«الأهرام للدراسات»: السيناريوهات الإسرائيلية والغربية لغزة بعد الحرب مبنية على تناقضات وافتراضات غير واقعية

profile
  • clock 20 نوفمبر 2023, 12:17:12 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

خلصت ورقة سياسية صادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن السيناريوهات الغربية/ الإسرائيلية لليوم التالي للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كشفت عن جملة من التحديات والمعوقات التي تحول دون تنفيذها عملياً، هذا بالإضافة إلى تعقيدات وتشابك الحسابات الخاصة بالأطراف المعنية على النحو المبين سلفاً، وهو ما يزيد من صعوبة تطبيق هذه السيناريوهات على أرض الواقع، خاصة أنها قد بنيت جميعها على افتراض مسبق غير واقعي، وهو القضاء على حركة حماس. 

وقالت الورقة، التي نشرها المركز على موقعه الإلكتروني، إنه رغم عدم توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حتى الآن، لكن هذا لم يمنع بدء نقاش واسع داخل المؤسسات الغربية، والأوساط الأكاديمية والبحثية، حول السيناريوهات المحتملة لليوم التالي لانتهاء الحرب في غزة، والتي بدأت بعملية "طوفان الأقصي" في 7 أكتوبر 2023.
وأشارت الورقة إلى أنه مع ظهور ملامح هذه السيناريوهات، فقد اكتسبت زخماً ارتبط بالسعي لإيجاد إجابات للتساؤلات الكبرى المرتبطة بمستقبل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ومسارات التسوية السياسية الممكنة في ضوء المعطيات الجديدة التي فرضتها عملية "طوفان الأقصى"، وما استتبعها من تطورات للتصعيد الإسرائيلي، على النحو الذي تُثار معه الشكوك والاستفهامات بشأن مستقبل قطاع غزة، خاصة في ظل استمرار آلة الحرب الإسرائيلية في قصف القطاع وحصد أرواح الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، بالإضافة إلى تهجير الآلاف من أهالي شمال القطاع إلى جنوبه، إلى جانب التدمير الواسع للبنية التحتية هناك، على نحو تجاوز هدف القضاء على حركة حماس، الذي تأسست عليه ركائز هذه السيناريوهات، وهو ما يُثير بدوره حالة من الجدل بشأن هذه السيناريوهات وما تقدمه من تصورات لا تتوافر لديها ممكنات التطبيق وتتناقض في جوهرها مع معطيات الواقع الراهن.

