- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
ترحيل الأوكرانيين: لماذا تتصاعد التوترات بين كييف وتل أبيب؟
ترحيل الأوكرانيين: لماذا تتصاعد التوترات بين كييف وتل أبيب؟
- 30 أغسطس 2023, 6:26:37 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تشهد العلاقات الإسرائيلية الأوكرانية توتراً متصاعداً؛ وذلك بعد قرار تل أبيب في 20 أغسطس 2023 ترحيل عشرات الأوكرانيين منها، وفي المقابل لوحت كييف بإنهاء اتفاقية إلغاء التأشيرة بين الدولتين، ومنع الإسرائيليين من دخول أراضيها هذا العام ومن زيارة مدينة “أومان” المقدسة بالنسبة إلى اليهود قبل احتفالات رأس السنة العبرية؛ الأمر الذي كشف عن عدد من القضايا الخلافية المستترة بين كييف وتل أبيب لم تنجحا في معالجتها خلال العامين الماضيين؛ ما ينذر بأزمة دبلوماسية بينهما إذا استمرت تلك الخلافات التي ستحدد، بشكل أو بآخر، مستقبل العلاقات الإسرائيلية الأوكرانية.
عوامل التأزم
اتسم الموقف الإسرائيلي من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا منذ بدايتها في 24 فبراير 2022 بدرجة من “الحيادية” إن جاز التعبير؛ فمع انتقادها العمل العسكري الروسي، رفضت توقيع أي عقوبات اقتصادية على موسكو، وقدمت العديد من المساعدات الإنسانية لكييف؛ وذلك بغية الحفاظ على تعاونها الاستراتيجي مع روسيا التي تتقاطع مصالحهما في أكثر من دولة بالشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وبقي التوازن هو السمة الرئيسية للموقف الإسرائيلي من الحرب حتى الآن، بيد أنه منذ مطلع العام الحالي تكاثرت الملفات الخلافية بين تل أبيب وكييف، وأبرزها ما يأتي:
1- ترحيل اللاجئين الأوكرانيين من إسرائيل: منذ بداية عام 2023 رحَّلت إسرائيل نحو 2037 مواطناً أوكرانياً، وتم منعهم من دخول البلاد تماماً ليقوموا بقضاء وقتهم في المطار حتى عودتهم إلى كييف، وخلال عام 2022 تم ترحيل 2705 مواطنين أوكرانيين، كما كشفت وسائل إعلام عبرية عن تعرضهم “لسوء المعاملة” في البلاد، كما يواجهون صعوبات في الحصول على تصاريح العمل، وتغطية الرعاية الصحية.
ونشرت تقارير في مارس 2023 عن تعرض نحو 100 أوكرانية وصلن إلى إسرائيل عبر مطار “بن جوريون” لجريمة “الاتجار بالبشر”؛ حيث عُرض عليهن تلقي الدعم المادي مقابل أن يعملن في أعمال “منافية للأخلاق” أو “الخدمة بالمنازل”؛ الأمر الذي دفع الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” إلى إرسال رسالة إلى إسرائيل في 20 أغسطس 2023 تفيد “بضرورة التوقف عن ترحيل الأوكرانيين من أراضيها وإلا فسيتم منع الإسرائيليين من دخول مدينة أومان هذا العام”، كما هدد بإلغاء الإعفاء من التأشيرة للمواطنين الإسرائيليين الذين يأتون إلى أوكرانيا.
بدوره أوضح السفير الأوكراني بتل أبيب “يفغيني كورنيتشوك” أن حكومة بلاده “لن تتسامح مع إذلال مواطنيها عند دخول إسرائيل؛ “لأنه من غير المعقول أن نستضيف عشرات الآلاف من الإسرائيليين في أومان كل عام مع وجود مخاطر أمنية عالية وبجهود لوجستية ضخمة، في حين أن الحكومة الإسرائيلية تسيء معاملتنا”، وطلب من رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” التدخل شخصياً لإيجاد حل للوضع الحالي. هذا بينما نفت هيئة السكان الإسرائيلية هذه الأرقام، وأكدت أن “كافة الأوكرانيين الذين وصلوا إلى البلاد حصلوا على تصريح دخول، ما عدا 5% تم رفض دخولهم لأن جاؤوا للعمل بنحو غير قانوني”، كما نفى مصدر بوزارة الخارجية الإسرائيلية كافة تلك الادعاءات، واتهم “كورنيشوك” بالإضرار بالعلاقات الطيبة بين البلدين. جدير بالذكر أنه منذ بدء الحرب قام نحو 15 ألف يهودي أوكراني بالقدوم إلى إسرائيل والبقاء فيها.
