- ℃ 11 تركيا
- 21 ديسمبر 2024
الجاسوسية اسرار والغاز الحلقة "18"
الشبيه.. أسرار «عائلية» لقصة العميل 313
الجاسوسية اسرار والغاز الحلقة "18"
- 27 أغسطس 2024, 9:33:28 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
• ضابط المخابرات «السيد فؤاد» زرع ابنه في قلب الجيش الإسرائيلي
*فؤاد حطم كل القواعد المخابراتية .. وخالف بديهيات حب العميل او الارتباط العاطفي به
*صنعوا له تاريخاً مزيفاً من بطولات تهريب اليهود المصريين إلى اليونان
*صموئيل تطوع في جيش الاحتلال وساهم في انتصارات الجيش المصري في معركة أكتوبر
**تأخر في الاستجابة لطلبات إنهاء المهمة والعودة للوطن .. ومات شهيداً في سيناء
عالم الجاسوسية.. عالم غامض عجيب.. تكتنفه الأسرار وتغلفه الألغاز.. يمتلئ بالحوادث التي يصعب تصديقها.. ويندر أن تجول بخاطر أي إنسان.. لا تنتهي عجائب هذا العالم.. ولا تنضب أسراره.
ولا تزال سجلات المخابرات المصرية حافلة بالعديد من الجولات الناجحة التي خدعت فيها الموساد الإسرائيلي وتفوقت عليه وقضت على أسطورة الجهاز العبقري.. وكذبت شائعات الذكاء اليهودي الذي لا يهزمه احد أو يخدعه إنسان..
ولأهمية الجاسوسية أفردت لها الصحف والكتب والمواقع الإلكترونية صفحاتها لتسجيل أغرب الحوادث وأندر الحالات، وهو ما حولت جمعه وطرحة بين يدي القارئ في هذه السلسلة "سلسلة الجاسوسية أسرار وألغاز .. التي سبق أن نشرتها في جريدة النهار الكويتية في عام 2013 ولأهمية الموضوع ولحب الجمهور لقراءة ملفات المخابرات نعيد نشرها في موقع 180 تحقيقات ... خدمة لقراء الموقع الأعزاء إلى قلوبنا.. وذلك بمعدل حلقة أسبوعية .
وفي هذه الحلقات نكشف خفايا هذه الملفات.. ونرفع الستار عن قصص جديدة وملفات مخفية شهدت صراعاً شرساً بين العقول.. ومواجهات حامية الوطيس بين المصريين والاستخبارات الإسرائيلية.. كانت أسلحتها الخطط المحكمة.. ومكائد مدبرة بعناية فائقة.. وسطر أبناء النيل بحروف من نور نجاحات مبهرة لعملاء أحسنت المخابرات المصرية تدريبهم.. ليتسللوا داخل المجتمع الإسرائيلي.. واستطاعوا بمهارة فائقة خداع أرقى المناصب. وأعلى الرتب في المجتمع الصهيوني ليحصلوا على أدق الأسرار.. وليكشفوا المستور.. وأماطوا اللثام عما يملكه الكيان المحتل من أسلحة وذخائر.. ونقلوا للقاهرة خرائط تفصيلية لمواقع وتحصينات جيش الاحتلال قبل معركة العبور المجيدة.
ولم يتوقف نجاح المخابرات المصرية على زرع عملاء داخل المجتمع الإسرائيلي وفي بيوت جنرالات جيش الصهاينة.. بل تمكن المصريون ببراعة فائقة من اصطياد جواسيس الأعداء و منعوهم من نقل الأسرار إلى تل أبيب.. وحجبوا عن الموساد المعلومات ووقعت جواسيسه تباعاً.. بل ونجحت المخابرات المصرية في تجنيد بعض جواسيس الموساد وجعلتهم عملاء للقاهرة وأرسلت من خلالهم رسائل خادعة إلى إسرائيل كان لها فضل كبير في خطط الخداع والتمويه التي مهدت لنصر أكتوبر العظيم.