الرؤى الأمريكية والغربية والإسرائيلية

واستعرضت الورقة، التي تستهدف بحث وتفنيد أهم التصورات المطروحة حول مستقبل قطاع غزة، وما تثيره من إشكاليات وتناقضات عديدة، الرؤى الغربية والإسرائيلية حول مستقبل قطاع غزة، بداية من الرؤية الأمريكية التي تعتمد إدارة مؤقتة للقطاع وتمكين مستقبلي للسلطة الفلسطينية، انطلاقاً من افترض مسبق أن إسرائيل ستنجح في تحييد حركة "حماس". وقد ارتكز هذا التصور على شقين إجرائيين: الأول، يقوم على تشكيل "إدارة مؤقتة" في غزة، والثاني، يقوم على إصلاح السلطة الفلسطينية وتمكينها من إدارة القطاع لاحقاً.
كما عرضت الورقة للرؤى الأوروبية المتمثلة في تدويل الإدارة الأمنية للقطاع والحرب على حماس ضمن تحالف دولي، وهي الرؤية التي عبرت عنها الدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، خاصة ألمانيا وفرنسا، بالاتجاه إلى خيار "تدويل الإدارة الأمنية للقطاع" وضمان القضاء على حماس.
كما ناقشت الروقة  الرؤية الإسرائيلية المنادية بسيطرة أمنية شاملة لتل أبيب وإدارة عربية أو محلية للقطاع، منوهة أن إسرائيل بدأت حربها ضد قطاع غزة دون أن يكون لديها رؤية محددة بشأن اليوم التالي للحرب، وهو ما كان محل انتقاد وضغط من حلفائها الغربيين. ورغم عدم إصدار الجانب الإسرائيلي رؤية رسمية بشأن مستقبل غزة، لكن خرجت من وقت إلى آخر تصريحات رسمية، وبعض الوثائق، التي عكست الرؤية الإسرائيلية بشأن مستقبل القطاع، والتي مالت إلى إعادة احتلاله وفقاً لنموذج حكم المنطقة "ب" بالضفة الغربية، مع استبدال السلطة الفلسطينية بإدارة مدنية عربية أو إدارة مدنية محلية من بلديات قطاع غزة وعشائره، وسيطرة أمنية إسرائيلية.
وأوضحت الورقة أن الرؤية الإسرائيلية تعتمد على مجموعة من الإجراءات تتمثل في القضاء على حركة حماس بقطاع غزة، والسيطرة الأمنية الشاملة على القطاع عقب الحرب وإعادة احتلاله، وتنفيذ مخططات النزوح والتهجير القسري لمواطني القطاع إلى دول الجوار.
ولفتت الورقة إلى أن هذه الأهداف الثلاث السابقة تمثل رؤية الحكومة الإسرائيلية التي تستهدف من خلالها مراعاة اعتبارات الداخل الإسرائيلي، خاصة كتلة اليمين المتطرف، التي تنادي بضرورة استعادة السيطرة الشاملة على القطاع. فمن ناحية، سيحاول أعضاء الائتلاف الحكومي المتطرف عبر هذا المخطط ترميم صورتهم أمام قاعدة ناخبيهم من اليمين المتطرف، وتخفيف وطأة المسئولية عن الفشل في توقع هجوم 7 أكتوبر والتعامل معه. من ناحية أخرى، تؤمن هذه الصيغة ألا تقترن المسئولية الأمنية لإسرائيل في القطاع كسلطة احتلال بأية التزامات اقتصادية أو مدنية تفرضها قواعد القانون الدولي وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة تجاه سكان القطاع، بحيث يتحمل ذلك الإدارة المدنية العربية المقترحة للقطاع. كما أن هذا من شأنه أيضاً أن يجنب تل أبيب تولي السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، وبالتالي فإنه يقطع الطريق على المسار السياسي بحل الدولتين، وهو المسار الذي لا ترغبه تل أبيب وخاصة التيار اليميني المتطرف.

