الجاسوسية أسرار وألغاز: إبراهيم قلب الأسد.. خديعة قاسية بمكافأة مجزية

profile
مصطفي إبراهيم رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180 تحقيقات ورئيس تحرير موقع 180ترك
  • clock 29 أبريل 2024, 1:42:10 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لأن الجاسوسية هي السلاح الرابع كما يطلقون عليها، بعد سلاح الطيران والبحرية والقوات الجوية، فهي اولاً وأخيراً تعتمد على عقول ماهرة تبني الحقائق، وتحلل المعلومات وتستخلص النتائج وتضع الخطط، وتصنع ما لا يتخيله عقل او منطق من خداع وحرب خفية اسلحتها الذكاء، والشفرة، والرموز، وأجهزة الارسال اللاسلكي، وآلات التصوير، إلى جانب العامل البشري، واللجوء لشتى السبل من إغراء أو تهديد أو إرهاب وخلافه لتجنيد الجواسيس، لذلك أصبحت الجاسوسية هي الأداة الأساسية في تحديد السياسات الدبلوماسية للدولة الحديثة، وكذلك هي المستشار الخفي والأمين لرؤساء الجمهوريات والحكومات عند اتخاذ القرارات المصيرية التي يتوقف عليها مصير الدولة.

ولأهمية الجاسوسية أفردت لها الصحف والكتب والمواقع الإلكترونية صفحاتها لتسجيل أغرب الحوادث وأندر الحالات، وهو ما حاولت جمعه وطرحه بين يدي القارئ في سلسلة «الجاسوسية أسرار وألغاز» التي سبق أن نشرتها في جريدة «النهار» الكويتية في عام 2013. ولأهمية الموضوع ولحب الجمهور لقراءة ملفات المخابرات، نعيد نشرها في موقع «180 تحقيقات»... خدمة لقراء الموقع الأعزاء إلى قلوبنا.. وذلك بمعدل حلقة أسبوعية ننشرها يوم الاثنين من كل أسبوع .

الحلقة الثانية

قصة مهندس مصري حوّل نقطة ضعفه إلى أحد أسباب نصر أكتوبر

 

انقلب السحر على الساحر.. غرور ثعلب الموساد يحكم خداع مصر الإستراتيجي

الإسرائيليون ابتلعوا طعم الطمأنينة.. قبل حرب أكتوبر بيومين فقط

 

في صيف العام 1973 وردت أنباء للكيان الصهيوني عن نية مصر شن حرب قريبة،ولم تكن تلك المعلومات موثقة بالدرجة الكافية، فاحتارت القيادة الإسرائيلية، وفكرت في وسيلة فعالة للتأكد من صحتها أو نفيها وأوكلت لجهاز المخابرات الموساد التحقق من تلك الأخبار.

ولم تكن عقارب الساعة قد بلغت السابعة بعد في ذلك اليوم من بدايات صيف 1973، في العاصمة الإسرائيلية تل أبيب عندما استيقظ رجل المخابرات الإسرائيلي، البولندي الأصل يارون ديلشمسكى على رنين الهاتف المجاور لفراشه فأسرع يختطف سماعته، قائلاً بصوت خشن، لم تفارقه رائحة النوم بعد:

- ديلشمسكى..من المتحدث؟!

أتاه صوت رئيسه المباشر، وهو يقول في صرامة:

- استيقظ وافتح عينيك يا يارون..أريدك في مكتبي بعد نصف الساعة فحسب.. الأمر عاجل للغاية.

أنهى رئيسه الاتصال بعد هذه العبارات المقتضبة المباشرة على نحو يوحى بأنه غير مستعد لإضاعة لحظة واحدة، فهب الرجل من فراشه، وراح يرتدى ملابسه على عجل، ولم يمض نصف الساعة، الذي أشار إليه رئيسه، حتى كان يقف أمامه، في مبنى الموساد وهو يقول:

- ترى أي أمر عاجل هذا، الذي يستدعى العمل في هذه الساعة المبكرة؟!

رمقه رئيسه بنظرة جافة، ومط شفتيه لحظة، قبل أن يقول:

- رئيسة الوزراء تقول: إن المصريين يستعدون لشن الحرب.