في أول شتاء أعقب هزيمة يونيو 1967 اشتدت الحاجة لعميل مصري داخل الجيش الإسرائيلي، ليكون عيناً لمصر داخل جيش العدو، ورغم صعوبة المهمة وبل اقترابها من المستحيل قررت المخابرات المصرية التفكير الجدي والتخطيط لزرع ذلك العميل ، واجتمع قادة المخابرات المسؤولون عن هذه العملية في مبنى المخابرات وبالتحديد في إدارة متابعة الجالية اليهودية في مصر والرجال الثلاثة ما هم ألا الضابطان المسوؤلان عن هذه الإدارة واحد قاد الجهاز، لمناقشة سبل تنفيذ العملية شبه المستحيلة لانتخاب شخص من الجالية اليهودية في سن المراهقة وعلى أعتاب الشباب(من 17 إلى 19 سنة) كي يكون عينا لمصر في عمق الجيش الإسرائيلي، وقبل أسبوع واحد فقط من هذا الموقف كان ضابط العمليات المعروف داخل جنبات الجهاز باسم صقر يتقدم بتؤدة نحو غرفة رئيسه المباشر مقدما اقتراحا جنونيا من أربع صفحات فحسب يقتضي ضرورة زرع عميل مصري في قلب الجيش الإسرائيلي بدءاً من اصغر رتبة ممكنة وان يكون هذا العميل يهودي صميم يمتلك هوية يهودية وتاريخا يهوديا مسبقا كان ضربا من الجنون أن يتقدم ضابط مخضرم بمثل هذا الاقتراح بعد الاجتياح الاسرائيلي لكامل مساحة شبه جزيرة سيناء قبل سبعة أشهر فحسب، وبعد أن أصبحت الجالية اليهودية في مصر محط أنظار الجميع مصريين وجهات دولية بعدما اصبحو منبوذين داخل مصر وفر نصفهم إلى إسرائيل عبر الصليب الأحمر بدعوى الاضطهاد وبقيت حفنه منهم يعانون الأرق والخوف.. ورغم ذلك سلم صقر اقتراحه إلى السيد زاهر رئيسه المباشر عالما انه لن يعلم ماسوف يتم بشأنه إلا انه كان واثقا من انه سيتم دراسة اقتراحه بالتفصيل ووضع الحل له بمجرد مغادرته مكتب السيد زاهر نفض عن رأسه تماما كل شيء عن التقرير وانصرف إلى قسم الاستماع منتظرا موعد الرسالة الجديدة من عميله العتيد في تل أبيب 313، ومنذ ميلاد الاقتراح حتى انتهت العملية لم يعلم السيد صقر أبدا الذي حدث بخصوصه .
لكن السيد فؤاد احد قادة الجهاز ادخل تعديلا بسيطا ..فالحل هو عميل مصري يتم منحه اسما وهوية يهودية بالكامل وتخليق تاريخ عائلي له في الأحوال الطبيعية أن تصنع شخصية مثل هذه أمر على قدر من الصعوبة لكنه .. ليس مستحيلا.. اما أن تكون هذه الشخصية بعمر بين 17 إلى19عاما فقط فهو الجنون بعينه لان التدريبات وحدها تستغرق 3 سنوات على الأقل قبل الوصول إلى المرحلة المرضية التي يمكن أن يخترق بها العميل الوسط المعادي مع خبرة كافية حتى لا يتم اكتشافه، رغم ذلك عكف قسم متابعة الجالية اليهودية على فرز ملفات أفراد هذه الجالية حتى وقعت مفاجأة مذهلة.. صورة صغيرة لشاب يهودي من أصل مغربي والصورة له في سن الـ16 عاماً، نظر لها السيد فؤاد بدهشة شديدة قبل أن يطلب من زميليه إنهاء البحث والتركيز على هذا الشاب بالذات، فهو شخصيا يعرف مواطنا مصريا حتى النخاع ويكاد أن يكون الأخ التوأم لهذا اليهودي من ناحية الشكل ونشطت التحريات عن تاريخ هذا الشاب لمدة أسبوع كامل ليل نهار.
