- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
أنين الصمت في رواية روثمان أزرق د. نعيمة عاشور حامد
أنين الصمت في رواية روثمان أزرق د. نعيمة عاشور حامد
- 1 مايو 2021, 1:45:15 ص
- 1279
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
"روثمان أزرق" كتاب للأديبة آمال الديب، قد يختلف القارئ في إدراجه تحت نوع الرواية، أو السيرة الذاتية، ساعد على ذلك محددات استراتيجية الكتابة التي انتهجتها،
وكيفية تحقق هذا الخطاب؛ حيث مزجت بين ضميري المتكلم والغائب إضافة إلى الضمير المتحرك (تاء الفاعل)،
لكن هل يوجد سر وراء استخدام الصوت المزدوج الذي يراوح بين الإفضاء عن الذات بضميري المتكلم والغائب معًا والحرص أحيانًا على الانفصال عن أنا المتكلم بدلاً من التماهي معها؟
أسهم انتقال الأحداث المنتظم في إمكانية القيام بفعال رابطة بين أحداث اجتماعية ونظم خطابية متشابكة
ومنتظمة اشتملت على العديد من الأفعال والحركات والإشارات، تشكلها عدة ضروب تتنوع بين النفسي والاجتماعي والأخلاقي في آن واحد دون فصل لأحدهم عن الآخر؛ حيث صنعت في الرواية إطارًا خاصًّا لصورة امرأة تعشق الأنثى التي بداخلها وتجسد رغبتها في علاقتها الخاصة بالآخر(الرجل)
غير المعلن عنه وهو الخيط الرئيس الذي نسجت حوله الأحداث الأساسية المتداخلة.
من الرقعة المتسعة من سقف الروح تبدأ الأحداث في التعالق، والتي تبدأ بتعرية ذاتها فيها، فكان لابد أن تُخلف الساعات المتصلة بينهما جنينًا ما زال داخل رحمها،
فقد كانت له أروع أنثى ذوّبت تفاصيله وذابت فيها، تدور بين الصيدليات للبحث عن دواء يمنحها الخلاص القريب الذي أُجبرت عليه من هذا الجنين في الوقت نفسه الذي تريد أن تحتفظ به وترفض قتله،
وهنا كان انشطار الذات إحداهما تتربع الرقعة المدورة والأخرى مستسلمة تتحكم بها حركة الرياح، إنها بين أكثر من طريق تؤدي بها إلى أكثر من نهاية،
أقرب الاحتمالات فيها هي خسارة الجنين، وخسارة آدميتها معه، بل خسارة هذا الآخر الذي عشقت الحياة بين ذراعيه، الذي غاب عنها وآثر ألا يشاركها كل تفاصيل المشهد.
وكانت مرارة الإجهاض؛ فقد أُجهض جنينها مثلما أجهضت ثورة 25 يناير، وللميدان أيضًا الذي شهد التجمعات بالكتل الخراسانية التي تغلق التقاطعات الرئيسية أيضًا شكل مقهور بعدما أُجهض هو الآخر،
وامتلأت السجون بكل صاحب رأي من ثواره، الذين احتُسبوا على رأي جماعة الإخوان خطأً، أو الذين رفضوا تنويعات العنف التي مارسها الأمن على معتصمي رابعة العدوية والنهضة،
أو الذين رفضوا التفويض، فقد اُغتيلت أحلامهم جميعًا في الحرية وفي الديمقراطية، البعض منهم أحاطته عيون الأمن داخل كلية الهندسة وفي ميدان التحرير والميادين الأخرى المختلفة؛
حيث اُستخدمت الجرافات وقنابل الغاز وأسلحة الخرطوش بل والأسلحة الحية لتفريق المعتصمين وتفريغ الميادين، وقتها نزل من نزل منهم إلى ميدان رمسيس ومسجد الفتح للتظاهر مناديًا بوقف الدماء والكف عما يحدث فكان مصيرهم السجن أيضًا.
قررت الذات أن تعيد صياغة ذاتها فصنعت إطارًا انتصرت فيه لنفسها وقدمت رفضًا كاملاً لأي سلطة خارج سلطة الوعي الذاتي الذي امتلكته إذ اعتمدت على ثنائيات متعددة وآليات متضادة تعتمد على التحدي والقوة ومقاومة الاستسلام حتى تحصن نفسها ضد عوامل الضعف،
فقد كانت رغبتها موزعة في الذوبان في الآخر وفي الضياع منه، في فقد الأنا وفي التوحد معه كقيمة ثابتة مطلقة، امتلكها واستردت منه حريتها بقتله، وكان فارق الواقع من الخيال،
أغوته باللقاء بعد الإجهاض كي تثأر لروحها ولجنينها منه، فكانت رغبة ظمئة بداخلها في الانتقام منه بقتله، بل قتل كل رجل حاول أن ينال منها بنظراته،
وكأن قتله أصبح نوعًا من استرداد الذات واتخاذ قرارات تعيد بها بناء ذاتها وتتفق بها مع نفسها، حيث إنها كانت تدور في المدار الخطأ، لأنه جعل منها ذاتًا مشوهة تعيش بقانونه الخاص،
كان عليها أن تدرك أن التواصل مع المطلق هو نوع من خداع النفس، فلا مطلق ثابت في عالم متحرك دائمًا.
نقلت صوته، وحكت حكيه، وقالت ما يودّ قوله، وما لم يقله، فقد استوعب النص داخله حكيًا للآخر يأتي من ذاتها اشتركت معه في سلسلة زمنية جديدة؛ حيث قدمت منظورًا خطابيًّا يمثل الحكي داخل الحكي من خلال سلاسل منتظمة للنص تحكيه على لسانه،
فكان هو الآخر الغامض، الغائب الحاضر أحيانًا، غير المعلن عنه، صاحب التجارب المتعددة، وأحيانًا الفاشلة، رجلاً سطحيًّا لا يورط نفسه مع امرأة، لكنه أسير هذه الأنثى،
لقاؤها بالنسبة إليه كان هو المعادل الموضوعي لكل ما يزعزع أمانه وهدأته في هذا العالم، كان متحررًا من القيود والالتزامات، ساخرًا أيضًا، مدللًا منها، دائمًا ما تحضر له علبة سجائره المفضلة لديه، لا أحلام لديه،
يستعد أن يضحي بكل شيء كي تبقى الحكومة سعيدة ومبسوطة، كل ما يطلبه من السيد الرئيس أن يسمح له بـ2 كيلو لحم كل أسبوعين،
يبدي إعجابه بها، تلمسه حروفها، لديه رغبة عارمة في أن يلتقيها، لكنه ينعدم في إنسانيته مع كل امرأة يلتقيها، لا تنسى أنه أجبرها على إجهاض نفسها،
ومع ذلك فإنها تسرّب له رغبتها في التقائه بين الحين والآخر، لو أرادت أن تخطفه من جديد لفعلت، لكن ماذا تنتظر؟ لا يدري!!
والكاتبة آمال الديب حصلت على ليسانس دار العلوم في اللغة العربية والدراسات الإسلامية، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة،
صدر لها ديوان "نغمات" شعر فصحى، عن هيئة قصور الثقافة، فرع ثقافة القاهرة، وديوان الراحلون"، شعر فصحى، عن المجلس الأعلى للثقافة،
و"في صوته اليمام"، شعر، دار الحضارة، و"روثمان أزرق"، رواية، دائرة الشارقة للإعلام والنشر،
وقد حازت على جائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها الثامنة عشرة، وأصدرت مؤخرًا روايتها الثانية بعنوان "أليس هذا غريبًا؟"