جسور مع الجميع.. كيف تعيد السعودية والإمارات تموضعهما دوليا

profile
  • clock 27 أغسطس 2023, 6:07:04 ص
  • eye 535
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في الوقت الذي وصل العشرات من كبار المسؤولين الأمنيين من جميع أنحاء العالم إلى السعودية لحضور مؤتمر حول أوكرانيا هذا الشهر، كانت المهمة الرئيسية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد اكتملت.

وفي تجمع مماثل ولكن أصغر حجما في كوبنهاغن في يونيو/حزيران، طلبت فرنسا من الرياض المساعدة في المتابعة، معتقدة أن بعض الدول من ما يسمى بالجنوب العالمي، بما في ذلك الصين، ستكون أكثر ارتياحا للحضور إذا تم تنظيمه خارج أوروبا.

ووفقا لمقال أندرو إنجلاند في صحيفة "فايننشال تايمز"، قام الأمير بن سلمان بتنفيذ الأمر على النحو الواجب، وتدخل شخصياً للمساعدة في إقناع بكين بإرسال ممثل، وفقاً لدبلوماسيين.

ويضيف المقال، أن مسؤولين من 42 دولة، حضروا الاجتماع في جدة بما في ذلك العديد من الدول التي قاومت الضغوط الغربية للانحياز إلى أحد الجانبين في حرب روسيا في أوكرانيا.

وبحلول نهاية المحادثات، لم يكن هناك سوى القليل من التطورات الملحوظة بخلاف الصين، مما يشير إلى أنها قد تكون على استعداد للمشاركة في المناقشات المستقبلية.

لكن ما يؤكده المقال بالنسبة للأمير السعودي، هو أن الاجتماع الذي استمر يومين كان بمثابة نجاح بلا شك.

لقد أعطى الأمير السعودي المسرح المثالي لعرض رؤيته للعالم، وهي رؤية تتصور المملكة كقوة صاعدة يمتد نفوذها من الشرق إلى الغرب، وهي عقلية تعكس الطموحات النبيلة والثقة المتزايدة لدى دول الخليج الغنية بالنفط المدعومة بمكاسب النفط غير المتوقعة، بعد ارتفاع أسعار الطاقة في العام الماضي، والتي عقدت العزم على رسم مساراتها الخاصة في عصر يتسم بالاستقطاب والديناميكيات العالمية المتغيرة.

قوتا الخليج

ويعتقد الكاتب أن هناك قوتان في المقدمة في الخليج: السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، والإمارات، المركز التجاري المهيمن في المنطقة، وكلاهما يتجه تركيزهما بشكل متزايد نحو الشرق.

وبينما ينظر الآخرون إلى التيارات العالمية المتغيرة من خلال عدسة المخاطر، ترى الرياض وأبوظبي الفرص المتاحة، بينما تستفيدان من عضلاتهما المالية ومواردهما النفطية الوفيرة للتحوط الاستراتيجي ضد علاقاتهما التقليدية مع الغرب.

ويرى الكاتب أن الموضوع المشترك في كلتا الدولتين الخليجيتين هو وجود قادة واثقين من أنفسهم وحازمين لم يعودا على استعداد لقبول المطالب الأمريكية الثنائية "معنا أو ضدنا".

وقد استخدم زعيم الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لسنوات القوة العسكرية والمالية لدولته الصغيرة لضمان تفوقها على حجمها.

وبالمثل، سارع الأمير بن سلمان إلى تخصيص مئات المليارات من الدولارات، سعياً وراء خطط عظيمة لتطوير بلاده، ويريد أن يتم الاعتراف بها كقوة كبرى في مجموعة العشرين، اقتصادياً ودبلوماسياً.

وكلا الرياض وأبوظبي حليفتان، ولكنهما أيضاً متنافستان اقتصاديتان على نحو متزايد، عازمتان على إبراز مكانتهما على المسرح الدولي من خلال شبكات أوسع باعتبارهما ما يسمى بأصدقاء الجميع، وتسعيان لتحقيق مصلحتهما الذاتية.

ووفقا لخبراء، فقد انتهى الوقت الذي كان يمكن للمرء أن يتوقع فيه التوافق الكامل من السعودية والإمارات مع أحد القوى الكبرى بل يعملان على بناء جسور جديدة.