صموئيل بن نون
وتوصل لكل المعلومات عن هذا الشاب وعلم أنه الابن الأكبر لتاجر ملابس متجول يهودي يسكن حارة اليهود بالسكاكيني، ينتمي لعائلة يهودية من أصل مغربي يعود إلي الجد استقرت في القاهرة في أوائل القرن الماضي وهي عائلة شبه معدمة، هو الابن الأكبر وله أخت واحدة صغيرة ،و كان يتنقل مع والده بين قري ونجوع لبيع تجارتهم البخسة من الأقمشة الرديئة بالأجل، اختفى ذات يوم قبل عامين وقيل هربا من ظروف النشأة القاسية أو تمردا على نظرة الاحتقار في عيون الناس له كيهودي، وقضى والده بعده بأقل من شهر ولم تمض شهور حتى احترقت الأم الكفيفة وابنتها في دارهم جراء حريق أحدثته مصباح كيروسين صغير .. ظروف مثالية لتخليق شهادة نسب لعميل، لكن يبقى الأهم ، وهو أين صموئيل بن نون؟ .. بعد جهد وبحث مضني عثرت عليه فرق البحث يحتضر في مستشفى الصدر بالعباسية وأخبرهم الطبيب المعالج أنه لن يتبقى له أكثر من يومين فقط، كان هذان اليومان كافيين تماما لمعرفة أين اختفى طوال عامين وكيف هرب للإسكندرية ليعمل على قارب صغير صيادا ومعاونا مع الريس عبد الله طامعا أن يتمكن يوما في الفرار إلى اليونان، ثم مرض بالصدر وبدأ ينزف دما ولم يعد من الممكن أن يستمر في العمل، فمنحه الريس عبد الله مبلغا صغير من المال جعله يقرر العودة للموت وسط أهله، ولم يكن يعلم ما أصابهم، وفي طريق العودة أغشي عليه في القطار ونقل إلى المستشفى ومنها إلى مستشفى الصدر حيث مات، وتم دفنه بسرعة وعلى عجل بمعرفة المخابرات المصرية باسم وهوية مختلفين ولم يعلم بوفاته سوى أفراد مكتب متابعة الجالية اليهودية في جهاز المخابرات.
الشبيـه
لم يتوقف السيد فؤاد عن التفكير في العميل الذي سيزرعه في قلب جيش الكيان الصهيوني خاصة أن الظرف في غاية الحرج الصعوبة حيث لا وقت للتدريب أو التمويه أو الإعداد؟ .. هل عنصر لا يتجاوز الثامنة عشرة يمكنه أن يتدبر أمره بالكامل خلف خطوط العدو حتى يصل إلى موقع حساس في قيادة الجيش الإسرائيلي بدون أن يشتبه به أحد؟
كل هذه التساؤلات دارت في ذهن رئيس التخطيط والعمليات وهو يقطع الردهة الطويلة ويخرج من الباب الخارجي ويدلف سيارته تحت أمطار هذا اليوم ويسير بها في شوارع القاهرة الحزينة متجها إلى منزله.. في نفس اللحظة في داخل منزل فؤاد ترفع زوجته أطباق الغداء من أمام زوجها وابنه الكبير عمرو بمعونة من خطيبته نجلاء عن المائدة.
عمرو الطالب في إعدادي هندسة المليء بالطموح المتفجر بالعزم والوطنية حتى النخاع البطل الرياضي المتفوق وخطيبته وجارته في نفس الوقت نجلاء طالبة الآداب بعد نهاية الغداء طلب الأب من ابنه توصيل خطيبته حتى منزلها والعودة لمحادثته على انفراد لأمر مهمة لغاية ، ابتسم الابن ملبيا طلب والده ووعده بسرعة العودة، وبعدما أغلق عمرو غرفة المكتب وراءه جيدا نظر إلى أبيه بتساؤل .. عاجله والده فؤاد قائلاً: بتحب مصر ياعمرو؟
عمرو: من لا يحب مصر يا بابا!
فؤاد: تتمنى تخدمها؟
عمرو: بروحي يا بابا.