2- أزمة الحج الإسرائيلي إلى “أومان”: تقع مدينة “أومان” وسط أوكرانيا، وتعد مقدسة لليهود “الحاسيديم”؛ لأنها تضم قبر “الحاخام بريسلو ناخمان” مؤسس الحركة “الحسيدية” الذي يزورونه في رأس السنة العبرية بسبتمبر من كل عام؛ حيث يقومون بطقوس “تكفير يهودية” على ضفة بحيرة نهر “أومانكا”، وخلال عام 2022 لم يتمكنوا من الحج إلى “أومان” نظراً إلى الوضع الأمني الناجم عن الحرب؛ ولذا قام وزير الخارجية الإسرائيلي “إيلي كوهين” بزيارة مولدوفا في 8 أغسطس 2023، وقام مسؤولون إسرائيليون آخرون بزيارة بولندا لبحث تسهيل مرور آلاف الحجاج الإسرائيليين هذا العام من تلك الدول إلى أوكرانيا لقضاء موسم الأعياد اليهودية؛ نظراً إلى عدم استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين تل أبيب وكييف، ومن ثم سيتعين عليهم السفر إلى الدول المجاورة ثم إلى أوكرانيا براً. وإذا استمر التوتر بين كييف وتل أبيب فربما يتم إلغاء الحج هذا العام كما حدث العام الماضي.
3- انتقاد التقارب الإسرائيلي الروسي: استهجن مدير مكتب الرئيس الأوكراني “أندريه يرماك” في نهاية يونيو 2023 “الحياد الإسرائيلي” من الصراع في أوكرانيا؛ نظراً إلى أن تل أبيب لم تعلق على وصف الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لنظيره الأوكراني بأنه “وصمة عار على اليهود”، كما استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية السفير الأوكراني لديها “يفغيني كورنيتشوك” في 27 يونيو 2023 للاحتجاج على انتقاداته لسياسات تل أبيب تجاه الحرب الأوكرانية؛ وذلك بعدما نشر موقع السفارة على “فيسبوك” بياناً انتقد فيه الحكومة الإسرائيلية؛ لأنها اختارت “مسار التعاون الوثيق وتعزيز التعاون التجاري مع روسيا”. واتهم البيان رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” “بتبرير التقاعس الكامل لإسرائيل وعدم تقديم مساعدات دفاعية لأوكرانيا منذ بداية الحرب”. وأوضحت الخارجية الإسرائيلية أنها تريد الاستمرار في التعاون مع أوكرانيا، بيد أن تصرفات سفيرها بتل أبيب لا تساعد على ذلك. كافة هذه المواقف فسرتها كييف بأنها تقارب إسرائيلي مع روسيا على حساب أوكرانيا، وليست مجرد موقف “حيادي من الصراع الأوكراني”.
4- التجاهل السياسي المتبادل: انتقدت إسرائيل الحرب الروسية على أوكرانيا واستقبلت في منتصف 2022 “زيلينسكي” الذي ألقى كلمة أمام مجلس النواب الإسرائيلي الكنيست، بيد أن ثمة فتوراً سياسياً ساد العلاقات بين كييف وتل أبيب بعد ذلك، دفع كلاً منهما للتصويت ضد الأخرى في جلسات الأمم المتحدة؛ ففي أكتوبر 2022 صوتت كييف لصالح قرار يدعو إسرائيل إلى التخلص من أسلحتها النووية، كما صوتت لصالح قرار يدعو إلى فتح تحقيق دولي في جرائم الاحتلال الإسرائيلي بالضفة الغربية؛ ما دفع تل أبيب إلى استدعاء السفير الأوكراني لديها للاحتجاج على ذلك، وأعلن وزير الخارجية الإسرائيلي “إيلي كوهين” في نوفمبر 2022 أنه يعتزم “التحدث بشكل أقل عن الأزمة الأوكرانية”.
