانت المعارضة تتقدم نحو دمشق.
رأى الموالون المحبطون أن ذلك كان دليلًا نهائيًا على الأنانية المفرطة للأسد، وهي السمة التي دفعته إلى ممارسة الوحشية على شعبه ونهب موارد سوريا من أجل إثراء نفسه.
قال شخص مطلع على خروج الأسد من دمشق “هرب كالكلب في الليل" مضيفا "كان يخبر من حوله قبل ساعة فقط من فراره أن كل شيء سيكون على ما يرام".
صرّح رئيس الوزراء آنذاك، محمد جلالي، لقناة العربية السعودية الأسبوع الماضي بأنه تحدث مع الرئيس حينها عبر الهاتف في الساعة 10:30 مساءً يوم 7 ديسمبر، وأخبره عن حالة الذعر والرعب في الشوارع والنزوح الكبير من وسط سوريا نحو الساحل.
قال الجلالي “ردّ قائلاً: غداً، سنرى .. غداً، غداً،” كانت آخر كلماته لي"، ولم يجب الأسد على المكالمات التالية لجلالي عند الفجر.
لم تتمكن “فايننشال تايمز” من التحقق من جميع الركاب على متن طائرة هروب الأسد، لكن مطلعين داخل النظام مقتنعون بأنه غادر برفقة اثنين على الأقل من حلفائه الماليين الذين يمتلكون مفاتيح الأصول المهربة إلى الخارج: ياسر إبراهيم ومنصور عزام.
وعلى الرغم من أن ذلك غير مؤكد، إلا أنه يعزز الاعتقاد، حتى في الأوساط الموالية، بأن الأسد قدّم ثروته على أفراد عائلته الممتدة.
قدم الأسد هذا الأسبوع روايته للأحداث، قائلاً في أول تعليق علني له منذ بدء هيئة تحرير الشام هجومها، إنه بقي في دمشق حتى الساعات الأولى من صباح الأحد، “يقوم بواجباته"، وأصر على أن مغادرته لم تكن مخططة مسبقاً.
وتشير مقاطع فيديو التقطها معارضون ومواطنون اقتحموا مقر إقامة الأسد الخاص بعد هروبه إلى خروج متسرع: ألبومات صور عائلية، ومخازن ممتلئة، وعشرات الحقائب والصناديق من علامة “هيرميس” في خزائن السيدة الأولى.
جاءت المغادرة المفاجئة للأسد بعد أيام من محاولات دبلوماسية فاشلة للتواصل مع داعميه التقليديين في موسكو وطهران.
وعلى الرغم من أن الدعم الروسي والإيراني كان قد ساعد نظام الأسد لما يقرب من عقد من الزمن، إلا ان البلدين لم يعودا راغبين أو قادرين على إنقاذه، إذ انشغلا بصراعاتهما الخاصة مع أوكرانيا وإسرائيل على التوالي.
مع بدء المعارضة هجومها المخطط منذ فترة طويلة على محافظة حلب الشمالية، زار الأسد موسكو للتوسل من أجل تدخل عسكري، وبعد أربعة أيام، بعد سقوط ثاني أكبر مدن سوريا وسيطرة المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام على المناطق الجنوبية، زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي دمشق.
غادر عراقجي دمشق متوجهاً إلى أنقرة، حيث توقع المسؤولون الأتراك تلقي رسالة من الأسد، لكنهم لم يتلقوا شيئاً.
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الداعم الرئيسي للمعارضة السورية منذ عام 2011، قد حاول مراراً إعادة العلاقات مع الأسد، كان آخرها في يوليو، لكن الرئيس السوري السابق رفض المحاولات في كل مرة.
ازداد يأس الأسد تدريجياً، ووفقاً لأشخاص مطلعين على المحاولات، أشار الأسد، قبل ثلاثة أو أربعة أيام من مغادرته دمشق، إلى موسكو بأنه مستعد للقاء المعارضة السياسية المنفية في جنيف لإجراء محادثات — وهو أمر طالما رفض القيام به، لكن الرسالة يبدو أنها لم تُنقل من قبل الروس.
تدفق الموالون والمستفيدون من النظام خارج دمشق منذ أن أطاحت المعارضة بنظام الأسد — حيث عبرت الغالبية العظمى منهم الحدود إلى لبنان باتجاه بيروت، ولجأ الكثير منهم إلى منازلهم الثانية أو الفنادق الفاخرة تحت حراسة مشددة.