فؤاد: مهما كانت التضحيات؟
عمرو: مهما كانت التضحيات.. إيه الموضوع بابا أنت قلقتني.
فؤاد: لم أتحدث معك قبل ذلك عن طبيعة عملي الدقيقة والسرية.
السرية هي أساس عالمنا وبدونها كل شيء ينهار..أنا باسم مصر سأكلفك بمهمة .. ستكون صعبة ياعمرو،ستتخلى عن كل شيء..ستنسى كل لحظة في حياتك وتندمج في حياة جديدة وتعيشها بكل جوارحك..سأطلب منك تقلب كل حاجة في حياتك وتتخلي عن كل حلم حلمته في يوم عشان بلدك .. هل تستطيع ذلك ياعمرو؟
عمرو: بابا ...أنت ربيتني على حب ديني وبلدي ..علمتني أن التضحية عشانها شرف لا يناله الا من يدفع مهره مهما كان ..عندما يأتي اليوم الذي مصر تطلب فيه ابنه من أبنائها لكي يكون لبنة في جدار حريتها وسور أمنها ويجبن مهما كانت التضحيات لا يستحق أن يكون مصريا.
فؤاد: ستتخلى عن كل شيء ياعمرو.
ستنسى أهلك و تنسى أنك مصري ومسلم.. لن تصلي أو تصوم.
ستنسى أيضاً أن لك أبا وأما على قيد الحياة، كذلك ستنسى نجلاء وستكون مطالباً بحمل السلاح في وجه أبناء بلدك وتتحمل أنها تسب أمامك وتضحك ستكون مطالبا بأن تخفي كل الحقيقة التي بداخلك ولا تخرج أبدا ولا تظهر على تعبيرات وجهك... ستعتبر أن عمرو نصار مات ودفن فعليا منذ اليوم الأول لبداية مهمتك.. مات ولن يرجع مرة ثانية يا عمرو، هل يمكن أن تصل التضحية إلى هذا الحد بانسان؟
عمرو: أيا كانت المهمة وأيا كانت التضحية... أليس هذا من اجل مصر يا أبي؟.
تحطيم القواعد
وفي صبيحة اليوم التالي في اجتماع مغلق ضم ثمانية أشخاص منهم فؤاد والسيد زاهر، بادر زاهر فؤاد متسائلاً بدهشة وعدم تصديق:ابنك يا فؤاد!
فؤاد:كل شيء في سبيل مصر يهون وهو أولا وأخيرا مصري.
انفض الاجتماع على الانتقال إلى الخطوات التنفيذية مباشرة رغم كل ما يتعارض مع أساس عملهم ورغم القاعدة التي تقول :لا تقع في حب العميل .. وكيف يمنع فؤاد نفسه من حب ابنه الوحيد ....كان لابد من إخفاء عمرو فؤاد عن الحياة تماما واجراء جراحة تجميلية بسيطة لتعديل حاجز انفه وتضييق عينيه الواسعتين قليلا ليتحول إلى صورة طبق الأصل من صموئيل بن نون.
تدريب مكثف
لا داعي لتعليمه العبرية لان صموئيل بن نون لم يكن يتحدثها أصلا.. لكن لابد من تدريب مكثف وعشرات الساعات مع خبراء الجانب الآخر لاعادة رسم وتكوين الشخصية الهادئة الصموت لصموئيل بن نون مكان شخصية عمرو فؤاد الحقيقية، كل هذا تحت طائلة النجاح أو الفشل، كل هذا قبل أن يتم زرعه فعليا في المجتمع اليهودي مرة أخرى. .بعد ذلك بأقٌل من أسبوع وقع حادث عنيف في منطقة مصر الجديدة عندما اصطدم لوري نقل عسكري يقل جنوداً بسيارة مصرية صغيرة شائعة الانتشار وادى إلى احتراقهما كليا وتحويل من كان في السيارة الصغيرة إلى فحم محترق، كانت هذه السيارة هي السيارة التي أهداها فؤاد لابنه الوحيد عمرو لتفوقه في دراسته .. وهكذا نجحت أولى خطوات التمويه وإعلان موت العميل الجديد .. وبالفعل أعلن رسميا وفاة المواطن عمرو فؤاد عن عمر ثمانية عشر عاما متأثراً بالحروق التي أصابته في الحادث، انهارت الأم المسكينة والخطيبة المكلومة .. فلم يكن ممكناً أن يخبرهما فؤاد بطبيعة المهمة ولا بكذب الخبر..وارتسم الحزن المصطنع على وجه الأب الذي كان يعلم أن الحادث ملفق وأن الذي احترق في السيارة هو مجرد جثة لمتوفى مجهول الهوية مات قبل أيام، وصدر نعي الشاب المتفوق في اليوم التالي مجللا بالسواد لينعاه كل من عرفوه من أصدقاء وزملاء في كليته وحيه واستمر العزاء ثلاثة أيام وسط آلام الجميع، وأكثرهم ألما الأب الذي كتب الله عليه أن يكون ابنه ميتا وحيا في آن واحد.
