- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: التعثر الروسي في أوكرانيا.. فرضيات وتساؤلات.
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: التعثر الروسي في أوكرانيا.. فرضيات وتساؤلات.
- 6 نوفمبر 2022, 5:19:44 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يعتقد البعض أن قانون الحرب لا يختلف عن قانون اللجوء إلى الحرب، لكن في الواقع، هذا الاعتقاد خاطئ، حيث أنه وبموجب القانون الدولي، هناك طريقتان للنظر إلى الحرب، تتمثلان في أسباب القتال أولاً، وكيفية القتال ثانياً، ويميز القانون الدولي المعاصر، بين الأسباب التي تُجيز اللجوء إلى الحرب، وبين النظام القانوني الذي يحكم أي نزاع مسلح، ومؤدى ذلك، أنه مهما كانت عدالة الغاية الدافعة إلى شن الحرب، فإن الأطراف المتحاربة تعامل على مبدأ المساواة، لجهة القواعد المنظمة للنزاع المسلح، ومن دون التمييز بين أحد من الأطراف، سواء الطرف المعتدي أو المعتدى عليه. وبذات الإطار، فإن قانون اللجوء إلى الحرب، يحدد الأسباب المشروعة للدولة لخوض حرب ما، ويرتكز بذات التوقيت، على معايير معينة تحاول أن تجعل الحرب عادلة إن صح التعبير.
ووفق القانون الدولي، فأنه لا يجوز شن الحرب إلا في ثلاث حالات، الأولى تتمثل في الدفاع المشروع عن النفس، والثانية تفويض استخدام القوة من قبل مجلس الأمن، في حالة وجود تهديد أو خرق للسلم، أو عمل من أعمال العدوان، وهذا ما يندرج تحب بند الفصل السابع، والثالث استخدام القوة من قبل حركات التحرر الوطني.
ما سبق، يعد ضرورياً لوضع الحرب الروسية على أوكرانيا، ضمن أطر القانون الدولي، ومقاربة تلك الحرب، ووضعها في سياق المنظور الروسي. في الأمن القومي الروسي، تمثل أوكرانيا قيمة جيوسياسية تحكمها ضوابط صارمة؛ هي ضوابط تُرجمت روسياً، على أنه تهديد للأمن القومي الروسي، ولابد من تأطيره ونزع الألغام السياسية في البلد الجار لـ روسيا، وبكل تأكيد، فأنه لدى الجيش الروسي مخططات وسيناريوهات بسياقات متعددة، تحكم العملية الروسية في أوكرانيا، ولا يبدو من المنطق، بأنه لا توجد لدى الجيش الروسي، تصورات عن أوكرانيا بتضاريسها وتركبيتها السكانية، وخرائط توزيع بناها التحتية، إضافة إلى القراءات الروسية، المتعلقة بمآلات وتداعيات الحرب، بجوانبها السياسية والعسكرية وكذا الاقتصادية.
كل ذلك، يؤكد بأن قرار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لم يكن قراراً أتخذ على عجل، وعلى أقل تقدير، يمكن القول بأن هناك نية مبطنة لدى القوات الروسية لبدء الحرب على أوكرانيا؛ لكن ثمة تساؤلات عن الأسباب التي دفعت القيادة الروسية، لاتخاذ قرار الحرب، على الرغم من كل التصريحات الروسية، التي دحضت الادعاءات الغربية والأمريكية، لجهة النية الروسية بغزو أوكرانيا، الأمر الذي أطرته نظريات جدلية ومُحيرة، تحديداً لدى المراقبين والمحللين الأكثر قرباً من مراكز صنع القرار الروسي.
فرضية التعثر الروسي في أوكرانيا، تبدو قائمة في جزء كبير منها، على الدعاية الغربية والأمريكية، بُغية منع الأوكرانيين من الاستسلام، على الرغم من القوة العسكرية للجيش الروسي، وفي جانب أخر، يبدو واضحاً أن الجيش الروسي يسير بخطوات متثاقلة، ويعمل وفق نظرية استهداف مراكز القوة الأوكرانية وتحييدها. ففي الوقت الذي يسعى فيه بوتين إلى تأطير التدخل العسكري ظاهريًا، باعتباره دفاعًا عن النفس، صرح الكرملين بأن روسيا بحاجة إلى ضمان منع أوكرانيا، من تشكيل تهديد مستمر لروسيا وشعبها، لكن ضمن ذلك، يشك العديد من الخبراء، في أن بوتين لا ينظر فعليًا إلى أوكرانيا، على أنها تهديد للأمن القومي الروسي، على الرغم من الاشتباكات المستمرة في دونباس منذ عام 201، الأمر الذي يشي، بأن لـ روسيا – بوتين، أهداف خاصة للعملية العسكرية على أوكرانيا، ترقى إلى تحقيق مكاسب إقليمية، وطموحات إستراتيجية تتخطى دول الاتحاد السوفيتي السابق.