وفي الوقت نفسه، ومن الناحية الكلية، هناك إقرار حول جواب سؤال من أين يأتي النمو الجديد في السنوات العشر أو العشرين المقبلة؟، إنه يأتي من أسواق كبيرة في آسيا، وبعضها في أمريكا الجنوبية، وربما بعض الأسواق الأفريقية.

وقد عقدت الدولتان الخليجيتان شراكات "استراتيجية شاملة" مع الصين، وعندما استضاف الأمير الشاب الرئيس الصيني شي جين بينغ في جدة لحضور سلسلة من القمم العربية في ديسمبر/كانون الأول، قال إن القمم أطلقت "حقبة تاريخية جديدة" في العلاقات مع بكين، مضيفًا أن المملكة تعمل على "تعزيز التعاون لخدمة استقرار المجتمع الدولي".

ليس الصين فقط

ويرى الكاتب أنه ليست الصين فقط هي التي تركز عليها دول الخليج.

فقد وقعت الإمارات، موطن صناديق الاستثمار السيادية التي تدير أكثر من 1.3 تريليون دولار، اتفاقيات تجارة حرة مع 6 دول، بما في ذلك الهند وإندونيسيا، في الأشهر الـ18 الماضية.

وعندما زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الإمارات في يوليو/تموز، وهي زيارته الخامسة للدولة الخليجية خلال 8 سنوات، أُعلن أن هيئة أبوظبي للاستثمار البالغة قيمتها 850 مليار دولار ستؤسس وجودا لها في ولاية جوجارات في "الأشهر القليلة" المقبلة.

وتسعى الدولتان الخليجيتان أيضًا إلى الانضمام إلى "بريكس"، وهي الاقتصادات التي تضم الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا.

ويقول المسؤولون الخليجيون إنها خطوة منطقية بالنظر إلى أنماط التجارة العالمية، ولكنها أيضًا تمنحهم صوتًا في شبكة دبلوماسية مهمة ومرحبة.

تعقيد عمل واشنطن

وقد أدى هذا الاتجاه إلى تعقيد علاقات الولايات المتحدة مع الحلفاء العرب التقليديين، حيث أصبحت الانقسامات أكثر وضوحا في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

ويقول الدبلوماسي الأمريكي السابق جيفري فيلتمان، مثل تركيا والبرازيل: "إنهم لا يريدون أن يضطروا إلى الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، ولا يريدون أن يضطروا إلى اختيار جانب في حرب أوكرانيا".

ويضيف: "إنهم، في الواقع، لديهم بعض الفوائد لعدم الاختيار، بنفس الطريقة التي كانت الولايات المتحدة تحب بها أن تكون الصين والاتحاد السوفييتي قادرين على التأثير على أحدهما ضد الآخر خلال الحرب الباردة".

ويشير المقال إلى أنه في بداية حرب أوكرانيا، أزعجت الإمارات إدارة بايدن باستخدام مقعدها المؤقت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للانضمام إلى الصين والهند في الامتناع عن التصويت على قرار أمريكي يدين موسكو، في تعبير غير عادي عن الإحباط من السياسات الأمريكية.

كما رفضت كل من أبوظبي والرياض الجهود الغربية لإقناعهما بالتخلي عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تتعاونان معه في مجال النفط من خلال "أوبك+"، ويعتبرانه لاعباً مهماً، ومفسداً محتملاً في الشرق الأوسط.

وقبل شهر من زيارة مودي لأبوظبي، كان الشيخ بن زايد يخبر بوتين أنه يرغب في البناء على العلاقة مع موسكو، حيث كان واحداً من القادة العالميين القلائل الذين حضروا المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبرغ.

وتقدم الإمارات، مثل السعودية، نفسها كوسيط بين موسكو والغرب.

ويضيف المقال: "قد ينتقده الكثير من الناس لقيامه بهذه الرحلة"، "لكن الشيخ بن زايد كان يقول: أنا هنا للمساعدة بأي طريقة كانت".

ولم تعترف السعودية، التي كانت من أشد المعارضين للشيوعية، بالصين إلا في عام 1990.

وبالرغم من أن كل من السعودية والإمارات أنفقتا عشرات المليارات من الدولارات على المعدات العسكرية الأمريكية، في حين استثمرت الكثير من فوائضهما من النفط في الأصول الأمريكية فقد أصبحت العلاقات متوترة بشكل متزايد بعد أن تجاهل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما المصالح السعودية والإماراتية في أعقاب الثورات العربية عام 2011.