كل هذا يدور بينما عمرو يرقد داخل إحدى قاعات الإفاقة لعمليات ما بعد الجراحة في مستشفى وادي النيل في زمن كانت الجراحات التجميلية فيه ضربا من الخيال، كان يعلم انه وصل إلى نقطة اللاعودة، كان يعلم انه من الآن لن يعود عمرو نصار بل هو صموئيل بن نون اليهودي مغربي الأصل مصري الجنسية، كان قد قضى أيام الأسبوع المنصرم بالكامل مع فريق من خبراء الجانب الآخر الذين عملوا على تأهيله ليصبح صموئيل بن نون، والآن وصلت الأمور إلى الخطوة الأخيرة .. لقد أصبح يمتلك وجه صموئيل بن نون..لقد أصبح هو صموئيل بن نون.. تحركت سيارة سوداء صغيرة بلوحات سيارة أجرة صبيحة أحد الأيام تنهب الطريق نهبا بعد صلاة الفجر بقليل باتجاه آخر نقطة شوهد فيها صموئيل بن نون ..محطة سكك حديد مصر.. داخل السيارة وفي هذه الرحلة القصيرة التي لا تستغرق أكثر من عشرة دقائق جلس قائد السيارة زاهر وفي المقعد الخلفي جلس عمرو فؤاد يرتدي ملابس صموئيل بن نون والى جواره حقيبة قديمة بها ما تبقى من متعلقات صموئيل.
بداية المهمة
قال زاهر:صموئيل.. دقائق ومهمتك تبدأ.. ستنزل في آخر مكان صموئيل شوهد فيه، ستتقمص شخصية صموئيل تماما..ستخرج من محطة القطار وتتجه إلى منزل صموئيل وتبحث عن أهلك.. وخلال الفترة المقبلة كل الإجراءات والتصرفات التي ستفعلها في مصر ستكون بدون أدنى معونة منا بدون أدنى اتصال بينا، وقد تصادف عراقيل فلا تنتظر منا أن نتدخل لأنه في يوم من الأيام من سيتحرى عن ماضيك سيعرف كل ذلك كل هذا من أجل العمة روز صموئيل مصطلح العمة روز مصطلح حقيقي كانت المخابرات لمصرية تستخدمه كاسم كودي لمصر مع عملائها في هذه الفترة..ارتسمت ابتسامة سرعان ما تلاشت من فوق شفتي عمرو ورد قائلا بصوت اختلط فيه الحزن بالتحدي: علشان العمة روز ياسيد زاهر، .. توقفت السيارة في ركن مظلم من باب الحديد في محطة قطار رمسيس في توقيت متزامن تماما مع وصول القطار القادم من الإسكندرية وقفز منها عمرو بسرعة فيما تمتم زاهر بصوت خافت: ربنا معاك ياعمرو اختلط عمرو مع أفواج الناس الخارجين من الباب الأمامي للمحطة متدثرا بمعطفه الأسود القديم من البرد القارص الذي صاحبته الأمطار صبيحة ذلك اليوم، وسار من محطة سكك حديد مصر حتى حارة اليهود بالسكاكيني كما كان يفعل صموئيل دوما.
