أعادت تشكيل النظام الدولي.. ما ملامح عالم ما بعد الحرب الأوكرانية؟

profile
  • clock 30 ديسمبر 2022, 7:31:31 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بعد مرور أشهر على الحرب الأوكرانية، ووسط غياب آفاق حلها وجد النظام الدولي تروسه مهترئة غير قادرة على التعامل مع الديناميكيات المتلاحقة.

فالحرب التي اندلعت قبل أشهر، اعتبرت محاولة نهائية لتصحيح النظام الذي يقوده الغرب السائد منذ نهاية الحرب الباردة، والذي أوشك على الانتهاء، بعد أن انهارت بقاياه، وفشلت محاولات ضخ الدماء في شرايينه مجددا.

وفيما يتكئ نظام العلاقات الدولية الحالي على اتفاق ويستفاليا 1648 ومبادئه الأساسية: السيادة الوطنية، والفصل بين السياسات الخارجية والداخلية، والتسوية كوسيلة للتوفيق بين المصالح الوطنية المتضاربة، والمساواة بين الدول ذات السيادة، كانت الحرب الأوكرانية بمثابة الضربة القاصمة وثورة على تلك المبادئ، والنظام العالمي الحالي، الذي بدأت أوصاله المهترئة غير قادرة على التعافي، في انتظار إطلاق رصاصة الرحمة عليه.

فالحرب التي تعد في مفهومها العام طريقة لممارسة السياسة؛ كونها جزءا من سياسة في الميدان، أو الجزء الأكثر راديكالية في السياسة، كانت الأزمة الأوكرانية التي بدأت في نهاية فبراير/شباط 2022، مجرد تصعيد للحرب التي تختمر منذ عام 2014 على الأقل، مع "الميدان الأوروبي".


 

 

فما أسباب اندلاع الحرب؟

رئيس هيئة رئاسة مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسية فيودور أ.لوكيانوف يقول إنه كان هناك تطور داخل أوكرانيا وحولها يشير إلى زيادة التعاون العسكري بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وأوضح أنه منذ أن لاحظت موسكو هذه الديناميكية لفترة طويلة توصلت إلى نتيجة مفادها أن أوكرانيا (أو أوكرانيا جنبا إلى جنب مع الناتو) قد تحاول تحدي روسيا يوما ما في المستقبل المنظور، لذلك عندما قال القادة الروس إن "خطوة فبراير" كانت ضربة استباقية، فقد قصدوا ذلك.

عالم ما بعد أوكرانيا؟

يقول المعهد الدولي لدراسات الشرق الأوسط والبلقان إن هذه الحرب هي الخطوة الأولى على طريق إقامة نظام جديد في العلاقات الدولية، أي تقسيم جديد لمناطق النفوذ على المستوى العالمي.

ورغم ذلك، ليست هذه الحرب الحلقة الأولى على هذا المسار، فقد سبقتها حلقات مماثلة في جورجيا-أبخازيا عام 2008، القرم عام 2014، سوريا عام 2015، ليبيا عام 2019، بيلاروسيا عام 2020، كازاخستان عام 2022، إلخ.

وفيما تعد أوكرانيا حلقة جديدة لكنها لن تكون الأولى ولا الأخيرة، فإذا نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه المعركة على طريق تحول العلاقات الدولية فإن التطورات في أوكرانيا تمثل بداية نهاية النظام العالمي الحالي، والذي كان نتيجة لانتصار الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة على الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفياتي في أوائل التسعينيات من القرن العشرين.

وبعبارة موجزة، فإن التطورات الحالية هي مقدمة لنشوء نظام دولي جديد، سيكون لها على ما يبدو ثلاثة أقطاب (الولايات المتحدة - روسيا - الصين) بينما عمليا قطبان فقط، كما كان الحال في الماضي.

القطب الأول يمثل الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، بينما تقف روسيا والصين وحلفاؤهم الشرقيون في جانب آخر، بحسب المعهد المعهد الدولي لدراسات الشرق الأوسط والبلقان الذي قال إن موسكو لن تكتفي بضم أوكرانيا فحسب -إذا نجحت-، لكنها ستعمل لاحقًا على ضم مولدوفا وستضغط بشكل مباشر على دول البلطيق، وكذلك على حدود بولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا وما إلى ذلك، مشيرًا إلى أن روسيا ستسعى جاهدة من أجل إقناع الدول الاشتراكية السابقة بأن الناتو لا يستطيع حمايتها، كما هو واضح في حال أوكرانيا.

موقف الدول من الحرب

يتطلع حلفاء الولايات المتحدة التقليديون في الخليج والشرق الأوسط عموما إلى الحفاظ على علاقات جيدة في مجال الطاقة والعلاقات الجيوسياسية مع روسيا.

فدول الخليج تسعى إلى الحفاظ على العلاقات الأمنية والاقتصادية والعسكرية المهمة مع واشنطن، وكذلك روابطها المتنامية مع موسكو، في إطار توازن في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا.

