- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: النكسة ومسار التحرير
د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: النكسة ومسار التحرير
- 6 يونيو 2022, 5:43:18 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
النكسة وذكراها ضوء أحمر يشتعل في مطلع يونيو من كل عام ليتذكر شعب القدس واللجوء ما لم ينسه، ويحيي ما لم يمته، ويعيش مجدداً على أمل التحرير العودة ويعزف على أنغام الذكرى لحن العودة ليرهف العالم سمعه إلى الشعب الوحيد اللاجئ في القرن الحادي والعشرين في لجوء وتشرد وحرمان. حيث في الخامس من يونيو 1967 تطالعك ذكرى النكسة حيث هزيمة الذل والعار تتجلى لتضع النقاط على الحروف في بعثرة ما بقي من فلسطين التاريخ والحضارة والإنسان.
النكسة واغتصاب ما تبقى من فلسطين مشروع استيطان غربي رأس حربته المشروع الصهيوني يهدف إلى حماية إمبراطوريات الغرب التي ترى أن المنطقة العربية يتوفر لها مقومات التراث في التاريخ والجغرافيا والدين واللغة وإن نهضتها ووحدتها ستشكل تهديداً استراتيجياً لإمبراطوريات الغرب، فكان القرار بزراعة جسم غريب. فكان الكيان الاحتلالي مشروع إحلالي، ويصاحَبَ تلك المرحلة ضعف في جسد الأمة في شتى النواحي سمح للإمبراطورية الغربية أن تنفذ مشروعها.
عناصر الهزيمة في النكسة تجلت بكافة أبعادها لينتقل الشعب الفلسطيني من نكبة إلى نكسة، فالانصراف عن مقومات النصر عبر تشتت الانتماءات، سيطرة الجهالة العقدية والفكرية والسياسية، والتسليم للأجنبي، والقتال إلى جانب العدو ضد الأخ والصديق. فكانت النكسة التي ينبغي محوها ببناء أجيال جديدة تملك مقومات محو المرحلة ومشروعها لإحلالي، وذلك باعتماد فلسطين وقضيتها مركزية الصراع الكوني.
تفاقمت المعاناة الفلسطينية بالنكسة ولكن للأسف فقد غدت خارطة التوزع الديمغرافي الفلسطينية متشعبة، والانتشار الفلسطيني يعكس بشكل مثير التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية والعسكرية والفكرية وغيرها (ثلث في أراضي السلطة، وثُلث في دول الطوق، وثُلث في المنافي والمهاجر). ومن هنا فقد تعدد اللجوء في جبين الإنسان الفلسطيني.
في ذكرى النكسة مطلوب من أهل فلسطين السليبة أن يستبينوا طريق تحرير القدس (القدس موعدنا)، والخطوة الأولى في ذلك بتثبيت الحق السياسي والإنساني والقانوني الفردي والجماعي للفلسطيني حيث كان. وقد كان التمسّك بالحق من أجيال فلسطين ولا يزال هو المسار الوحيد للتحرير فمن ينتصر في معركة الجيل يحقق التحرير ومشهد اخر جولة قتال مع الاحتلال (سيف القدس) خير شاهد.
الحق الفلسطيني في تحرير أرضه لن ينته سياسياً إلا من خلال الفلسطينيين أنفسهم بتوقيع اتفاقيات دولية تسقطه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهناك ترويج جدي لذلك عبر ما يسمى بمشروع بناء الدولة المؤسساتية بأن تكون قادرة على استيعاب المجموع الفلسطيني فيها. مع العلم أن التطبيع مع الاحتلال والاستباق في إعلان الدولة الفلسطينية الوظيفية على المقاس الإسرائيلي والتعامل مع الاحتلال كشريك في المفاوضات ومحاربة ما يسمونه بالإرهاب ليست إلا قطعاً لطريق التحرير.
الرغبة الصهيونية والغربية العارمة في كسر شوكة المشروع الفلسطيني القائم على حلم التحرير والانغراس في الأرض أيقظ في عقلية المشروع الصهيوني ما أسماه مشاريع التوطين القائمة على إسكان وإسكات الفلسطيني حيثما يكون بعيداً عن أرض الميعاد فكانت المشروعات تلو المشروعات الهادفة إلى التوطين و اخرها صفقة القرن ومقاربتها الرجس في قضية اللاجئين بالمساواة بين اللاجئ الفلسطيني و اليهودي و إدراج قضية اللاجئ الفلسطيني ضمن اللاجئين في العالم و طرح التوطين كممر إجباري وما أسموه التعويض مقابل إسقاط حق العودة, ومازالت معارك إنهاء الأونروا كشاهد على الحق الفلسطيني مستمرة بأشكال متعددة.