مظاهر الخلل ومعوقات التطبيق

بعد استعراض الرؤى، انتقلت الورقة إلى بيان مظاهر الخلل ومعوقات التطبيق، مشيرة إلى أن قراءة دقيقة للسيناريوهات والرؤى السابقة تشير إلى أنها تتسم بالتباين والتناقض فيما بينها من ناحية، وعدم الواقعية من ناحية أخرى، الأمر الذي يعني صعوبة تحولها إلى واقع على الأرض.
وأوضحت الورقة أن السيناريوهات الغربية (الأمريكية، والأوروبية) اتسمت بدرجة ملحوظة من التعارض والتباين مع الرؤية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بمسألة السيطرة الأمنية على القطاع التي تتمسك بها إسرائيل. هذا فضلاً عن تصاعد اتجاه بين أعضاء الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يطالب بالعودة إلى وضع ما قبل عام 2005 فيما يتعلق بإعادة بناء المستوطنات داخل القطاع، ارتباطاً بالرؤية التوراتية التي يزعمها أعضاء الائتلاف المتطرفون حول "الأرض الموعودة".
كما اشارت الورقة إلى أن الداخل الإسرائيلي يشهد حالة من الانقسام حول مستقبل قطاع غزة، خاصة بين أعضاء حكومة الطوارئ الإسرائيلية التي تشكلت في 11 أكتوبر 2023، وأعضاء مجلس الحرب المصغر. وعلى مستوى الرأي العام الإسرائيلي، تبرز أيضاً هذه الحالة من الانقسام حول سيناريوهات الحكم في غزة، حيث أفرزت نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه معهد لازار للأبحاث لصالح صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أن أغلبية قدرها 44% من المستطلعين يريدون أن تظل إسرائيل مسيطرة على غزة بعد الحرب ضد حماس، منهم 22% يريدون أن يقتصر ذلك على السيطرة الأمنية، بينما أيد 22% إعادة إنشاء مجتمعات مدنية يهودية في غزة. في حين ذهب 41% من المستطلع آراؤهم إلى تأييد الخروج من القطاع بعد الحرب، حيث اشترط معظمهم تحقق ذلك من خلال نقل السلطة إلى إطار دولي (33%)، بينما أيد 8% فقط نقل السيطرة على غزة إلى السلطة الفلسطينية.
وترى الورقة أنه وفقاً للاستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع قطاع غزة منذ عام 2009، فإن تل أبيب كانت تفضل الإبقاء على حكم حماس في القطاع من أجل استمرار حالة الانقسام الفلسطيني، حيث يساعد ذلك على ألا يكون هناك "شريك سلام" في أية عملية سلام محتملة، وبالتالي عدم إلزام إسرائيل باتخاذ قرارات صعبة و/أو تقديم تنازلات إقليمية. ووفقاً لعدد من التقديرات الإسرائيلية، فإن "الكابوس الأكبر" لليمين الإسرائيلي كان يتمثل في انهيار حركة "حماس" وعودة السلطة الفلسطينية لتسيطر على قطاع غزة.
وبحسب الورقة، فإنه مع تطور الأحداث وتغير المعطيات في ضوء عملية "طوفان الأقصى"، فإن الموقف الإسرائيلي، وخاصة موقف اليمين المتطرف، قد يكون تغير فيما يتعلق بحركة حماس، إلا أنه لم يتغير فيما يتعلق بمسألة رفضه لمسار حل الدولتين، وهو ما يتبناه جميع أعضاء حكومة الطوارئ الحالية، بمن فيهم زعيم حزب المعارضة بيني غانتس الذي ترشحه غالبية استطلاعات الرأي لأن يكون خلفاً لنتنياهو. هذا فضلاً عن تأكيد وثيقة الاستخبارات الإسرائيلية، التي تم تسريبها، على أن إدخال السلطة الفلسطينية إلى غزة هو البديل الأخطر من بين البدائل المطروحة، معللة ذلك بأنه قد يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية. وبالتالي، ليس من المتوقع أن تقبل إسرائيل أية سيناريوهات تضم خيارات من شأنها تعزيز الوحدة بين القطاع والضفة باعتبار ذلك تمهيد لتفعيل مسار حل الدولتين.   
كما نوهت الورقة إلى أن السلطة الفلسطينية رفضت قبول السيطرة على الحكم في قطاع غزة إلا في إطار تسوية سياسية شاملة تشمل كلاً من الضفة والقطاع والقدس الشرقية، وهو ما انعكس في تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي أكد أن "قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين".
وزادت الورقة أن كل من مصر والأردن ترفضان الرؤية الإسرائيلية المتعلقة بدفع سكان القطاع للنزوح والتهجير القسري إلى دول الجوار الجغرافي. وسرعان ما أصبح هذا الموقف المصري، والأردني، مدخلاً مهماً في تطور الموقف الدولي الذي أصبح أكثر قبولاً لرفض فكرة التهجير القسري للفلسطينيين، خاصة بعد أن لقى الموقفان المصري والأردني دعماً عربياً واضحاً كما عبر عن ذلك البيان الختامي للقمة العربية- الإسلامية في ١١ نوفمبر ٢٠٢٣.

