- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
إميل أمين يكتب: العالم العربي على عتبات عام جديد
إميل أمين يكتب: العالم العربي على عتبات عام جديد
- 28 ديسمبر 2021, 11:15:20 ص
- 459
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هل يضحى 2022 عاما مفصليا في التاريخ المعاصر، ما بعد الألفية الثانية، وبدايات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين؟
بضعة أيام تفصلنا عن العام الجديد، وفيما هو يرحل إذ به يرث تركة ثقيلة من سابقه، وعلى الوليد الجديد أن يتعاطى مع جميع المتغيرات القائمة والقادمة.
تتراوح توقعات أحداث العام الذي يهل علينا ما بين الأحداث الإقليمية والدولية، وفي شرقنا الأوسط الذي صار الموت فيه عادة، لا تبدو العلامات مبشرة، وهذا ليس من باب التشاؤم، بل من جهة قياس إستشرافية لأحداث آنية ترمي بظلالها على المستقبل القريب.
يبدو الجسد العربي ثخينا بجراح غائرة لا تبارح فراش المرض، وهذا ما يتضح من نظرة ولو سريعة إلى حال ومآل عدد من دول المنطقة.
لتكن البداية من عند السودان الشقيق، والذي تبدو حظوظه في النجاة مقلقة، فمنذ ستينيات القرن الماضي، والسودان لا يعرف الراحة أو الهدوء، ليتحول إلى دولة ناجحة تليق بإمكاناته البشرية واللوجستية.
الذين تابعوا أحداث الثورة السودانية على نظام البشير، خيل لهم أن هناك مستقبلا خلاقا قادما، لكن ما نراه حتى الساعة يقود إلى القطع بأن السودانيين أنفسهم لم يصلوا معا إلى توافق حقيقي لانتشال البلاد والعباد من وهدة الدولة الفاشلة.
ثلاثة عقود احتلت فيها إدارة البشير بلمحات ولمسات الإخوان المسلمين سماوات السودان، وحين آن آوان الرحيل القسري، كان حساب الحصاد هزيلا، أما الإرث فجاء كارثيا، متمثلا في عداوات بينية، وثقة منهارة بين أطراف المجتمع السوداني، وفجوة عميقة بين العسكر والمدنيين، فجوة نرى أثرها يوما تلو الآخر في مليونيات المتظاهرين، هناك حيث تقابل بعضهم طلقات الرصاص، والبعض الآخر قنابل الدخان المسيلة للدموع، ومن البديهي القول إنه عندما تسيل الدماء تتعذر المصالحة.
من السودان الشقيق، ننتقل إلى ليبيا الجريحة منذ عقد ونيف، وقد كان من المفترض أن تشهد إنتخابات رئاسية في نهار الرابع والعشرين من ديسمبر الجاري، أي يوم الجمعة الماضي، ولم يحدث، الأمر الذي يطرح علامة استفهام: “هل كان الأمل في حدوث تلك الانتخابات في حد ذاته وهما كبيرا، وخدعة لتسويف الوقت للوصول إلى الهدف الحقيقي المراد لليبيا؟.
تبدو القصة ومن جديد تدور في فلك سيناريو التقسيم الأليم، ما بين شرق وغرب وجنوب، أي تفكيك ليبيا الدولة الوطنية بشكلها القديم، والخروج على العالم بنموذج مغاير لما عهدته الدولة الليبية الموحدة منذ غادرها الاستعمار الإيطالي.
ليبيا تعاني من أكثر من اتجاه، فقد باتت مطمعا من جهة لقوى بعينها لا تغيب عن الأعين، قوى استعمارية قديمة، عربية وأجنبية، لا يهمها من الداخل الليبي سوى إنهاك قواه السياسية والمجتمعية، للبقاء أطول فترة ممكنة، ونهب ثرواته وخيراته الطبيعية.
لن يستقيم حال ليبيا، إلا حال الخلاص من الميليشيات العسكرية القائمة على أرضه، ولن ينصلح حال الليبيين، إلا ساعة أن يتخلصوا من العتم الأصولي الإخواني الرابض على أراضيهم والجاثم على عقولهم قبل صدورهم.
من ليبيا إلى اليمن الذي أطلق عليه ذات يوم، السعيد، وهو في الحق دولة وحضارة قديمة وله تاريخ مجيد، ويليق به هذا المصطلح، غير أنه ومن أسف شديد، بات اسما على غير مسمى.
يبدو اليمن ساحة معارك بالوكالة، وتبدو الأيادي الإيرانية واضحة جدا، ومن يتابع تطورات المشهد الأخيرة على أرض اليمن، يمكنه أن يدرك دخول أطراف ميليشاوية أخرى على خط الأحداث كما الحال مع ميليشيات حزب الله، والتي لم تكتف بتخريب الحياة السياسية والحزبية في لبنان، فجاءت لتزيد المشهد اليمني ضبابية.
يبدو اليمن بعيدا جدا عن الاستقرار في العام الجديد، وربما يضحى عامل تهديد لجيرانه في منطقة الخليج بنوع خاص، وذلك حال حدثت القارعة وجرى صدام مسلح مع إيران من جراء برنامجها النووي.
الإيرانيون لا يخفون في واقع الأمر نواياهم، وها هي صواريخهم الباليستية تتهدد الآمنين من المدنيين في المنطقة، فيما التهديد بقطع الملاحة في البحر الأحمر، يستدعي اشتعال نيران أوسع أشمل، ودخول قوى ودول إقليمية أخرى في الصراع.
الناظر إلى العراق بدوره لا يشعر بالكثير من الراحة، والتساؤل: ماذا بعد الانسحاب الأمريكي الكامل والشامل عما قريب؟.. هل ستستقيم أوضاع العراق، أم أنه بدوره سيضحى عرضة للتقسيم على أسس طائفية ومذهبية؟.
ثم إلى متى سيبقى العراق ساحة خلفية لإيران تتلاعب بها كيفما تشاء من خلال وكلائها في الداخل؟.
فيما البعد الأهم موصول بقدرة العراقيين على القفز على أزماتهم الحياتية الاقتصادية بنوع خاص، وهم الذين عرفوا تنمية اقتصادية غير مسبوقة في المنطقة ذات مرة قبل بضعة عقود.
لا يبدو حال سوريا في العام الجديد أكثر نجاعة من العراق أو اليمن، فسوريا اليوم تبدو خاضعة للتقسيم بالفعل من قبل القوى الدولية، ولاتزال الأطماع الخارجية قائمة وقادمة من حولها، ويكفي للمرء أن يتألم من جراء وجود مناطق في الداخل السوري، لا يستطيع السوريون بسط نفوذهم عليها.
وفي الجوار يبدو لبنان متألما، نفسا ورسما، ولا أحد يدري إلى أين تمضي به آلام المخاض.
هل هي رؤية تشاؤمية مرة أخرى؟
قطعا القصة واقعية وحقيقية، وهناك ما هو أكثر هولا ينبغي مصارحة الذات العربية به، مع الاحتفاظ بالأمل، والسعي والعمل لتغيير المشاهد المتعسرة على طول الدرب، فما من قدر منقوش على حجر كما يقال، لا سيما إذا كان من فعل البشر، فالبشر هم من يقدرون على تصويب الطريق.