وصباح ذلك اليوم استيقظ الجيران على صوت الطرقات على الباب الحديدي للمنزل العتيق الذي كان يسكنه صموئيل مع أسرته، فتحت الجارة العجوز الباب تفرك عينيها بدهشة قائلة: صموئيل..أنت كنت فين يابني بقالك سنين..اهلك داخو يدورو عليك رد صموئيل هم أهلي فين يا أم فوزي؟، ردت أم فوزي بارتباك: اهلك؟ اهلك ياضنايا تعيش أنت، أتقن عمرو تمثيل دوره عندما صرخ بانهيار: إيـه! ماتو أزاي ؟ أزاي ماتو وسابوني يا أم فوزي احتضنته العجوز الطيبة وهو يبكي منهارا بعدما اجتمع الجيران الطيبون حوله يواسونه فيما قال احدهم :يابني أبوك مات وهو بيدور عليك بعد ما اختفيت أنت بشهور وأمك وراشيل مكملوش ياى ضنايا بعد أبوك بكام شهر، أتقن عمرو دور الانهيار وأغمي عليه وحمله الأهالي إلى منزل الجارة العجوز أم فوزي يحاولون إفاقته والتخفيف عنه، لم يمنع كون صموئيل الجار المصري اليهودي.
جارته العجوز أم فوزي من معاونته رغم أن ابنها مجند على خط النار في جبهة القتال يحارب الإسرائيليين اليهود أيضا، في الأيام التالية أتقن عمرو اللعبة تماما وغاص حتى النخاع في كونه صموئيل بن نون عندما استأجر ببطاقته الشخصية غرفة في بنسيون قديم متهالك تمتلكه سيدة يونانية في شارع كلوت بك وبدأ في النضال للحصول على ما تبقى من أوراق ومستندات تثبت شخصيته وفي زيارة الحاخام المسؤول عن المعبد اليهودي في شارع أحمد سعيد للصلاة عليى أرواح أهله، وناضل نضالا مريرا في قسم شرطة الوايلي كي يحصل على بقايا متعلقات أهله التي تم تحريزها والتحفظ عليها بعد وفاتهم جميعا والتي لم تخرج عن بضع صور قديمة وساعة جيب تعود لأبيه وسلستين ذهبيتين وشهادتي ميلاده هو وأخته وبطاقة والده الشخصية، واستخرج نسخه من شهادة مؤهله الدراسي، كما تم اعتقاله تحفظيا لمدة 12 يوما في قسم الشرطة ذاته وسط المجرمين واللصوص، وتم رفضه في العمل في كل جهة تقدم لها لأنه يهودي وبدأ المال القليل الذي كان بحوزته في النفاد، كل هذا بدون أدنى تدخل أو مساعدة من مشرفي العملية وان كان الأمر يقتضي مراقبته من بعيد ..حتى قام احد مسؤولي الأمم المتحدة بزيارته في قسم شرطة الوايلي أثناء اعتقاله تحفظيا والحصول على بياناته في إطار حصر بقايا اليهود المتواجدين في مصر خاصة بعدما شنت إسرائيل حملة شعواء تدعي فيها أن مصر تعتقل اليهود المصريين كلهم وتسيء معاملتهم لأنهم يهود، كان هذا مقدمة كي تقوم الوكالة اليهودية متخفية في زي الأمم المتحدة بتدبير الأمور لتهريبه خارج مصر كلاجيء سياسي، بعدما أشيع أن مصر تنتوي اعتقاله لأجل غير محدد لأنها تشتبه في قيامه بتهريب العديد من اليهود إلى اليونان أثناء فتره عمله على مركب الريس عبد الله العام المنصرم.
