في نادرة عن شاعر العرب الأعظم أبي الطيب المتنبي، أن رجلاً قال له: "لقد رأيتك قادماً من بعيد فظننتك امرأة!" ، فقال له المتنبي: "وأنا عندما رأيتك من بعيد حسبتك رجلاً!؟" .. كثير من الكائنات الإخوانية تحسبها من بعيد شديدة التميز، وإن يقولوا تسمع لقولهم، وما أن تقترب منهم حتى ترى نمطاً بشرياً مغايراً لما يحاولون رسمه، أو تقديمه للآخرين.. علماء الإنثروبولوجيا(علم دراسة الإنسان) اهتموا كثيراً بدراسة هذه الأنماط البشرية، وبوضع سمات عامة لها، شبيه بما يحرص عليه المهتمون بالأبراج من وضع سمات عامة لمواليد كل برج، وتحديد طريقة تصرفها في المواقف المختلفة، وكيفية استجابتها وتعاملها مع الظروف المتعددة .. والكائنات الإخوانية تستحق أن توضع في دائرة الاهتمام البحثي والدراسي، لاجتماع كثير من السمات والخصائص التي تجعل منهم نمطاً فريداَ يستحق إخضاعه للدراسة المكثفة. 

وخصائص الكائن الإخواني من الشيوع بحيث يمكن أن تصبح علامة تجارية لهم، ومن الذيوع بحيث يمكن ملاحظتها بسهولة..  وليس شرطاً أن تكون "مسلماً" لكي تنضم إلى هذه الفئة، فهي خصائص جامعة لهم وغير مانعة لدخول غيرهم؛ إذ يمكن أن تكون "بوذيّاً" وإخوانياً في الوقت نفسه، ويمكن أن تكون "شيوعيّاً" وإخوانياً في الوقت ذاته.. ولعلَّ هذه الصفة هي ما جعلتهم خليطاً بلا ملَّة، وإن كان الكفر ملَّة واحدة، وهو ما دفع مؤسس جماعتهم إلى وصف بعضهم بأنهم "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"!

ومن الخصائص الشائعة لهذه الكائنات الإخوانية :الإزدواجية؛  كلُّ الإخوان "بوشين" إن لم يكن أكثر .. الكائن الإخواني يأكل على كل الموائد، ويدعى صداقته للجميع .. في أية مؤسسة يمكنك التعرف عليه؛ إذ ستجده دائم "اللف" على كلّ المكاتب (مكاتب الرؤساء والمديرين خاصة) مشيداً بهم ومعبِّراً عن إعجابه المستمر، وإن كان يخرج من هذه المكاتب لاعناً لهم وطاعناً في أعراضهم ..  وهو كائن "شماشرجي" يلطف الأجواء للمسئولين ويرفّه عنهم في العلن، ويتآمر عليهم في الخفاء.. وهو كائن هوايته صنع التربيطات التي تحقق أهدافه الشعبوية وإن لم يعترف بغير جماعته في النهاية.. 

والكائن الإخواني لا يعمل، وليس لديه إمكانيات العمل الجاد، ولكنه أقرب إلى "المشهلاتي".. هو كائن بدون عمل حقيقي ولا يحب من يعمل بشكل حقيقي، ويعتقد أنه يسعى إلى "الشو" .. وهو كائن كذَّاب بطبعه، ويعتقد في مقولة "جوبلز" "اكذب، اكذب ، ثم اكذب حتى يصدقك الناس".. دائرة الكذب لديهم متسعة ومفتوحة، وآفاق التحايل لديهم عالية ولا نهاية لهم .. والكائن الإخواني سمج، وثقيل الظل، ونكته خشنة في أغلبها، قديمة وبايخة في معظمها.. .. والحكايات التي يستخدمها الكائنات الإخوانية معظمها حكايات حيوانية "القرد لو مات القرداتي يعمل إيه؟"  و"طائر النهضة الذي له رأس وجسم ومؤخرة"  وهي حكايات تتناسب مع مستوى تفكيرهم البدائي في معالجة كثير من الأمور! 