وتوترت العلاقات أكثر بعد قرار أوباما التوقيع على الاتفاق النووي لعام 2015 مع منافستها إيران.

ويضيف المقال أن الحالة المزاجية تحسنت بعد دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وسعى إلى إقامة علاقات تجارية، ولم يعر أي اهتمام لانتهاكات الحقوق في الخليج الاستبدادي، وتخلى عن الاتفاق النووي.

لكن المسؤولين العرب أصبحوا يشعرون بالقلق من عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته، إذ أصيبوا بالإحباط بسبب ما اعتبروه ردود فعل ضعيفة على الهجمات على ناقلات النفط في الخليج والبنية التحتية النفطية السعودية التي ألقي باللوم فيها على إيران.

وقد أدى قرار خليفته جو بايدن بتجنب الأمير بن سلمان وإدانة الانتهاكات في المملكة، وخاصة مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 على يد عملاء سعوديين، إلى دفع العلاقات مع الرياض إلى مستويات منخفضة جديدة.

والعام الماضي، أثار رد فعل واشنطن البطيء على الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار على أبوظبي من قبل المتمردين اليمنيين المتحالفين مع إيران غضب الشيخ بن زايد، الذي لم يزر الولايات المتحدة منذ عام 2017، وكشف عن غياب العلاقات الشخصية التي كانت تقليديًا جوهر التحالفات الأمريكية الخليجية.

وقد خفت حدة التوترات منذ ذلك الحين، ولكن لا تزال هناك نقاط احتكاك.

وفي مايو/أيار، انسحبت الإمارات من قوة المهام البحرية التي تقودها الولايات المتحدة بسبب الإحباط بشأن قواعد الاشتباك بعد أن استولت القوات الإيرانية على ناقلتين في الخليج.

حاجة مشتركة

وبالرغم من كل هذه الشكوك، يرى الكاتب أن جميع الأطراف تعترف بأنها بحاجة إلى بعضها البعض.

ووضعت إدارة بايدن جانباً اشمئزازها من سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان لإشراك الرياض في قضايا تتراوح بين استقرار الطاقة والسياسات الإقليمية والحرب الأوكرانية، وبلغت ذروتها في رحلة فاترة قام بها الرئيس إلى جدة العام الماضي.

وطمأنت واشنطن أبوظبي بالتزامها بأمن المنطقة بعد أن علقت الإمارات مشاركتها في قوة العمل البحرية وأرسلت سفنا حربية وطائرات مقاتلة إضافية إلى الخليج.

كما أن المسؤولين السعوديين والإماراتيين ليس لديهم أي أوهام بشأن اعتمادهم على الولايات المتحدة لتلبية احتياجاتهم الدفاعية الرئيسية.

وفي الواقع، فإن مطلبهم ليس أقل من ذلك: إذ تضغط كل من الرياض وأبوظبي على واشنطن للموافقة على شراكات أمنية أكثر مؤسسية.

وتجددت المناقشات مع الإمارات بعد هجمات العام الماضي على أبوظبي.

وتعد المحادثات الأمريكية مع السعودية جزءًا من الجهود الرامية إلى إقناع المملكة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإذا نجحت، يمكن أن تستخدمها واشنطن لمحاولة كبح عناصر علاقة الرياض مع بكين، مثل التعاون العسكري ونقل التكنولوجيا.

لكن علي الشهابي، وهو معلق سعودي مقرب من الديوان الملكي، يقول إنه في حين أنه من الممكن أن تكون هناك "تعديلات" إذا وافقت الولايات المتحدة على تحالف أمني مع المملكة، فإن الرياض ستقاوم الضغوط الرامية إلى تخفيف العلاقات مع الصين فليس هناك عودة.

ولن تتخلى السعودية عن الجسور التي بنتها مع الجنوب العالمي، مع روسيا أو الصين، لأن هذه الجسور جزء لا يتجزأ من أداء الاقتصاد السعودي واحتياجات سوق المملكة على المدى الطويل.

ويضيف أن القيادة السعودية أكثر استقلالية في التفكير، فقبل 10 سنوات، كان هناك جيل كامل كان غريزيًا أكثر احترامًا للطلبات الأمريكية.