كما تجاهلت تل أبيب كافة طلبات كييف بضرورة إصدار تصريحات علنية تدين الاعتداء الروسي عليها وتؤكد وقوفها بجانب السيادة الأوكرانية على جميع أراضيها وحدودها، بالإِضافة إلى الموافقة على منح أوكرانيا سلفة قدرها نصف مليار دولار، وفتح المستشفيات الإسرائيلية أمام الجنود الجرحى في الجيش الأوكراني، وتزويد أوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية الإسرائيلية الصنع لمواجهة الهجمات الصاروخية الروسية، في المقابل أبدى “زيلينسكي” في منتصف يوليو 2023 غضبه من تجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” زيارة أوكرانيا رغم دعوته له ولرئيسي الوزراء السابقين “نفتالي بينيت” و”يائير لبيد”؛ حيث لم يزر كييف أي مسؤول إسرائيلي رفيع سوى “كوهين” في منتصف فبراير 2023 وذلك بعد عام من بدء الحرب؛ الأمر الذي عزز التوترات بين تل أبيب وكييف.
5- رفض إسرائيل مد أوكرانيا بالأسلحة: طلبت كييف فور بدء الهجوم الروسي عليها في 24 فبراير 2022 أسلحة دفاعية وهجومية من تل أبيب، وقدمت الأخيرة بالفعل مساعدات إنسانية عدة تشمل “الخوذ والسترات الواقية” لقوات الإنقاذ الأوكرانية، بيد أن كييف كررت الطلب، وأبدى “زيلينسكي” اهتمامه بالحصول على معدات الدفاع الجوي الإسرائيلي ونظام “القبة الحديدية” المضاد للصواريخ، كما دعت واشنطن تل أبيب إلى إرسال صواريخ أمريكية “قديمة” تمتلكها إسرائيل إلى أوكرانيا، وتم نقل 250 ألف قذيفة مدفعية أمريكية من إسرائيل إلى أوكرانيا.
ورغم تأكيد “نتنياهو”، خلال حملته الانتخابية، تقديم مساعدات عسكرية لكييف حال فوزه، فإنه بعد توليه منصبه في ديسمبر 2022 لم يقدم أي أسلحة “دفاعية أو هجومية فتاكة” لكييف. وأكد السفير الروسي بتل أبيب أن “إسرائيل ترفض تزويد كييف بالأسلحة، وموسكو راضية عن هذا الموقف”، وبالطبع فإن الدافع الإسرائيلي لتجاهل المطالب الأوكرانية بتسليحها، هو رغبة تل أبيب في عدم إثارة الغضب الروسي ضدها، والحفاظ على المصالح الاستراتيجية والتفاهمات الأمنية مع موسكو، لا سيما في سوريا؛ حيث تتغاضى موسكو عن الضربات الجوية الإسرائيلية المستمرة في العمق السوري لاستهداف مخازن أسلحة ومعسكرات سورية وإيرانية وتابعة “لحزب الله” اللبناني.
محددات حاكمة
في ظل استمرار أسباب التوتر في العلاقات الإسرائيلية الأوكرانية، تبقى عدة محددات تحكم مستقبل التعاون بين الطرفين، ومنها:
1- طبيعة الوساطة الإسرائيلية في الحرب الأوكرانية: تعول كييف كثيراً على الدعم العسكري الإسرائيلي الذي يمكن أن يُقدم لها، بيد أن تل أبيب تسعى لحل الأزمة سلمياً عبر الوساطة بين كييف وموسكو؛ حيث جدد “نتنياهو”، في 22 يونيو 2023، عرضه بأن تصبح بلاده وسيطاً بين روسيا وأوكرانيا من أجل تسوية النزاع بينهما، ولوقف “المأساة التي تحدث في أوكرانيا؛ لأن الموقف المتزن الذي نتخذه يعتبر صحيحاً”. وفي أبريل الماضي، جدد السفير الإسرائيلي بموسكو “ألكسندر بن تسفي” استعداد بلاده لتوفير منصة للمفاوضات بين روسيا وأوكرانيا؛ لأن علاقتها جيدة بالدولتين. جدير بالذكر أنه في 12 مارس 2022 قام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “نفتالي بينيت” بزيارة موسكو والتقى الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بعد أسبوعين فقط من بدء الحرب، وعرض التوسط لحل الأزمة.