السفر لإسرائيل
عندما بدأ شهر مارس يحل بالدفء على ربوع مصر كانت كل إجراءات تسفير صموئيل بن نون الذي حاربت الوكالة اليهودية من اجله حربا مريرة هو و8 آخرين من اليهود المصريين لاخراجه من مصر قد تكللت بالنجاح وتمكنت الوكالة اليهودية من تدبير تأشيرات سفر إلى الأرجنتين معقل عمليات الموساد في أميركا اللاتينية خلال أيام عندها بدأ صموئيل بن نون أو عمرو فؤاد في المجاهرة علنا بالعداء لمصر وبدأ في الحديث انه سيعود إلى القاهرة مره أخرى لكن مع جيش اسرئيل.
وفي صباح احد أيام منتصف مارس تحركت طائرة شارتر صغيرة تحمل شعار ايراليتاليا علي مدرج مطار القاهرة تحمل عددا من الدبلوماسيين في الأمم المتحدة وأعضاء الصليب الأحمر الدولي وتسعه يهود سلموا قبل دقائق وثائق جنسيتهم المصرية وغادروا أرض مصر ..التمعت نظرة الحزن في عيني صموئيل وهو يري ارض مصر والطائرة تبتعد عنها.
هبطت الطائرة في بيونس ايرس لمدة 48 ساعة جري خلالها نقلهم إلى فندق بسيط قبل أن تصل طائرة أخرى تابعة للعال لتقلهم مع عدد من مندوبي سفارة الكيان الصهيوني إلى تل ابيب.
المهاجر الأصغر
المفترض أن صموئيل الحقيقي لا يتحدث الا العربية وقليل من الانكليزية على عكس عمرو الذي كان يجيد الانكليزية بطلاقة مع الفرنسية بحكم دراسته في كوليدج دي لاسال ويجيد القليل من الروسية بحكم الفترة التي قضاها مع والدة في وقت من الأوقات في موسكو. كانت الوكالة اليهودية تعمل في نشاط محموم لإعادة نقل اليهود في الخارج إلى ارض الميعاد كما تشير دعاياتهم المتناثرة وقتئذ في شوارع أوروبا وكانت إعادة صموئيل ومن معه رغم أنهم قلة إلا أنها ضربة كبري فهم يهود مصريون يمكن إعادة استخدامهم إعلاميا وحتى عسكريا.. فهم أولا كانوا مصريين.
تاريخ زائف
التاريخ الزائف الذي صنعته المخابرات المصرية باتقان لاصطناع بطولة صموئيل بن نون على صغر سنه والادعاء انه كان يقوم بتهريب اليهود وأموالهم إلى المياه الدولية وإلى بعض الجزر اليونانية أثناء عمله على
مراكب صيد الريس عبد الله قد أبلت بلاء حسنا حيث عومل صموئيل كبطل إعلامي وقتئذ في وسط العائدين ما حدا بأحد قادة حزب الماباي الإسرائيلي واحد رؤساء الوكالة اليهودية وقتئذ إلى تبنيه ماليا (كجزء من الدعاية الانتخابية أيضا التي كانت تصفياتها الأولية على الأبواب) وبدفع خاص من احد كبار أعضاء حزب الماباي وقتئذ وهو رجل الأعمال والصناعة الإسرائيلي الشهير جاك بيتون (رأفت الهجان فيما بعد) والذي يعتبر إلى اليوم الإسرائيلي الوحيد الذي رفض رئاسة الحكومة الإسرائيلية معلومة واقعية فقد كان رأفت الهجان مرشحا بقوة لرئاسة حزب الماباي الذي كان يسيطر على الحكومة الائتلافية الإسرائيلية في وقت من الأوقات وكان رئيس الحزب هو رئيس الحكومة إلا أن رأفت الهجان رفض المنصب في اللحظة الأخيرة لاعتبارات لاتزال طي الكتمان..
أصبح صموئيل بن نون رسميا سكرتيرا للسياسي الشهير الذي تبناه فكريا وقام بدفعه لتعلم اللغة العبرية مع دراسته بالانتساب إلى كلية الآداب في احد الجامعات الإسرائيلية، وقام بتوفير عمل له في احد مكتباته التي يمتلكها مع راتب وسكن ملائمين، كانت هذه هي البداية الحقيقية لانتقال صموئيل بن نون إلى الحياة في إسرائيل وكان هذا في منتصف عام 1968، كان الشاب الهاديء الصموت مجتهد التحصيل في دراسته للغة العبرية ولتحصيله في كليته إلى جانب الكتب التي يقرأها في عمله في فرع دار النشر الشهيرة حيث انه ينتمي إلى اليهود الشرقيين (السفردييم) الذين حتمت ظروفهم عدم تعلم اللغة العبرية.