ومن الخليج إلى الصين التي لم تصدر أي بيان إدانة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وامتنعت عن إدانة الحرب في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كما لم ترحب بالعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا، في مواقف تظهر بوضوح أن الصين تدعم روسيا في سياستها الحربية الحالية، وانضمت إلى جانبها في عالم ما بعد الحرب.

تركيا

تاريخيا، كانت تركيا وروسيا متنافستين، بل تقاتلتا على طرفي نقيض في الصراعات في ليبيا وسوريا، إلا أن أنقرة تدرك أن أفعالها في الجزء الشمالي من سوريا تخضع لموافقة بوتين، ما يجعلها حريصة على إقامة علاقات اقتصادية تشمل الغاز الروسي والسياحة الروسية والاستثمارات الروسية.

الاتحاد الأوروبي

قبل العملية العسكرية الروسية، كشفت الأزمة الأوكرانية عن خلافات كبيرة في مواقف الدول الغربية فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا، وكشفت عن صدع في التحالف الغربي في الوقت الذي بلغت فيه الأزمة ذروتها

ربما كان التغيير الأكثر أهمية الذي أحدثته الأزمة الأوكرانية هو قرار ألمانيا إعادة تسليح نفسها، بتخصيص 100 مليار يورو لتسليح الجيش الألماني وزيادة الاعتمادات الدفاعية إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعني أنه اعتبارًا من هذا العام ستنفق ألمانيا حوالي 85 مليار دولار على الدفاع.

ماذا يعني ذلك؟

يعني أن ألمانيا ستحتل المرتبة الثالثة في العالم، بعد الولايات المتحدة (770 مليارًا) والصين (254 مليارًا) وقبل روسيا (61 مليارا)، ما يشكل تحولًا جذريًا في السياسة الألمانية والغربية التي كانت سائدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتضمنت قيودا على تسليح ألمانيا.

وفيما يغير هذا القرار ميزان القوى في "القارة العجوز" ويهدد بالعودة إلى سياسة القوة التي ميزت تاريخها الحديث، تسببت الأزمة الأوكرانية في ضربة كبيرة للشراكة الروسية الألمانية التي بدأت خلال فترة المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر (1998-2005) وتطورت خلال حكم أنجيلا ميركل (2005-2021).

والشراكة الألمانية الروسية هي الضحية الرئيسية للحرب، خاصة بعد أن نجحت واشنطن في "كسر" هذه المعادلة التي تنص على تطوير علاقات أوثق بين موسكو وبرلين على حساب العلاقات مع واشنطن.

وكان موقف الحكومة الفرنسية هو أنه من الضروري التركيز على الأساليب الدبلوماسية للحد من التصعيد والتوترات المتعلقة بأوكرانيا، والتي أوضحها الرئيس الفرنسي بقوله: "علينا الحفاظ على جميع القنوات الدبلوماسية حتى تعود روسيا إلى طاولة المفاوضات".

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الزعيم الغربي الوحيد الذي على اتصال منتظم مع بوتين، موقف الحكومة الفرنسية موجز وواضح: "نحن نقف إلى جانب أوكرانيا، لكن لا نريد الدخول في صراع مع روسيا".

موقف الناتو

تكشف الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا حقيقة مهمة، وهي محدودية مساحة مناورة الناتو أمام العملية العسكرية الروسية، فبعد أن كان هناك حديث عن تدخل عسكري محتمل من قبل الناتو لحماية عضو مرشح لعضوية الحلف، ثم تم رفض مثل هذا الخيار تحت تفسير أن أوكرانيا ليست عضوا في الناتو.

وفي محاولة أخرى، كان هناك حديث عن فرض منطقة حظر طيران لمنع الطائرات الروسية من مهاجمة القوات العسكرية الأوكرانية، لكن هذه الخطة رُفضت أيضا بحجة تجنب الصراع مع روسيا، ومنع اندلاع الحرب العالمية الثالثة.

كيف نوقف هذه الحرب؟

حاليا، ليس لدى أي من الجانبين استراتيجية خروج، فلا يمكن لبوتين إعادة قواته العسكرية إلى الوطن دون نصر، ولا يستطيع الرئيس الأوكراني زيلينسكي أن يسلم لبوتين ما يطمح إلى تحقيقه بالحرب.

في غضون ذلك، لا يزال رئيسا فرنسا وتركيا عاجزين عن إحداث اختراق، إلا أن المحللين يعتقدون أن اتفاقا برعاية الولايات المتحدة والصين فقط هو الذي يمكن أن يوقف التقدم الروسي.

السؤال هو ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة ممارسة الضغط على الرئيس زيلينسكي سيتطلب الاتفاق حلا وسطا، وسيكشف حل وسط أن الغرب قد أجبر حكومة منتخبة ديمقراطيا في أوكرانيا على الانصياع لإملاءات دولة قوية، وتحديدا روسيا، مثلما فعل آرثر نيفيل تشامبرلين في ميونخ عام 1938. فيما يبدو أن التاريخ يعيد نفسه.

التعليقات (0)