وبالطبع فإن هدف تل أبيب في وقف الحرب يتصل بمحاولة وقف الاستقطاب الحاد الذي تتعرض له من قبل موسكو وواشنطن وأيضاً بكين؛ حيث تحذرها موسكو من تداعيات دعم أوكرانيا، وتدعوها واشنطن إلى تسليح كييف، ولن تتمكن تل أبيب من الحفاظ على موقفها المتوازن في حالة إطالة أمد الصراع، وسيتعين عليها الانحياز إلى طرف ما، وهو ما سيؤدي إلى أزمة في سياستها الخارجية أو توتر علاقاتها مع واشنطن.
2- مسار العلاقات بين إسرائيل وروسيا: خلال الأعوام الماضية حرصت تل أبيب على استمرار التنسيق الاستراتيجي والتكتيكي مع روسيا، لا سيما في الملف السوري؛ لتضمن سلامة عملياتها العسكرية الخاطفة في العمق السوري، ولمنع دمشق من الحصول على صواريخ (إس 400) الروسية التي ستمكنها من صد الهجمات الإسرائيلية عليها، ولتقليص النفوذ الإيراني في سوريا أيضاً الذي يعد هدفاً مشتركاً بين موسكو وتل أبيب.
كما أن العلاقات الروسية الإسرائيلية تشمل العديد من الملفات الهامة التي يحرص الطرفان عليها، ومنها ضمان حرية هجرة اليهود الروس (يقدر عددهم بـ600 ألف) إلى تل أبيب – وقد سبق لموسكو أن هددت بأنها ستوقف الهجرة اليهودية منها – واستمرار التعاون العسكري والتكنولوجي والاقتصادي بينهما، وكذلك ضمان الاستقرار الداخلي بإسرائيل؛ حيث إن 15% من سكان إسرائيل – وأغلبهم في مدينة القدس – هم مهاجرون سابقون من الاتحاد السوفييتي السابق، وما زال لهم صلات متعددة بروسيا.
3- تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية: تبقى المتغيرات الإقليمية والدولية أحد المحددات الحاكمة لمستقبل أي إقليم، خاصة الشرق الأوسط الذي تنتمي إليه إسرائيل، وشرق أوروبا حيث تقع أوكرانيا؛ لأن الإقليمين يشهدان اضطرابات مستمرة وحالة من الاستقطاب الدولي بين موسكو وواشنطن؛ حيث إن الموقف الإسرائيلي من كييف مرتبط بالترتيبات في الشرق الأوسط ككل ورد الفعل الروسي والأمريكي عليها، ولن تغير تل أبيب موقفها المحايد من الحرب الأوكرانية إلا إذا كان ذلك يحقق مصالحها الاستراتيجية؛ فعلى سبيل المثال، إذا توصلت واشنطن وطهران إلى اتفاق نووي جديد فإن ذلك ربما يدفع إسرائيل إلى تعزيز تعاونها مع روسيا لضمان تحجيم النفوذ الإيراني بسوريا، وإذا تكثف التعاون الإيراني الروسي على الصعيدين العسكري والتكنولوجي أكثر، فإن هذا ربما يدفع تل أبيب إلى دعم أوكرانيا عسكرياً باعتبار ذلك رد فعل على الموقف الروسي.
وإذا استمرت الحرب الأوكرانية لوقت أطول أو توسعت رقعتها الجغرافية وامتدت إلى إحدى دول الجوار، ربما تلجأ تل أبيب إلى دعم أوكرانيا وتغير موقفها من الحرب للحفاظ على مصالحها إذا هزمت روسيا في النهاية، كما أن الإرهاصات المستمرة لحدوث تغيرات في معادلات التوازن بالشرق الأوسط خاصة، والنظام الدولي عامة، والموقف الروسي الصيني المستمر بضرورة تغيير النظام الدولي من نظام أحادي القطبية تسيطر عليه واشنطن إلى نظام متعدد الأقطاب؛ ينذر بحدوث تغيرات في المواقف الدولية من مختلف الأزمات الراهنة، وهو ما ينطبق على العلاقات بين إسرائيل وأوكرانيا.
مما سبق، نجد أن العلاقات بين إسرائيل وأوكرانيا ثلاثية الأبعاد؛ إذ ترتبط بوتيرة العلاقات بين الأولى وروسيا، وتتأثر بها عكسياً؛ فكلما زاد التعاون بين تل أبيب وموسكو تعثر التعاون بين إسرائيل وأوكرانيا، والعكس صحيح أيضاً؛ ولذا فإن الأحرى بالدولتين الأخيرتين معالجة القضايا الخلافية بينهما للحفاظ على مصالحهما المشتركة.