والكائن الإخواني هو "عصفور" كلِّ مكان يعمل به.. هو أسرع الناس توصيلاً للأخبار ولنشرها، خاصة السلبي منها .. وهم أساتذة في نشر الشائعات والترويج لها .. الكائنات الإخوانية لا عهد لهم ولا كلمة، وهم لا يَرْقُبُون في الناس إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً.. لا تطمئن لوعد منهم، ولا تركن إلى عهد أحدهم.. وهم أصحاب ابتسامة صفراء دائمة أمام الناس؛ الابتسامة جزء من ترويج البضاعة.. ولكنها ابتسامة المضطر، وتودد الُمتصنع، وتكلُّف المحتاج الذليل..

والكائن الإخواني محدود القدرات والمهارات، وليس له قدرة على الإبداع .. هو كائن تقليدي للغاية، ومتمسك بالطرق البالية لأقصى مدى.. وهو كائن لا يعرف، ورغم ذلك، يعتقد أنه يعرف، ويثق في أن الآخرين معجبون بما يعرف!.. والكائن الإخواني مدعي فضيلة ومتظاهر بها، وهو دائم الحديث عن قيمه وأخلاقه وبطولاته الأخلاقية.. الفضيلة بالنسبة له ستار يستخدمه لتحقيق مآربه الشخصية.. والكائن الإخواني عاشق للملذات، ويعتقد في أن اللذة والمنفعة هما الخير الوحيد في هذه الحياة، حتى رغبته في دخول الجنة مرتبطة بملذاتها..وهو كائن مولع بالجنس، وهو محور اهتمامه، ويشغل حيزاً كبيراً من تفكيره .. "فرويد" نفسه قد يقف عاجزاً عن تفسير الهوس الجنسي لديه .. 

والكائن الإخواني مؤمن بفكرة القطيع، ونادراً ما يمشي منفرداً.. وهو لا يوجد إلا وسط جماعته، ولا يفكر ظاهراً إلا معهم .. فكرة الخصوصية لا تتماشى مع طريقة تفكيرهم، ولا تتوافق مع تركيبتهم النفسية وإمكانياتهم العقلية.. والكائن الإخواني مؤمن بفكرة "التقيّة" الموجودة لدى الشيعة، وهم يمارسونها في كلّ مواقفهم.. هم يقولون ما لا يعتقدون اتقاءً للأذى، ويعلنون ما لا يبطنون خوفاً من الناس.. والكائنات الإخوانية في معظمهم جبناء "يحسبون كلَّ صيحة عليهم".. وهم يحبّون الحياة لأنفسهم فقط، ويدفعون الآخرين إلى كراهيتها.. ورغم فسادهم يقولون: "إنما نحن مصلحون"..

أن تكون كائناً إخوانياً فهذا مرض، وأن تجهل أنك مريض فهذا سفه، وأن تكون معجباً بحالتك هذه فهذا جنون؛ والمجانين في نعيم!

 أرض النفاق

وصلتني رسالة كريمة من المستشار ثروت بدوي(رئيس هيئة القضاء العسكري سابقاً رحمه الله ) يشير فيها إلى ظاهرة اجتماعية لها خطورتها وتأثيراتها وهي ظاهرة القابلية للنفاق المجتمعي والرياء الاجتماعي العام .. اقتبس منها هذه الفقرات ذات الدلالة..

"في مقدمة كتابه العبقريّ "عبقرية عمر" أشار الأستاذ العقاد إلى قصة ذات مغزى "قصة العاهل الذي تحاكم إلى قاضيه مع بعض السوقة في عقار، يختلفان على ملكه، فحكم القاضي للسوقة بغير العدل ليغنم سمعة العدل في محاسبة الملوك، وعزله العاهل؛ لأنه ظلم وهو يبتغي الرياء بظلمه، فكان(العاهل) أعدل عادل حين بدا كأنه يحرص على مال مغصوب ويجور على تابع جسور؛ لأنه أنصف وهو مستهدف لتهمة الظلم ، وقاضيه قد ظلم وهو يتراءى بالإنصاف"..