الدولار

ويذكر الكاتب أن المعدات العسكرية الأمريكية ليست وحدها هي التي تربط الخليج بالولايات المتحدة، حيث تربط دول الخليج عملاتها بالدولار، وتستمر في النظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها سوقاً استثمارياً رئيسياً.

كما أن أكثر من 40% من ثروة صناديق الاستثمار في أبوظبي منتشرة في الولايات المتحدة.

وقد كانت العديد من الاستثمارات البارزة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي البالغة قيمتها 650 مليار دولار، في أصول أمريكية، بما في ذلك حصص في شركة أوبر وشركة صناعة السيارات الإلكترونية، لوسيد.

ويشير المسؤولون إلى أن الصناديق الحكومية في الخليج، تجد أن الاستثمار في الولايات المتحدة أسهل بكثير من الاستثمار في الأسواق الآسيوية الأقل تحررا، خاصة بالحجم المطلوب لتلبية طموحاتها.

وهناك أيضًا اعتراف بأن الكثير من أنواع التكنولوجيا الحديثة التي يرغب الخليج في الاستفادة منها يتم تطويرها من قبل الشركات الأمريكية.

ومع ذلك، فإن التجارة الخليجية مع آسيا تتجه فقط في اتجاه واحد، فيما تعمل الصناديق السيادية في جميع أنحاء المنطقة على زيادة تعرضها للأسواق الآسيوية.

ومع تحول العالم بعيداً عن الوقود الأحفوري، تدرك دول الخليج أنه من المرجح أن تكون الصين والهند هي التي تشتري آخر براميلها من النفط.

ولم تسع الصين إلى تحدي أو إزاحة الدور الأمني الذي تلعبه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولكن هناك تلميحات إلى أنها تريد تجاوز الشراكات التجارية التقليدية.

وقد فسر الكثيرون نجاحها في التوسط في اتفاق في مارس/آذار بين الخصمين اللدودين، السعودية وإيران، لاستعادة العلاقات، على أنه علامة على استعداد بكين لتبني دور سياسي أكثر في المنطقة.

ومع ذلك، يدرك المسؤولون الخليجيون أيضًا مخاطر الوقوع في مرمى نيران التنافس بين الولايات المتحدة والصين، حيث تهدف القوتان العالميتان إلى "فصل" اقتصاداتهما.

كما أن دول الخليج مستعدة لإثارة غضب واشنطن من خلال تعميق العلاقات مع بكين والاستفادة من التكنولوجيا الصينية، مثل شبكات الجيل الخامس.

وعلى سبيل المثال، يذكر المقال بما حدث  قبل عامين، عندما اضطرت الإمارات إلى معالجة الشكوك الأمريكية بأن الصين كانت تبني قاعدة عسكرية في ميناء أبوظبي.

وتجري الإمارات هذا الشهر أول مناورة جوية مشتركة مع الصين، وفقا لوسائل الإعلام الرسمية الصينية.

وأفيد أيضًا بأن السعودية اشترت أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار من الصين بعد معرض تشوهاي الجوي في نوفمبر/تشرين الثاني، مما يجعلها أكبر بكثير من صفقات الأسلحة السعودية الصينية السابقة.

ويقول المحللون إن الرسالة الموجهة إلى الولايات المتحدة من الرياض وأبو ظبي هي: "سوف نأتي إليكم أولاً، ولكن إذا لم نتفاهم فسوف نذهب إلى مكان آخر"، سواء كان ذلك أسلحة أو تكنولوجيا.

وفقا للمقال، تظل المعضلة الإستراتيجية الأساسية بالنسبة لهم هي أن أمنهم يقع في الغرب، وسياسة الطاقة الخاصة بهم مع روسيا، وازدهارهم يعتمد بشكل متزايد على الصين وبقية آسيا، ولذلك إن الأمر يتطلب عملاً دقيقًا ومشاركة مستمرة لإدارة هذه العلاقات المعقدة. وعليهم أن يستثمروا بكثافة في كل تلك العواصم، من الناحية السياسية والاقتصادية والجغرافية الاقتصادية. إنها لعبة حساسة."

 

 

المصادر

المصدر | أندرو إنجلاند/ فايننشال تايمز

التعليقات (0)