ارتفع حاجبا ديلشمسكي في دهشة، لم تلبث أن استحالت إلى ابتسامة ساخرة وهو يقول:

- ومن أين استقت سيادتها معلوماتها هذه؟!.. المفترض أننا الجهاز المسؤول عن مدها بالمعلومات.

هز رئيسه رأسه، قائلاً في حزم:

- لسنا وحدنا في هذا.. هناك المخابرات الحربية أمان وجهاز الأمن الداخلي شين بيت وكلاهما لديه جواسيس وعملاء في كل مكان وربما حصل أحدهم على معلومة ما.

قال ديلشمسكى في حزم واثق:

- لا يمكن أن يحصل أحدهم على معلومة لم تبلغنا.

ثم أشار إلى صدره في زهو شديد مضيفاً:

- نحن الأفضل.

أشاح رئيسه عنه بوجهه، وانعقد حاجباه، وهو يمط شفتيه في ضيق واضح.. كان هذا بالضبط ما يمقته فيه ويبغضه كل البغض..

صحيح أنه رجل مخابرات بارع في مضماره، أدار عمليات ناجحة عديدة، إلا أن زهوه وغروره، وثقته الزائدة بنفسه أمور بغيضة، تجعله أشبه بطاووس متباه، لا يحلو له أن يسير إلا مفرود الذيل، متفاخراً مرحاً..

وبنفس الثقة المستفزة، واللهجة المثيرة للأعصاب، قال ديلشمسكي وهو يلوح بيده في أناقة، وكأنما يؤدى مشهداً تمثيليا:

- ما دامت المعلومة لم تصلهم من خلالنا، فلا يمكن الوثوق بها أبداً.

ابتلع رئيسه ضيقه هذه المرة وهو يقول:

- المهم أن نثبت هذا، على نحو لايقبل الشك.

سأله ديلشمسكى في اهتمام:

- وكيف هذا؟

أشار رئيسه بيده، مجيباً:

- رئيسة الوزراء رشحتك شخصياً، بصفتك المسؤول عن المعلومات العسكرية المصرية، للتحقق من الأمور، والحصول على جواب صحيح ومباشر، لا يقبل الشك، للسؤال الذي يقلق كل مسؤول في إسرائيل الآن.

ثم مال نحوه، مضيفاً في حزم صارم:

- هل سيحارب المصريون أم لا؟.


السؤال الصعب


منذ نطق رئيسه بالعبارة، لم يعد هناك عمل لرجل المخابرات الإسرائيلي سوى البحث عن جواب السؤال، وجمع كل المعلومات الممكنة، حول استعدادات المصريين، وقدراتهم ورغبتهم الفعلية في شن الحرب، والسعي لاستعادة أرضهم المحتلة.

وعلى الرغم من زهوه وغروره، كان ديلشمسكى بالفعل رجل مخابرات بارع، يعمل دوماً في دقة ومهارة، ويجيد التعامل مع رجاله، وتوزيع الأدوار عليهم، وجمع كل ما جلبوه من معلومات، وتفنيدها، وتصنيفها، والفوز بأكبر قدر ممكن من الفائدة منها..

لذا فقد أطلق ذئابه في كل صوب، طلب منهم جمع كل معلومة ممكنة، سواء أكانت عسكرية، أم اقتصادية، أم حتى اجتماعية.

و لكن كل ما جمعه زبانيته من معلومات، لم يكن من الممكن أن يحسم الأمر قط..

فالرئيس السادات يبدو منشغلاً بمشكلات الجبهة الداخلية، ومحاولات الاستقرار على مقعد الحكم، والقاعدة الطلابية تبدى غضبها وتوترها ورفضها لاستمرار حالة اللاسلم واللاحرب، ومشكلة الخبراء السوفيت بلغت أوجها، كما صنع طردهم المفاجئ فجوة غير محسوبة، في النظام العسكري، الذي اعتاد وجودهم لعدة سنوات.

و كل هذا يتعارض مع بعضه البعض ويتداخل على نحو يجعل الوصول إلى قرار حاسم أمراً مستحيلاً.

وبحسبة محترفة بسيطة وجد ديلشمسكى أنه بحاجة إلى جاسوس..

