جلال نشوان يكتب : كأس العرب وأهدافه السياسية

profile
جلال نشوان كاتب صحفي
  • clock 5 ديسمبر 2021, 3:30:00 م
  • eye 521
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

مشاهد أخاذة ، وعروض بصرية لم  نر  مثلها ،من قبل ، تقنيات هائلة ، حتى خُيل لنا  إننا  في حفل أسطوري ضخم ،والعالم كله متسمر  أمام شاشات التلفزة ، يشاهد هذا الحدث الكبير ذو  المدلولات السياسية بإمتياز ، 

 افتتحت قطر الدورة العاشرة من البطولة العربية بمشاركة ثلاثة وعشرين منتخبا عربيا تحت تنظيم الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بعد توقف دام حوالي عشر سنوات. كان التنظيم ـ بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء ـ درسا في العروض المتميزة واللوحات الرقمية بأبعادها المتنوعة ومضامينها المختلفة بشكل أضفى على الملعب مكان الافتتاح طابعا خرافيا. 

لقد استطاعت قطر وبحنكة سياسية وإداء عبقري ، باختراق الحصار الذي فرضته عليها السعودية والإمارات ، والبحرين ومصر حتى أنها ألقت الحصار وراء ظهرها  

ليست هذه المرة الأولى التي تنظم فيها قطر مناسبة رياضية عالمية فقد سبقتها مناسبات عديدة أخرى برهنت فيها الدولة على قدرات تنظيمية عالية لكن هذه المناسبة تأتي في إطار شديد الخصوصية لأنه يسبق الحدث العالمي الأهم وهو كأس العالم 2022 ، وهنا نتساءل : 

للماذا تحرص قطر على تنظيم مثل هذه الفعاليات العربية والدولية ؟ ماذا تستفيد من ذ

وللإجابة علي  ذلك ، أنهت السعودية ، والبحرين والإمارات ومصر  االحصار  ، ا الذي فرضته على قطر منذ ثلاث سنوات ونصف السنة. وأدّى إعلان العلا، الموقَّع في خلال القمّة الواحدة والأربعين لدول مجلس التعاون الخليجي، إلى استئناف رحلات السفر والتجارة بين قطر والدول المحاصِرة. وتُعقد الآمال على أن يؤدّي المزيدُ من النقاشات إلى تطبيع كامل للعلاقات الدبلوماسية والتجارية.

في نواحي أخرى ، ، عزّز الحصار ، الاقتصاد القطري وتطور تطوّراً إيجابياً للتكامل الإقليمي. حيث استطاعت أن تنطلق إلى دول العاللم و الاستفادة من تجربة الحصار  ، رغم القيود التي فرضتها الدول الأربعة ,، تلك الدول التي سعت لكبح سياسة قطر الخارجية المستقلّة التي كانت السبب الأكبر في فرض الحصار. وشملت هذه السياسة دعمَ الإخوان المسلمين، وهي حركة إسلامية سياسية اعتبرتها الدول المحاصِرة الأربعة منظّمةً إرهابية، والمحافظةَ على علاقات اقتصادية مع إيران، التي تتشاطر معها قطر أكبر حقل من حقول الغاز الطبيعي لديها، 

ومما لاشك فيه استفادت قطر من القصف (الإعلامي لقناة الجزيرة)   التي كانت شديدة الانتقاد للدول الأخرى وداعمة لأيديولوجيا الإخوان المسلمين واحتجاجات الربيع العربي وثوراته الشعبية.

لقد ساهم الحصار  بجعْل قطر أكثر استقلالية من قبل عن دول مجلس التعاون الخليجي،  فقد عزّزت قطر روابطها الاقتصادية والسياسية مع تركيا، وهي لاعب  إقليمي له أهميته فى المنطقة  ، وبذكاء دبلوماسي وقراءة حكيمة لمعطيات الٱقليم ، استفادت  قطر من علاقاتها  التجارية مع إيران، إذ أصبح المجال الجوّي الإيراني ممرّاً حيوياً لقطر للوصول إلى باقي أقطار العالم. ومع أنّ محطّة الجزيرة أصبحت أقلّ أيديولوجية، تابعت بتغطية الأخبار الناقدة للدول المجاورة، بما فيها اغتيال الصحافي السعودي المعارض لنظام الحكم الملكي السعودي ، جمال خاشقجي في السفارة السعودية في إسطنبول 

لقد  تجاوزت قطر  كل الخطوط الحمراء في مساندة ثورات الربيع العربي وإغداق المليارات  على المعارضين ، وكل ذلك خدمة للأهداف الأمريكية في المنطقة ، التي ارتأت تغيير الأنظمة التقليدية   و الاعتراف بحق الشعوب العربية في الحرية والعدالة الاجتماعية.

 كانت الجزيرة وبرامجها المكثفة التي وُضعت لزعزعة   النظام الرسمي العربي الذي  وضع شرط إغلاقها على رأس شروط رفع الحصار. ووقف  صناعة  الأكاذيب وبث الصور المزيفة لخدمة تلك الغاية 

المؤلم في الإمر أن  كثيرا من الناس ومن شرائح مختلفة  يُدركون عن قناعة أنّ الموقف الرسمي القطري من القضايا العربية هو أرقى المواقف الإقليمية على الإطلاق. لكنّ موجة التشويه كانت قادمة من أعلى الهرم بشكل يصعب صدّها رغم كل المواقف القطرية المشرّفة ودعم النظام القطري للقضايا العربية العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية. 

كأس العرب ليس رياضيا لمن يتأمله في العمق وإن كان كذلك في ظاهره بل هو طور جديد من أطوار التحدي الذي تلوح به قطر  أن الدول ليس بحجمها ولكن بإرادتها وقوة فعاليتها الإقليمية والدولية ، فمن كان يتخيل قدرة الدوحة على صياغة اتفاق بين الضحية والجلاد ( الولايات المتحدة الأمريكية وافغانستان) !!!!

من كان يتخيل أن يأتي المندوب السامي القطري إلى غزة ، محملاً بملايين الدولارات لإغاثة غزة ؟!!!!!

أن قراء المشهد السياسي والمحللين والمفكرين ينتابهم الدهشة ، لقدرة الدبلوماسية القطرية على هذا الامتداد والنفوذ الكبير

القضية ياسادة : 

 من السذاجة أن نقتنع أن قطر وسياساتها التي تحمل في طياتها جدلاً  عميقاً  ، بأن المنهج الدبلوماسي الذي تتبعه دولة قطر في مختلف عقود تحولاتها السياسية هو منهج إنساني يتخذ من المصلحة الوطنية والقومية ومصلحة الإنسان العربي مرتكزا أساسيا في تحركاته وصياغة  أولوياته، كما أن هذا المنهج يتميز باقتحاميته وجرأته في إعلان المواقف وتحديد المسارات ومواقع الأهداف العامة التي تتحرك في إطارها الدبلوماسية القطرية وفق أجندة 

نحن في فلسطين ، تربطنا علاقات متميزة بقطر وبكل الدول العربية الشقيقة ، ونحرص دائماً على توثيق العلاقات مع أمتنا العربية  ، وما هذا المقال الا قراءة للواقع الذي نعيشه ويعايشنا وللتفاعلات السياسية التي تحدث في الإقليم 

نتمنى أن يقام كأس العرب القادم  في دولة عربية أخرى ولكن بدون أهداف سياسية  وأن تسود المحبة والوئام بين كل الجماهير العربية الرياضية لأن الرياضة هي أحد جسور المحبة بين الشعوب 


التعليقات (0)