- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
بكر صدقي يكتب: تركيا تسحب اعتراضها على عضوية السويد
بكر صدقي يكتب: تركيا تسحب اعتراضها على عضوية السويد
- 13 يوليو 2023, 6:10:39 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قبيل سفر الرئيس التركي إلى العاصمة الفنلندية فيلنيوس للمشاركة في اجتماع قمة دول حلف الأطلسي، أطلق حليفه دولت بهجلي تصريحات متشددة بحق السويد، قال فيها إن «ستوكهولم لا تختلف في شيء عن جبل قنديل!» في إشارة إلى المنطقة التي تتمركز فيها قيادة حزب العمال الكردستاني ومقاتلوه في شمال العراق. أي أنه أراد القول إن السويد تستقبل على أراضيها «الكردستاني» الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية وتخوض ضده حرباً مفتوحة منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. وفحوى كلام الزعيم القومي المتشدد هو رفضه سحب تركيا اعتراضها على عضوية السويد للناتو.
غير أن الإشارات إلى أن أردوغان سيغير موقفه ويفتح الطريق أمام عضوية السويد قد صدرت قبل بداية رحلته مباشرة، وإن كانت ثمة تخمينات بأن اتصال الرئيس الأمريكي جو بايدن به قبل أيام قليلة قد أزال من الطريق آخر العقبات.
غير أن الرئيس التركي ربط سحب اعتراضه على عضوية السويد بفتح الباب مجدداً أمام عضوية تركيا للاتحاد الأوروبي، الأمر الذي استغربه القادة الأوروبيون بدعوى أنه لا علاقة بين الأمرين. غير أن الاجتماع الذي سبق انعقاد القمة بين أردوغان ورئيس الوزراء السويدي، برعاية الأمين العام للحلف، قد وضع التوافق بين الجانبين في نص تضمن استجابة للهواجس التركية، سواء فيما يتعلق بموضوع «التعاون في مواجهة الإرهاب» أو في دعم السويد لفتح باب عضوية الاتحاد الأوروبي أمام تركيا. الأمر الذي سيسمح لوسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية بالحديث عن «تحقيق انتصار دبلوماسي» بنتيجة الاستخدام الناجح لورقة السويد لفرض شروط على الحلفاء.
ترى هل هناك بالفعل نصر دبلوماسي أم أنه نوع من التغطية على تراجع تركي أمام الضغوط الأمريكية والأوروبية مقابل مجرد وعود لا يمكن تحقيقها؟ فعضوية الاتحاد مفتوحة لتركيا منذ العام 2005، نظرياً على الأقل، بشرط أن تحقق تركيا معايير معينة متفق عليها. والحال أن الجمود الذي ساد هذا المسار خلال سنوات تفوق العقد من الزمان يرتبط بأن تركيا توقفت عن تحقيق تلك المعايير، بل حدث تراجع ملموس في بعض عناوينها كمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان واستقلالية القضاء، أما في العنوان الاقتصادي فصحيح أن تركيا قد حققت معايير اقتصاد السوق إلى حد كبير، لكن الصعوبات الاقتصادية في السنوات القليلة الماضية أدت إلى تراجع الثقة باستقرار اقتصادي مستدام وما ينتج عن ذلك من تراجع الاستثمارات وحجم التجارة مع دول الاتحاد وغير ذلك.
أردوغان الخارج للتو من أصعب انتخابات يخوضها منذ توليه السلطة في عام 2003، بفوز صريح على منافسه منحه ولاية أخيرة في الرئاسة من خمس سنوات، يبدو واثقاً من نفسه في انعطافته الجديدة نحو الغرب
فإذا كان لا بد من الكلام عن نجاح دبلوماسي، فهو يتعلق بالأحرى بإثبات أردوغان أن تركيا لاعب مهم في المعادلات الدولية لا يمكن تجاهله، بل يضطر الحلفاء والخصوم على السواء لحسبان الحساب لهواجسه ومطالبه، سواء بسبب الموقع الجغرافي لتركيا أو القدرة على إقامة توازنات حساسة بين الغرب الأطلسي والشرق الروسي ـ الصيني ـ الإيراني، وقد رأينا المثال الأبرز على ذلك في الموقف التركي من الحرب الروسية على أوكرانيا.
غير أن التطورات الأخيرة بمجموعها تشير إلى نية تركية في ترميم علاقاتها مع الغرب الأطلسي، وبخاصة الولايات المتحدة. فقد كان لافتاً تصريح أردوغان أثناء زيارة زيلنسكي لأنقرة بأن «أوكرانيا تستحق عضوية حلف شمال الأطلسي!» متجاوزاً بذلك موقف واشنطن ذاتها غير المتحمسة لهذه العضوية، على الأقل أثناء استمرار الحرب، بدعوى أن ذلك سيؤدي إلى إعلان حرب مباشرة بين الحلف وروسيا.
أضف إلى ذلك أن تركيا سمحت لأعضاء منظمة «آزوف» القومية الأوكرانية بالعودة إلى بلدهم مع الرئيس زيلنسكي، الأمر الذي أغضب الكرملين. كذلك فإن اشتراط الرئيس التركي دعم طلب انضمام بلاده للاتحاد الأوروبي، حتى لو كان غير قابل للتحقيق، هو إشارة إضافية إلى نية تركيا العودة إلى موقعها المعتاد في المعسكر الغربي في زمن الاستقطاب الدولي الحاد بين روسيا (والصين وإيران) من جهة والتحالف الغربي بقيادة واشنطن من جهة أخرى، بما ينهي التكهنات التي شاعت في السنوات الماضية من أن تركيا أردوغان تتجه شرقاً مبتعدة عن حلفائها التقليديين.
الأحرى هو أن نفاجأ بردة الفعل الروسية الواهنة تجاه قرار أنقرة الجديد بشأن انضمام السويد للناتو، الأمر الذي تعتبره موسكو خطراً على أمنها القومي، وتزعم أنها أطلقت حربها على أوكرانيا لوقف تمدد الحلف في اتجاه حدودها الغربية. «إننا نتفهم القرار التركي بالنظر إلى متطلبات عضويتها في الحلف»! هذا ما قاله المتحدث باسم الكرملين تعليقاً على المفاجأة التركية. لكن هذه الرخاوة في موقف الكرملين مفهومة بدورها بالنظر إلى الضربات المتتالية التي تلقاها في الآونة الأخيرة، كتمرد مجموعة فاغنر، والكشف عن عدم مغادرة قائدها بريغوجين الأراضي الروسية، وعن حدوث مفاوضات معه سراً بعد موافقته على وقف مسيرته في اتجاه العاصمة موسكو، وانحياز أردوغان بشكل صادم إلى أوكرانيا، كل ذلك مضافاً إلى الصعوبات الكبيرة التي يلاقيها الجيش الروسي في حربه على أوكرانيا.
أردوغان الخارج للتو من أصعب انتخابات يخوضها منذ توليه السلطة في عام 2003، بفوز صريح على منافسه منحه ولاية أخيرة في الرئاسة من خمس سنوات، يبدو واثقاً من نفسه في انعطافته الجديدة نحو الغرب، غير آبه باعتراضات حليفه القومي في الداخل، ولا لغيظ شريكه الروسي المكتوم في الخارج. وفي إشارةٍ لهذه الثقة كتب الصحافي أرطغرل أوزكوك المعروف بموالاته لكل العهود عن أن «أردوغان قد غيّر حتى نمط ملبسه المعتاد بما يتسق مع توجهاته الجديدة، فبات يرتدي بناطيل ضيقة ذات فتحة ضيقة عند القدمين!»