ليس جاسوساً عادياً وإنما شخص فى مركز كبير أو حساس، بحيث يمكنه الإطلاع على ما يجهله العامة وبلوغ قدر من المعلومات لا يتوافر للشخص العادي.. لابد أن يكون هذا الشخص من العاملين أو المرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالقوات المسلحة المصرية، على نحو أو آخر..

وبكل همة ونشاط، مع كثير من الثقة راح ديلشمسكي يدرس الأمر مع فريق خاص من رجاله، وقضوا الليالي في البحث والتنقيب، والفرز والتجنيب، وسط كومة من ملفات كل الأشخاص، الذين يمكن استغلال مواقعهم، في مصر وسورية.


كبير المهندسين


وبعد أسبوع كامل بلا نوم، وقع اختياره على إبراهيم..المهندس إبراهيم كريم، كبير مهندسي أحد المصانع الحربية المصرية، والمسؤول الأول عن خط إنتاج الذخائر والأسلحة الخفيفة في حلوان، والوثيق الصلة ببعض كبار قادة وضباط الجيش.

المشكلة الوحيدة كانت في البحث عن نقطة الضعف، أو وسيلة السيطرة المباشرة على المهندس إبراهيم، لإجباره على العمل لحساب الموساد وتزويده بكل المعلومات المطلوبة، عن الجيش، استعداداته، واحتمالات خوضه للحرب من عدمه ولم يستغرق هذا طويلاً بالنسبة لرجل مثل ديلشمسكى

فنقطة ضعف إبراهيم الوحيدة هي ابنه..

ولقد أنجب إبراهيم ابنه طارق هذا، بعد عشر سنوات من الزواج، بعد أن دار مع زوجته على عيادات الأطباء، ومستشفيات مصر وأوروبا، حتى تسرب اليأس إلى نفسيهما، وتصورا أنهما سيقضيان عمرهما بلا أبناء ثم فجأة، حدث الحمل.. لم يصدقا نفسيهما في البداية، وراحا يدوران مرة أخرى على الأطباء ويجريان عشرات التحاليل والفحوصات، قبل أن يطمئنا إلى أن الأمر حقيقة، وأن الله سبحانه وتعالى قد من عليهما بالإنجاب..!

ولم تكن فترة الحمل بالأمر السهل فقد كان على الزوجة أن ترقد خلالها على فراشها، وتحذر أي حركات مفاجأة، أو تصرفات عنيفة، وأن يقوم هو ووالدتها على خدمتها، بكل صبر وعناية وأمل..

وأخيراً، جاء طارق طفلاً جميلاً باسم الثغر، ورث جمال أمه وذكاء أبيه وصار أملهما الوحيد في الحياة والمستقبل.


نقطة ضعف


وها هو طارق قد كبر وصار شابا يافعا في عامه السادس عشر وصار أيضا من وجهة نظر ديلشمسكي نقطة الضعف الكبرى في حياة المهندس إبراهيم، الذي لايسكر أو يقامر، أو يهتم بالعلاقات النسائية، ولثلاث ليل أخرى، راح ديلشمسكي يدرس الأمر مع رجاله، للبحث عن وسيلة مثلى، للاستفادة من نقطة الضعف هذه، لتجنيد إبراهيم ودفعه لمدهم بكل المعلومات المطلوبة والمنشودة ولم ترق فكرة واحدة، من كل الأفكار التي تم طرحها، لرجل المخابرات الثعلب ديلشمسكي الذي لم يلبث أن طرح فكرته في النهاية.

كانت فكرة مجنونة للغاية، تحمل غروره وغطرسته، وثقته الزائدة بنفسه، ولكنه راح يدافع عنها بعناد وإصرار، حتى وافق الجميع عليها مع مطلع الفجر.

وفي أوائل سبتمبر 1973م، اختفى طارق فجأة..وجن جنون إبراهيم وزوجته، وقفزت أفكارهما إلى الاتصال بالشرطة، للبحث عن ابنهما الوحيد، لولا أن تلقيا اتصالاً محدوداً

طارق عندنا، وسيتم ذبحه بلا رحمة، لو حاولتما الاتصال بالشرطة، أو بأي جهة أخرى.. وحدد المتحدث موعداً ومكاناً للقاء وبكل ذعره ورعبه وهلعه، ذهب المهندس إبراهيم إلى المكان المحدد، في الموعد المطلوب تماماً.. وانتظر..انتظر طويلاً وكثيراً، قبل أن يظهر شخص نحيل طويل، متجهاً إليه بسيارة صغيرة ثم يقول في صرامة:

- هيا لنذهب إلى حيث طارق

قفز المهندس إبراهيم إلى السيارة، ودق قلبه في توتر بلا حدود، وهو يسأل سائقها، الذي انطلق بها في طريق المقطم:

- أين طارق؟!..كيف هو؟!