الأرجح أن بوتين، قد أدرك أن وقته ينفد لترسيخ إرثه كأكبر زعيم في تاريخ روسيا، وهو الذي لم يُخف أبدًا إعجابه بالمجد السابق للاتحاد السوفيتي، والتأثير الذي مارسته تلك القوة العظمى السابقة، الأمر الذي تؤكده الخطوات الروسية، حيال إعادة روسيا إلى وضعها الصحيح على المسرح العالمي، فقد اتخذت روسيا خطوات ملموسة لتعزيز صعودها نحو وضع القوة العظمى من خلال توسيع حدودها الإقليمية في أوروبا، أولاً بعد الصراع في شبه جزيرة القرم في عام 2014، ثم بعد الانتخابات المتنازع عليها في بيلاروسيا في 2020.
لطالما طعن بوتين في شرعية أوكرانيا كدولة، والسيادة التي مُنحت لها عند تفكك الاتحاد السوفيتي، لذلك يسعى بوتين إلى وضع أوكرانيا أرضاً وشعباً، كجزء من اتحاد موسع داخل دولة الاتحاد الروسي، ووفق نظرية بوتين، فإن هذا الأمر، سيضمن بشكل فعال قدرة روسيا على إعادة ترسيم حدودها الأوروبية، إلى حيث كانت موجودة أساسًا في ذروة مجد الاتحاد السوفيتي، وفي هدف أبعد، فإن ذلك لن يؤدي فقط إلى إحباط المزيد من توسع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي شرقًا، والذي يُمثل التهديد الحقيقي لأمن روسيا، بل سيسمح أيضًا لبوتين بإلغاء ما يعتبره بعض الروس ظلمًا تاريخيًا.
على هذا النحو، يتكهن العديد من المحللين، بأن الهدف النهائي للعملية العسكرية الخاصة، هو إعادة أوكرانيا إلى روسيا من خلال عزل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتشكيل حكومة جديدة تتعاون مع روسيا. لكن وفي جزئية قد تُغير الموازين الروسية حيال أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا، لم يكن يتوقع الجيش الروسي، أن تصمد القوات الأوكرانية إلى هذا الحد، ومن ضمن ذلك، فمن غير المرجح أن تنجح روسيا في إحداث تغيير في النظام في كييف، دون تصعيد دراماتيكي للعنف، وهو ما لن يجعل بالتأكيد المواطن الأوكراني العادي أكثر تعاطفًا مع روسيا، والتالي، سيحتاج بوتين إلى إيجاد التوازن الصحيح.
ختاماً، وضمن فرضية التعثر الروسي في أوكرانيا، يمكن اعتبار أن حدود روسيا ستتم إعادة ترسيمها حتمًا بعد التدخل العسكري في أوكرانيا، وأن أقسامًا مما يعرف حاليًا بأوكرانيا الحديثة ستقيم داخل تلك الحدود الجديدة، إذ يبدو من الأرجح أن يسعى بوتين إلى استعادة الوضع الروسي لما أشار إليه "بالأراضي الروسية تاريخيًا" في روسيا الجديدة، وبالتالي إنشاء جسر بري تشتد الحاجة إليه إلى شبه جزيرة القرم، كل ذلك، يُعد التفافاً روسياً على فرضية التعثر الروسي في أوكرانيا، ومنع روسيا من تحقيق جُملة أهدافها من العملية العسكرية الخاصة، إضافة إلى أن ذلك، سيسمح ذلك لـ بوتين بإثبات أن نيته لم تكن أبدًا احتلال أوكرانيا، أو القضاء على مفهوم الأمة الأوكرانية، حيث يمكن أن يظل الجزء الغربي من البلاد خارج سيطرة الكرملين.