سيناريوهات مبنية على افتراضات غير واقعية

وأكدت الورقة أن السيناريوهات السابقة على افتراض القضاء على حركة حماس، وهو افتراض غير عملي. فرغم مرور أكثر من أربعين يوماً على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ورغم التوغل الإسرائيلي البري في شمال القطاع، لكن لم تستطع إسرائيل حتى الآن الحديث عن تحقيق هدفها الرئيسي المعلن وهو القضاء على حركة حماس.
وأضافت أنه نظراً لتضمن بعض السيناريوهات لخيارات تشكيل بعثة سياسية أو قوة دولية لحفظ السلام كمسار بديل للتواجد الأمني الإسرائيلي أو الفلسطيني، فإن ذلك قد يصطدم بصعوبة بناء الإجماع أو التوافق اللازم داخل مجلس الأمن، والذي يعاني بالفعل من انقسام عميق بشأن العديد من القضايا العالمية والإقليمية. وازدادت حدة هذا الانقسام بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. مثل هذا الانقسام سيحول دون تمرير أية صيغ دولية بشأن مستقبل قطاع غزة.
وأوضحت الورقة، أنه قد تأكد عدم واقعية هذا الافتراض بعد دخول الحرب شهرها الثاني. أضف إلى ذلك ارتفاع كلفة الدعم الغربي المقدم إلى تل أبيب، خاصة في ظل الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها جيش الاحتلال أثناء العمليات العسكرية، وأدت إلى الخسائر البشرية الكارثية للمدنيين الفلسطينيين، وهو ما سيكون له أثره السلبي في المستقبل القريب على تآكل وتراجع هيمنة النموذج الغربي ومنظومة القيم الخاصة به التي شهدت حالة من الازدواجية في التعامل مع هذه الانتهاكات.
وأشارت الورقة إلى أن انتقال الغرب مبكراً، وتحديداً الولايات المتحدة، إلى طرح سيناريوهات حول اليوم التالي للحرب، يأتي في إطار محاولتها في اللحظة الراهنة تخفيف ضغوط الرأي العام العالمي بسبب الدعم الغربي اللامحدود للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، حيث أصبح يتعزز لدى الإدراك الغربي، في ظل اتساع حركة الاحتجاج العالمي ضد الانتهاكات الإسرائيلية، أن غياب أهداف عملية قابلة للتطبيق للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد القطاع يقوّض شرعية هذه العمليات، وكذلك شرعية الدعم الغربي المقدم لها، وهو ما تحاول أن تتلافاه وتخفف من آثاره عبر طرح تصورات وسيناريوهات مفترضة لليوم التالي للحرب، فضلاً عن إمكانية استكمال العمل على هدف "القضاء على حماس" من خلال حشد دعم إقليمي ودولي حوله.
وأبانت الورقة أنه في ظل استمرار آلة الحرب المرتبطة بسعي نتنياهو وائتلافه الحكومي المتطرف لتحقيق انتصار يحافظ على مكانته السياسية التي اهتزت نتيجة عملية "طوفان الأقصى"، ومحاولة إعادة ترميم معادلة الردع التي نالت منها عملية "طوفان الأقصى"، فإن ذلك من شأنه أن يزيد من تكلفة الدعم الغربي لهذه العمليات التي ينتج عنها انتهاكات وجرائم حرب تتعارض مع قواعد القانون الدولي الإنساني، على نحو كان له تأثيره في تراجع مصداقية السرديات الغربية في حشد الرأي العام العالمي بشأن التصعيد، وهو ما أكده الكاتب الأمريكي توماس فريدمان الذي أوضح أن "الطريقة العنيفة التي اختارتها إسرائيل للرد على هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 حوّل تركيز العالم من هجوم حماس إلى الهجوم على القصف الهائل الذي تمطر به إسرائيل المدنيين في غزة". 
وتخلص الورقة إلى أنه قد تفضي التحولات المحتملة في المعركة الدائرة، وكذلك التحولات الحادثة على المستويين الإقليمي والدولي، من ناحية اتساع دوائر المعارضة على مستوى الحكومات وكذلك الرأي العام، إلى واقع مختلف بمعطيات جديدة قد لا تكون هذه السيناريوهات صالحة له.

التعليقات (0)