أجاب الرجل في برود:

- بخير.. لو أطعت أوامرنا

هتف بسرعة:

- سأفعل كل ما تريدون، وسأدفع أي مبلغ، مقابل إعادة ابني

أوقف الرجل سيارته، في منطقة مقفرة تماماً وهو يجيب:

- اطمئن.. لن تدفع شيئاً.. بل ربما تحصل على ثروة

لم يفهم المهندس إبراهيم ما يعنيه هذا فسأله في حيرة:

- وكيف؟!لم يجب الرجل على سؤاله، وإنما غادر السيارة، ووقف على مسافة مترين منها، في نفس الوقت الذي ظهرت فيه سيارة أخرى اتجهت نحوهما مباشرة، ثم هبط منها رجل في مثل طول الأول ونحوله، وجلس إلى جوار إبراهيم وهو يسأله:

- هل ترغب حقاً في استعادة ابنك؟!

هتف إبراهيم في لهفة:

- ومستعد لفعل أي شيء في الدنيا ؛ في سبيل هذا

ابتسم الرجل قائلاً:

- عظيم

ثم أخرج من جيبه عدة أوراق، قدمها له، مستطرداً:

- وقع هذه الأوراق إذن.. بعد أن تعيد كتابتها بخطك بالطبع

واتسعت عينا إبراهيم في رعب حقيقي، ويحدق في الأوراق..كانت عبارة عن اعتراف بعمله لحساب المخابرات الإسرائيلية، منذ عام 1971م مع عدد من الخطابات التي تحتوى أسراراً عسكرية عديدة، مرسلة إلى عنوان الموساد في روما، وإيصالات بتلقي مبالغ مختلفة من الإسرائيليين، نظير معلومات خطيرة.


دلائل قاطعة


بالطبع هذه دلائل قاطعة تكفي لإدانته بتهمة الخيانة العظمى وفي زمن الحرب مما يستوجب إعدامه بلا رحمة.. وكان الرجل واضحاً صريحاً..

إما إعادة كتابة الخطابات والتوقيع عليها أو حياة طارق ولم يكن أمام المهندس إبراهيم مجال للاختيار.. فكل شيء في الدنيا يهون، من أجل طارق وطوال ثلاث ساعات كاملة راح يعيد كتابة الاعتراف والخطابات والإيصالات ويمهرها بتوقيعه ثم يسلمها إلى عميل المخابرات الإسرائيلية، الذي دسها في حقيبته وهو يقول، في صرامة:

- طارق سيعود إلى المنزل، فور تلقينا أول معلومات حقيقية، ترسلها إلينا من هنا، على العنوان في سالزبورغ وينبغي أن تعلم أن أي محاولة لخيانتنا، سيكون ثمنها حياة ابنك، حتى بعد أن نعيده إليك..

وعاد إبراهيم إلى منزله بدون طارق وقد حمل على كتفيه طناً من الهموم والأحزان والمرارة والعار.

ومع انهيار زوجته، ودموعها التي أغرقت وسادتها ليلة كاملة، جلس هو صامتاً يفكر وبركان هائل يغلي في رأسه.

كان عليه أن يفعل أي شيء في الدنيا، وأن يحمل قراره، أياً كان، هدفاً واحداً لا غير، مهما كانت النتائج..مصلحة طارق.. وحدها هي التي تهمه.

وفي الصباح التالي، وبعد ساعتين فحسب من وصوله إلى عمله كان المهندس إبراهيم يكتب أولى خطاباته، الذي يحوي كل ما بلغته يداه من معلومات عسكرية، ويرسله إلى ذلك العنوان في سالزبورغ .

