- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
الشعر والثورات (1): الأمن أو الحرية.. مأساة الإنسان العربي
الشعر والثورات (1): الأمن أو الحرية.. مأساة الإنسان العربي
- 14 يونيو 2021, 11:57:51 م
- 1155
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
على المرء أن يختار بين الأمن وبين الحرية - وكأنهما لا يجتمعان - تلك قصة حياة الإنسان عبر العصور، راعيًا للغنم كان أم رائدًا للفضاء، منذ سبعة آلاف عام أو بعد مثلها، وإن تتبعنا أي مسار للبشرية لوجدنا ذلك جليًّا، يولد الإنسان حرًّا لكنه ينزح تحت أغلال العبودية، بتنازله طواعية عن جزء منها – كبر أو صغر- أو باستلابها منه – كلها في الأغلب – إما طمعًا فيما يملك أو فيه هو، لاستخدامه أو للاحتماء به، باسم الأرض أو باسم السماء، باسم القوة أو باسم الشهوة، إنها بامتياز قصة الإنسان على الأرض.
لكنني سأختار مسار الأدب العربي وتحديدًا الشعر أمَّا: لماذا؟ فللتالي:
ظل الشعر العربي المعبر الأول عن العرب؛ فهو ديوانهم وآي فخرهم وواسطة عقدهم، كما أنه المعبر بوضوح عن كلا الأمرين: قبول الأمن وما يستتبعه – في أحايين كثيرة – من انسحاق لذاتية الفرد وانهيار صوته الخاص لصالح صوت الجماعة بل وتحوله إلى صوتٍ للجماعة، بل وتخلي الجماعة ذاتها عن صوتها لصالح ذلك الصوت الذي لا هو صوت الفرد ولا هو صوت الجماعة، لا هو صوت الحقيقة ولا هو صوت الواقع؛ مع هذا الصوت يفقد الزمن آنيته ويخسر المكان خصوصيته لصالح شيء هلامي يُسمى صوت الجماعة/ القبيلة/الأمة، وهذا غير الحقيقة، دليلك إلى هذا مثلاً معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي ومنها:
مَلأنا البَرَّ حَتّى ضاقَ عَنّا وَنَحنُ البَحرُ نَملأُهُ سَفينا
إَذا بَلَغَ الفِطامَ لَنا وَليدٌ تَخِرُّ لَهُ الجَبابِرُ ساجِدينا
إن راجعت موقف من يتحدث عنهم الشاعر على مدار الروايات التاريخية التي لدينا سنجد أنهم لم يقطنوا الجزيرة العربية بكاملها، وأن عددهم لم يكن ذلك العدد الذي توحي به الأبيات ولا رُبعه ولا بنسبة واحد إلى مليار، وهنا حين التحم صوت الشاعر بما فوق حلم الجماعة (بني تَغْلِب) غابت أفعال الجماعة – فمهما بلغ عددهم وفعلهم، فلن يحققوا ما حققه الشاعر ببيتين من الشعر، مما دفعهم إلى التخلي عن إنجاز الواقع لصالح ضجيج الوهم، وهذا ما رصده أحد الضمائر في يوم من الأيام صارخًا:
ألْهَى بَني تغلبٍ عن كلِّ مَكرُمةٍ قصيدةٌ قالها عمرُو بنُ كُلثومِ
غاب الفرد في الجماعة (فرضًا) ، وانسحبت الجماعة عن واقعها انسحابًا لا رجعة فيه، على أن الشاهد هنا ليس تقصيًّا لمدى سوء غياب ذاتية الفرد على الجماعة، وإنما للبحث عن صوت الشاعر الفرد المتمرد – الأمر الثاني - ذلك الذي يبحث عن نفسه، عن أثر خطاه على الرمل، عن أكله عن شربه، عن وقته كيف يقضيه، عن تأسيسه لعالمه الخاص، حتى لو نفته قبيلته وصار صعلوكًا وهو المرادف الآني للمتمرد أو للثائر أو تحديدًا للقلة المندسة؛ لذلك لنعرض في شيء من التفصيل نموذجنا الأول وهو الشَّنفَرَى، ومن عجب أن هذا الشاعر وهو يصور عالمه كما يراه هو، وضع المكان والنبات والحيوان والإنسان بعاداته والقبائل بأعرافها وتقاليدها، للدرجة التي تجعل من نص هذا الشاعر، صوتًا حقيقيًّا حقيقًا بأن يكون صوت الجماعة على ذاتيته وتفرده، ذلك لأنه صوت صادق – وليس هذا حكم قيمة مني – وإنما هو رأي كارلو نالينو: ( هي قصيدة غاية في الجمال، تنطق بلسان حال الشاعر) وهو رأي عبد الحليم حفني: (درة من أثمن ما يحوي الأدب العربي قاطبة)