"كثير من القرارات والسياسات في المجال العام لا يكون هدفها الصالح العام بقدر تحقيقها "السمعة العامة" التي يحرص البعض على رسمها لنفسه حتى وإن كانت على حساب الصالح العام.. نحن ننافق بعضنا البعض ، ونرائي أمام بعضنا البعض.. انتشار الظاهرة يجعلنا أقرب إلى "أرض النفاق"  التي أشار إليها يوسف السباعي وعبًّر عنها في روايته بشكل كبير".

"وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها المتزايد أسهمت بشكل كبير في تعميق ظاهرة الرياء المجتمعي.. انظر إلى كثير من منشورات الفيس بوك، ومن التعليقات عليها، ستجدها مليئة بعبارات فيها من النفاق أكثر مما فيها من المجاملة، وفيها من الرياء والتباهي والتفاخر أكثر مما فيها من الحقيقة والصدق والأمانة.. هناك "مزاد علني" على أساليب النفاق، وهناك "مناقصات عامة" على المجاملات الأكثر مبالغة.. وأصبح الأمر مستساغاً ومقبولاً ومرغوباً، وفي هذا فليتنافس المتنافسون"

"يوجد في مجتمعنا متطوعون بالنفاق يجيدون التزلف إلى أصحاب المصالح.. ويوجد في مجتمعنا من يحب سماع كلمات النفاق، ويطرب لها، ويسعى إليها.. النفاق والرياء في مجتمعنا لو لم نجده فيه لاخترعناه.. هي مادة مليّنة للحياة الاجتماعية عند البعض، ومهيّئة لتقبل الصعوبات الحياتية عند البعض الآخر.. نحن أصبحنا نعيش في "فقاعة" غير متصلة بأرض الواقع، وفي "صوبة" ليس فيها طقس الحياة الطبيعية.. الغلاف الاجتماعي العام أصبح موبوءاً، وملوثاً، ويحتاج إلى فلاتر تنقية، وأمصال وقاية من سوءاتها"..

"نحتاج إلى تنقية الضمير المجتمعي العام، وإلى وضع كود أخلاقي يمنع ممارسات التزلف والنفاق والرياء في المجال العام ويستهجنها، ويعتبرها تحرشاً بالضمير، وخدشاً للوعى ، وانتهاكاً للأمن النفسي للوطن ، وخرقاً للمزاج العام للمواطنين.. وإلا سنكون أقرب إلى أهل الكهف في رمزية أفلاطون الذين كانوا يعيشون في الخيال أكثر من الواقع.. وعندها سنكون وصلنا إلى النهاية التي لا بداية بعدها". 

 "سرعة ترسيب الإهمال" 

لم تكن بداية هذا العام الجديد طيبة بالنسبة لي .. وعكة صحية طارئة دخلت على إثرها إلى إحدى المستشفيات عدة أيام، ثم خرجت منها، بناء على طلبي، لاستكمال العلاج في البيت وبمساعدة أصدقائي من الأطباء؛ بعد أن وجدت أن تكلفة البقاء في المستشفى لا تعادلها جودة الخدمة الطبية والعلاجية التي أتلقاها!!