وأوفى الإسرائيلي بوعده فلم يمض يوم واحد، على وصول الخطاب ومراجعة ديلشمسكى بنفسه له، حتى عاد طارق إلى المنزل في منتصف النهار..كان شاحباً ممتقعاً، وإن لم يصبه خدش واحد، ولكن الملاحظ أنه لم يتحدث عما حدث قط، ولم يحاول النظر إلى والده أبداً، وكأنما يفهم ما حدث، ويدرك مدى ما تورط فيه الأب، في سبيل إنقاذه ولم يحاول إبراهيم تفسير موقفه، أو مناقشة الأمر مع ابنه، وكأنما يدرك بدوره فداحة الأمر وخطورته، وطوال الشهر التالي واظب المهندس إبراهيم على إرسال الخطابات إلى سالزبورغ مستخدما ذلك النوع البسيط من الحبر السري الذي دربه عليه الإسرائيلي، خلال يومين فحسب.


زهو وغرور


وفي تل أبيب كان يارون ديلشمسكي يراجع كل الخطابات بنفسه ويدرسها ويصنف معلوماتها جنباً إلى جنب، ويفحصها ويمحصها، حتى استقر أمره على قرار واضح نقله مباشرة إلى الرئيس، قائلاً بنفس زهوه وغروره:

- تماماً كما توقعنا، لا يوجد دليل واحد على أن المصريين يفكرون مجرد تفكير في خوض الحرب.. إنهم هادئون تماماً.. ضباطهم يستعدون لأداء عمرة رمضان، ورئيسهم يتجنب الحديث عن الحرب، بحجة أن المتغيرات الدولية لا تسمح بهذا، وقائد قواتهم الجوية يستعد لزيارة ليبيا وجنودهم يسترخون ويستمتعون بحمامات الشمس، على شاطئ القناة

ثم اتسعت ابتسامته، وهو يضيف:

- يمكن لرئيسة الوزراء نسيان فكرة الحرب هذه تماماً

وفي المساء نفسه، أرسل رئيسه تقريراً رسمياً بكل هذا إلى رئيسة الوزراء الإسرائيلية، بتوقيع ديلشمسكي، وبتاريخ اليوم الرابع من أكتوبر 1973.. وبعد يومين بالضبط وفي أحد المباني التابعة للمخابرات العامة، كان رجل المخابرات المصري رفعت يبتسم وهو يقول للمهندس إبراهيم:

- صدقني أيها المهندس.. أنا لم أر شخصاً بشجاعتك ووطنيتك هذه قط.. لقد كنت تدرك أن حياة ابنك قد تكون ثمن تعاونك لخداع الإسرائيليين وإيهامهم بأننا لانفكر في شن الحرب قط، وعلى الرغم من هذا فقد لجأت إلينا، وشرحت لنا الأمر كله ونفذت كل ما طلبناه منك، حتى باغتتهم الحرب اليوم، وحطمت غرورهم وغطرستهم في ساعات معدودة

أغمض إبراهيم عينيه مغمغما: حمداً لله.

ثم فتحهما مستطرداً في حزم: لقد فعلت كل هذا من أجل طارق من أجل ألا يشب وهو يشعر أن والده قد خان وطنه لأي سبب كان.. فعلته حتى لا يفقد انتماءه لبلده الذي أنجبه ورباه.. من أجل طارق ومستقبله قررت أن ينمو في وطن حر ومستقل حطم هزائمه، وصنع انتصاراته ثم اغرورقت عيناه بالدموع، من فرط الانفعال وهو يضيف:

- حتى ولو كان الثمن هو حياته.. وحياتنا جميعاً..

ربت رفعت على كتفه، قائلاً في حزم:

- لقد فعلت الصواب يا سيد إبراهيم.. فعلته لوطنك، وابنك ولنفسك أيضاً.. واطمئن.. طارق سيبقى دائماً تحت حمايتنا، ولن يمس الأعداء شعرة واحدة من رأسه.

واستعاد ابتسامته، مستطرداً:

- وسيظل يزهو طيلة عمره، بأنه ابن واحد من أبطال مصر.

لحظتها شعر إبراهيم بأن كل مخاوفه قد زالت، وبأن فيضاً من الاطمئنان والارتياح، يسرى في عروقه، ويملأ كيانه كله.

 

 

التعليقات (0)