وجلس سوريون يحملون حقائب “لويس فويتون” يتناولون البيض المسلوق والكيوي ويتحدثون بصوت منخفض عن بلدهم وخطواتهم التالية في غرفة الإفطار الفاخرة بفندق “فينيسيا” في بيروت، تحت أشعة الشمس الساطعة.
تبادلت ثلاث نساء قصص هروبهن الليلي على طاولة واحدة، وتناقشن حول إمكانية تسجيل أطفالهن في مدارس دبي وتحدثت إحداهن عن شخص تعرفه اختفى منذ سقوط الأسد.
قال شهود إن الفارين إلى بيروت شملوا عدداً من رجال الحقائب والأعوان المقربين من الأسد — شخصيات كانت جزءاً أساسياً من الآلة التي حافظت على بقاء الأسرة الحاكمة في السلطة وكانت بثينة شعبان، المستشارة طويلة الأمد للأسد، واحدة منهم.
لكنهم سرعان ما تفرقوا خارج لبنان: أولئك الذين يحملون جوازات سفر أجنبية سافروا إلى دول أوروبية، والبعض الآخر إلى الإمارات، أما المسؤولون العسكريون الكبار فقد ذهبوا إلى روسيا أو ليبيا، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
وشوهدت شعبان لاحقاً في دبي، التي كانت منذ زمن طويل ملاذاً للمنفيين وأعوان الأنظمة المخلوعين.
على عكس بشار، حذّر شقيقه الأصغر ماهر — قائد الفرقة الرابعة سيئة السمعة ومحور رئيسي في شبكات الفساد المركزية للنظام — أتباعه بعد ظهر السبت بالفرار إلى لبنان، لكنه اضطر للفرار بنفسه على عجل، ويُزعم أنه عبر الحدود إلى العراق ولم تتمكن “فايننشال تايمز” من تأكيد ما إذا كان قد بقي في العراق أو انتقل إلى روسيا.
من بين من تركهم الأسد خلفه كان أقارب مباشرين: ابن خاله من جهة الأم وضابط الاستخبارات إياد مخلوف، وشقيق إياد التوأم إيهاب، ووالدتهما.
وتعرض الثلاثي لهجوم أثناء محاولتهم الخروج من سوريا إلى لبنان، ما أسفر عن مقتل إيهاب وإصابة إياد ووالدته، وفقاً لثلاثة مصادر.
وتم علاج إياد في مستشفى شتورا في لبنان، وفقاً لموظفين في المستشفى، ثم غادر إلى دبي، بحسب شخص مطلع على خروج العائلة.
كان شقيقه رامي مخلوف، رجل الأعمال الأكثر أهمية للنظام، يسيطر في وقت من الأوقات على أكثر من نصف اقتصاد سوريا. لكن بينما سقط رامي من دائرة الحظوة لدى النظام في عام 2020 وكان يعيش في ظل إقامة جبرية غير معلنة، يقول مطلعون على النظام إن إياد وإيهاب ظلا قريبين من بشار وزوجته أسماء ومكان رامي لا يزال مجهولاً.
علي مملوك، المستشار البارز والمخيف للأسد والرئيس السابق للاستخبارات العامة، أيضاً مفقود ولجأت عائلات بارزة عدة من الموالين السوريين إلى السفارة الروسية في دمشق، لكن لم تتمكن “فايننشال تايمز” من تأكيد هوياتهم، وقد أبلغت الحكومة الجديدة الروس بعدم تسهيل خروج المواطنين السوريين من البلاد.
قبل أربع ساعات من مغادرته دمشق، شوهد حافظ، نجل الأسد البالغ من العمر 23 عامًا، يتجول في حديقة بالقرب من القصر الرئاسي ويقضي وقتًا مع أصدقائه، وكان قد عاد مؤخرًا من روسيا، حيث قدم أطروحته للدكتوراه في العلوم الفيزيائية والرياضية، وفقًا لسجلات جامعة موسكو الحكومية.
لاحقًا، عاد إلى المنزل لتناول العشاء مع والده، وفقًا لشاهد عيان وكانت الشائعات تنتشر بأن الأسد سيُلقي خطابًا عامًا، مما دفع السوريين داخل البلاد وخارجها إلى متابعة شاشات التلفاز بترقب، ولم يكن واضحًا ما إذا كان حافظ يعلم أن الساعات المقبلة ستشهد مغادرته سوريا إلى الأبد.