ولم يحدث أي اتصال أو حتى محاولة الاتصال بين المخابرات المصرية وبينه فيما عدا كارت تهنئة رقيق أرسله إلى روما إلى العمة روز التي كان لا يمل من الحديث عنها باعتبارها آخر من تبقى من أقربائه على وجه الأرض وكان الكارت بمناسبة عيد الكابالا اليهودي مع عبارة ارجو لك الصحة الوفيرة والعمر المديد ووقع أسفل الكارت ابنك صموئيل وهي رسالة شفرية بسيطة تشير إلى انه قد استقر أخيرا وان العنوان على الظرف هو عنوان مراسلاته المأمون في إسرائيل، وظلت حياته رتيبة مستمرة على نفس المنوال حتى ظهيرة احد أيام شهر نوفمبر الباردة عام 1968.
استطاع بعد ذلك أن يتطوع في الجيش الإسرائيلي ونتيجة شجاعته وفتوته الشبابية جعلوه يكون في صفوف الجيش في حصون خط بارليف وهناك استطاع التحرك بحرية بين الخطوط والقلاع الحصينة والدوريات العسكرية ليرسم كل ذلك بدقة متناهية للمخابرات المصرية وهنا استفاد عمرو طلبة من التدريبات التي تلقاها في الكلية الحربية المصرية وبعض أقسام المخابرات ليتعلم تخصصات تفيده استطاع بذلك أن يثبت جدارة وتفوقا وأثناء عمله في أهم الأماكن التي كان يعدها الجيش الإسرائيلي من اقوي الأماكن سرية وتحصين ولا يعلم بها احد كان والده فؤاد طلبة ضابط المخابرات حزينا في مصر لان ابنه أضاع مستقبله وهنا كانت المخابرات في صف والده بجعله متخرجا من الكلية الحربية برتبة ملازم أول وكل ذلك سرا وتم إعلامه بذلك حتى يسعد ويطمئن أن مستقبله لم يضع وظل عمرو في عمله نشيطا وقويا من أكفاء الجواسيس في إسرائيل كلها في هذه الفترة وحتى حرب أكتوبر المجيدة التي استبسل في الإخبار عن كل معلومة تقع في يده حتى يوم 9 أكتوبر الذي استلم فيه من القيادة العسكرية للمخابرات الحربية أمرا بالعودة والانسحاب من موقعه الذي تقريبا أصبح تحت السيطرة المصرية ولكنه رفض وأصر على إكمال
مهامه لكن تحت الإصرار قبل أن يقف في النقطة المتفق عليها لمقابلة طائرة هيلكوبتر مصرية من المخابرات العسكرية لالتقاطه والرجوع به ألا انه في انتظار الهليكوبتر فتح جهاز الراديو بغير حرص وهنا استمر في الإرسال لجميع المعلومات العسكرية المهمة التي كانت لديه ومنها معرفة شفرات الإرسال اللاسلكي العسكري لأغلب فروع القيادات البرية الإسرائيلية العسكرية وقد حقق ذلك عظيم الفائدة لمعركة الدبابات الباسلة التي بدأت بعد وفاته شهيدا من طلقات مدفعية خاطئة من الجانب المصري الذي اعتقد انه يمهد نيرانيا لهيلكوبتر قادمة من القيادة لمهمة سرية لا يعلمها وكانت هذه البطارية غير معلمة بوقف إطلاق النار المؤقت حتى إنقاذ الضابط عمرو الذي رقي شهيدا إلى رتبة رائد وتم انتشال جثمانه والعودة به إلى مصر بفضله انتصرت مصر في معركة الدبابات ومعارك مشاه عديدة نتيجة معلوماته العسكرية القيمة.