 في مصر ظاهرة تكاد لا توجد في أية دولة من دول العالم، وهي أن قدرة المستشفيات الخاصة/ الاستثمارية الجيدة على الاحتفاظ بمستوى الخدمة الطبية المتميز الذى تقدمه ضعيفة، ومناعة هذه المستشفيات ضد الإهمال والعشوائية منعدمة.. خلال عدد محدود من السنوات، تتحول مستشفيات كانت في بدايتها جيدة نسبياً إلى مستشفيات متواضعة جداً، رغم الارتفاع المتزايد في أسعارها.. الاهتمام بالخدمة الفندقية في كثير من مستشفياتنا الخاصة أكبر من الاهتمام بالخدمة العلاجية، والاهتمام بالتمريض أكبر من الاهتمام بالتشخيص الجيد أو بتوافر الأطباء المتخصصين الذين يقدمون العلاج اللازم .. 

العلاج في بعض مستشفياتنا الخاصة معناه أن تُجري أكبر عدد من التحاليل والأشعة الضروري منها وغير الضروري، ولا مانع من إعادة التحاليل والأشعة أكثر من مرة .. المهم أن تشعر بأن هناك حركة، والحركة بركة.. المهم أن تشعر بأن هناك اهتماماً، حتى ولو كان زائفاً.. والمهم أن تدفع في نهاية المطاف، حتى وإن لم تتلق الخدمة الطبية والعلاجية المطلوبة والمتوقعة... 

العلاج في مستشفياتنا الخاصة موجه إلى الصمّ البكم العمي.. إذ لا يوجد من يشرح لك الأوضاع بدقة، ولا يوجد من يجيب عن أسئلتك المشروعة بعناية .. الأطباء يعتقدون أنه من قبيل تضييع الوقت التحدث مع المرضى عن حالاتهم .. ويعتقدون في مبدأ "خد العلاج وأنت ساكت".. العلاقة بين الأطباء والمرضى هي علاقات فوقية استعلائية وليست علاقات تبادلية بين طرفين يتبادلان المنفعة.

نحن نعيش بقانون الصدفة وببركة "دعاء الوالدين" في مصر.. أن تمرض بصفة عامة، فهذا معناه أن احتمالية النجاة من هذا المرض محدودة، وأن فرص الشفاء ضعيفة، حتى ولو كان معك المال اللازم لذلك.. وأن تمرض يومي الخميس والجمعة وفي أيام العطلات الرسمية وغير الرسمية، فهذا معناه أنك ستكون بين يديّ الرحمن بالمعنيين الحرفي والمجازي؛ حيث سيتم علاجك بالتليفون، وبرسائل الواتس آب، وستنعم بمتابعة أطقم التمريض دون أن تكون محظوظاً بمتابعة أي طبيب متخصص.. المريض في بلادنا مخيَّر بين أمرين كليهما مرٌّ: مغالاة وتحايل المستشفيات الخاصة، أو فقر وتسيب المستشفيات الحكومية.. وكلُّ الطرق تؤدي في معظم الأوقات إلى نتيجة محددة؛ تعددت الأسباب والنهاية واحدة!

أحد التحاليل الشائعة التي يطلبها الأطباء هو تحليل "سرعة ترسيب الدم" ، وهو اختبار يكشف عن وجود نشاط إلتهابي في الجسم .. كلما زادت سرعة ترسب خلايا الدم في أنبوب الاختبار دلَّ ذلك على تقدمية المرض وانتشار الالتهاب .. شيء شبيه بهذا يحدث في مجال الإهمال .. سرعة ترسيب الإهمال في مستشفياتنا الخاصة أو الحكومية التي تعمل بالنظام الاقتصادي عالية .. المنطق هو أن تتطور هذه المستشفيات، وأن تتحسن خدماتها عبر الزمن، خاصة إذا كانت استثمارية، غير أننا لا نملك رفاهية التمتع بهذا المنطق في مصر؛ إذ تقل الجودة بمرور الزمن، وبدلاً من وجود علاقة طرَّدية إيجابية بينهما توجد علاقة عكسية سلبية .. نتمنى فقط أن تستمر هذه المستشفيات بمستوياتها السابقة.. نتمنى فقط أن تظل محتفظةً بروعة البدايات فيما تقدمه من خدمات.. نتمنى ذلك، "وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ".