- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
بلال التليدي يكتب: هل كان موضوع المغرب حاسما في الانتخابات التشريعية الإسبانية؟
بلال التليدي يكتب: هل كان موضوع المغرب حاسما في الانتخابات التشريعية الإسبانية؟
- 28 يوليو 2023, 12:12:34 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم يكن أحد ينتظر أن تخرج نتائج الانتخابات الإسبانية بتلك الحصيلة المعضلة التي أبطلت سحر استطلاعات الرأي، وأثبتت عجزها عن فهم المزاج العام للشعب الإسباني. فقد كان هناك شبه إجماع أن الحزب الشعبي وحليفه فوكس، سيصنعون المفاجأة، وسيقودون الحكم في الولاية القادمة، لكن، ليلة كاملة من البرامج التحليلية على مختلف القنوات الإسبانية بحضور عدد كبير من الباحثين والمحللين والصحافيين المختصين، كانت في الجوهر تقول كلمة واحدة: إسبانيا تدخل مرحلة انسداد سياسي بسبب استحالة تشكيل الحزب الشعبي للحكومة مع حليفه، وصعوبة تشكيل بيدرو سانشيز لحكومة الاستمرارية.
لا تهمنا التفاصيل الصغيرة المرتبطة بالمساطر الدستورية، فالملك كما يقرر ذلك الدستور، أقال بيدرو سانشيز من منصبه كرئيس حكومة، وكلفه بالاستمرار في مهامه كرئيس حكومة تصريف أعمال في انتظار الدينامية التحالفية التي سيقدم عليها كل حزب لكسب رهان تشكيل الحكومة، ولا تهمنا في هذا المقال الإشكالات التي تعقد تشكيل الحكومة، مما يرتبط بهوية الأحزاب الصغيرة، لاسيما منها القومية أو ذات الطبيعة الانفصالية، فهذه الحيثيات، لم يكن لها أي قيمة، قبل نتائج الانتخابات، إذ كان المعول على أن تحسم أحد الكتلتين اليمينية أو اليسارية الموقف، وتتجه إسبانيا نحو القطيعة أو الاستمرارية.
تهمنا على وجه الخصوص الأسباب التي جعلت الخريطة السياسية والانتخابية في إسبانيا تؤول إلى هذا الوضع، والأسباب التي جعلت حسم اليمين المحافظ مع حليفه اليمين المتطرف لنتائج الانتخابات أمرا غير ممكن.
الأرقام التفصيلية دالة من أربع جهات، فالحزب الاشتراكي، بزعامة بيدرو سانشيز، لم يحقق أي انتكاسة بالمقارنة مع الانتخابات التشريعية السابقة (2019) بل على العكس من ذلك، وخلافا للتوقعات ونتائج الاستطلاعات، فلم يكتف بإضافة مقعدين إلى رصيده (122) بل حافظ على موقعه، وجعل مهمة اليمين المحافظ في تشكيل الحكومة أمرا غير ممكن بعد أن حد من مكاسب المعارضة اليمينية.
أما الحزب اليميني المحافظ (الحزب الشعبي) فقد راكم عددا من المقاعد بالمقارنة مع انتخابات 2019، وحصد 136 مقعدا بعد أن كانت لا تتعدى 88 مقعدا في البرلمان السابق.
حزب فوكس المتطرف حصل على 33 مقعدا، وخسر بذلك 19 مقعدا بالمقارنة مع الانتخابات السابقة التي حصل فيها على 52 مقعدا، في حين، حصل حزب سومار على 31 مقعدا دون أن يعني ذلك تحقيق تقدم بالمقارنة مع انتخابات 2019 التي حصل فيها بوديموس على 26 مقعدا، بحكم دخوله في تحالف لوحدة اليسار المتطرف.
هذه المعطيات الرقمية، والتي يركز عليها أغلب المحللين لقراءة مستقبل السياسة في إسبانيا وسيناريوهات تشكيل الحكومة، لا تعني شيئا كثيرا بالنسبة إلى اليمين من حيث الدلالة السياسية، فالحزب الاشتراكي، لم يتعرض لأي انتكاسة، مع أن الحملة الانتخابية التي استهدفته، ركزت بشكل واضح على إضراره بمصالح إسبانيا، وتفرده بالقرار في خدمة مصالح حيوية مغربية، وتضييعه لقاعدة إدارة التوازن الإقليمي في المنطقة، وخسارة مدريد لشريك إقليمي ثقيل هو الجزائر، فضلا عن اتهامه بعدم الشفافية في توضيح طبيعة العلاقة التي تربط بين إسبانيا بالمغرب.
استقراء مفردات الحملة الانتخابية في إسبانيا، يشير إلى أن المغرب، كان من أهم المفردات الحاسمة في الخطاب السياسي والانتخابي
أما الحزب الشعبي، فعلى الرغم من النجاح الانتخابي الذي حصله، فإنه في الواقع، لم يكن إلا على حساب حليفه الحزب اليميني المتطرف، فوكس الذي خسر 19 مقعدا، وأحزاب أخرى، لا تمت بصلة إلى تحالف الأحزاب اليسارية، وهو ما دفع كثيرا من المحللين الإسبان للحديث عن انتصار انتخابي لليمين المحافظ في طعم هزيمة سياسية، واستقرار انتخابي لتحالف سانشيز وتحقيق مكسب سياسي ثمين تمثل في إفشال طموحات المعارضة في تغيير وجهة إسبانيا وسياساتها الخارجية.
لا شيء غير هذه الدلالة السياسية يمكن استنتاجها عند تحليل المؤشرات الرقمية، وإلا فالدخول في تكهنات تشكيل الحكومة لا ينتهي بشيء، فالجميع مجمع على أن الفرص محدودة، والسيناريو الأسوأ هو الدخول في انسداد سياسي يعول فيه على انتخابات تشريعية أخرى، ليس ثمة يقين أنها ستحسم الموضوع، والسيناريو الأقرب إلى الخروج من هذا النفق، ولو بشكل مؤقت، هو حكومة يتم إقرارها في الدورة الثانية، تعبر عن الاستمرارية.
لكن، في الجوهر، ثمة، قضية أخرى لابد من الانتباه إليها في هذه الانتخابات، والتي تفسر إلى حد كبير هذه الأرقام غير الحاسمة، وهذه الوضعية المتحولة التي لم تعشها إسبانيا من قبل، فاستقراء مفردات الحملة الانتخابية، يشير إلى أن المغرب، كان من أهم المفردات الحاسمة في الخطاب السياسي والانتخابي، فبينما كان يدافع بيدرو سانشيز على مواقفه وعلى سياسته الخارجية وموقفه من الصحراء، ويعتبر أن اختياراته تخدم مصالح إسبانيا الحيوية، كان الحزب الشعبي، بقيادة زعمائه ومسؤوليه السياسيين السابقين بل وحتى الحكوميين، يجعلون من هذه القضية رأس الرمح في استهداف حكومة بيدرو سانشيز، حتى وصل بهم الأمر حد اتهامه بخدمة مصالح المغرب على حساب مصالح إسبانيا الحيوية، أما حزب فوكس المتطرف، فقد جعل من مناهضة مغربية سبتة ومليلية عنوانه الأبرز في الحملة الانتخابية، في حين، لم ينتبه الكثيرون إلى التحولات العميقة التي عرفها حزب سومار، الذي كان من أشد المناصرين للأطروحة الانفصالية، فاصبح يميل إلى قدر من التوازن في إدارة الموقف، تم التعبير عنه، من خلال وضع مرشحه «أغوستين سانتوس» الداعم للمقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء، في المرتبة الثانية، وذلك قبل الانفصالية «تشين سيدي» الداعمة لأطروحة البوليساريو التي جاء ترشيحها في المرتبة الثالثة.
هذه المعطيات المؤثرة، تدل على أن الحاسم الأكبر في انتخابات 23 يوليو 2023، كان هو موضوع المغرب، أو إدارة العلاقة مع المغرب، والمقاربة التي ينبغي على مدريد تبنيها في إدارة سياستها الخارجية مع المغرب.
لقد ظلت إسبانيا لعقود تمارس سياسية عدائية تجاه المغرب بخصوص قضية وحدته الترابية، ولم تكن العلاقات تأخذ طابعها الصحي إلا بعد أن يحدث قدر من التوازن في موقفها من هذه القضية، وفي اليوم التي اقتنعت فيه مراكز القرار الإسباني إلى ضرورة تغيير الموقف لجهة دعم المقترح المغربي للحكم الذاتي، وتبنت حكومة سانشيز هذا القرار، بقي سؤال الشرعية الشعبية مفتوحا إلى أن جاءت انتخابات 23 يوليو، لتدحض التخمينات التي كانت تطرح سيناريو حتمية تغير الموقف الإسباني من قضية الصحراء بمجرد إجراء الانتخابات، فقد أبانت هذه الانتخابات، أن مزاج الإسبان من قضية الصحراء قد تغير بشكل كبير، وأن حكومة بيدرو سانشيز لم تكن معزولة شعبيا بقرارها الاستراتيجي، وأن إسبانيا، أصبحت ترى نفسها، بل وترى مصالحها الاستراتيجية، في ظل الاستمرارية أكثر منها في ظل القطيعة، وأن ما يؤكد ذلك أن الأحزاب المتطرفة، في جهة اليسار لينت مواقفها، فلم تتأثر مقاعدها، وفي جهة اليمين، تأثرت مقاعدها بشكل كبير، بسبب الحساسية الشعبية التي أثارها عداؤها المفرط للمغرب.
أما مراكمة اليمين المحافظ لمقاعده، فيدل على وتيرة التحول في المزاج الإسباني أكثر منها على استماتة لاستعادة الموقف التقليدي الإسباني من المغرب ومن قضية الصحراء، فمقاعد أقصى اليسار اليميني، أضحت يمينية محافظة، ولم تتحول مقاعد اليسار إلى يمين، بما يعني، أن الجزء الأكبر من تحول المزاج الإسباني، كان في صالح استدامة علاقات إسبانية مغربية على قاعدة دعم إسباني لمغربية الصحراء وعدم وجود مصلحة إسبانية في خلق دويلة انفصالية في جنوب المغرب، حتى ولو اقتضى الأمر تحمل توتر العلاقات مع الجزائر لبعض الوقت.
كاتب وباحث مغربي