ولكن كل ذلك لم يُخرج الفلسطيني عن دائرته ومشروعه في التحرير الذي ما يزال يعيش حلمه فكان الفشل الذريع لكل مشاريع سلب الحق والإقرار الفلسطيني بالتنازل عن هذا الحق المقدس وبقي الفلسطيني منتظراً على بوابة الوطن لا يعيش في فلسطين ولكن تحيا فلسطين في سويداء قلبه حيث حل أو ارتحل متمسكاً بمفتاح البيت وقوشان الطابو ليثبت حقه يوم يعود أو يعود ولده إلى أرضه. والشعب الفلسطيني متمسك بحقه وتجسد ذلك جليا في ملحمة سيف القدس حيث انطلق الفعل النضالي حيث الفلسطيني وبإسناد من أحرار العالم في كل مكان. وللعلم فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين يقترب اليوم من السبعة ملايين لاجئ، لا يسكن منهم في المخيمات إلا 2.5 مليون، فهل سكان المخيمات بعددهم القليل الذي يزيد على الثلث بقليل هم فقط من سيحفظ الحق الفلسطيني؟
إن الحذر السياسي في هذه المرحلة الدقيقة ضرورة وطنية وذلك باعتماد أن كل من ينزلق إلى مربع المساومة على الحق الفلسطيني إنما ينزلق في أتون الخيانة الوطنية. إن الاحتفاظ بالحق وإن لم يتحقق يمثل صيانة للمشروع الوطني مع استمرار العمل على تحقيق ذلك بطرح مشروع موحد لتنفيذ الحق الفلسطيني أو على الأقل تناقله عبر الأجيال. وإعادة بناء منظمة التحرير يمثل قضية محورية في طريق صيانة الحق الفلسطيني حيث أن المنظمة تشكل بيت الفلسطينيين جميعاً والمؤسسة التي ينبغي أن تسعى لتحقيق آمالهم وطموحاتهم في التحرير.
إن الفرق بين الهزيمة والانتصار جد شاسع وإذا كانت النكسة المعلم الأبرز للهزيمة والاندحار والتراجع العربي فإنها كذلك بداية لعودة الوعي لتكون الانتفاضة أول مؤشرات بداية الانتصار على طريق العودة بعد اللجوء وبعد الهزيمة. فقد أشعل شعب فلسطين انتفاضته الأولى بعد عقود من النكسة ليكتب برأس الصفحة الأولى ملامح لصورة الانتصار وليغرس فسيلة الحرية بعد أن بدأ يستعيد وعيه بالسعي لامتلاك مقومات الانتصار بالعودة إلى الانتماء، ولينشأ جيل الوعي بالأرض والهوية مع الاستعداد الكافي للتضحية رغم شح الإمكانات وقلة الموارد وضعف ذات اليد وتخلي القريب وجفوة البعيد. ويعزز ذلك بانتفاضته الثانية الأدق تنظيماً وأكثر إيلاماً للعدو وإدماءً له، والأعظم تضحيةً وعطاءً من جانب شعب الشهادة الذي قدم عبر هذه الانتفاضة خيرة قادته شهداء على مذبح الحرية. ويحقق عبر هذه الانتفاضة الاندحار الأول للمشروع الصهيوني عن جزءٍ عزيزٍ من أرضه الغالية التي احتلت في النكسة والتي يمكن أن يقيم عليها الدولة بعيداً عن اشتراطات الاحتلال وسعياً لتحرير أرض إضافية مع بقاء الصراع مفتوحاً لتقول فيه أجيال اللجوء والنكبة والنكسة كلمتها الأخيرة. ويقف شعب اللجوء اليوم على أبواب انتفاضته الثالثة مواصلاً التشبث بحلم العودة بعد أن خاض في الأيام القلائل الأخيرة ملحمة سيف القدس وما أحيته من حلم عودة لم يعد بعيدا.
في طريق التحرير لأرض البرتقال والزيتون من الضروري تبني منظمة التحرير والسلطة والحكومة الفلسطينية لجسم إداري يتبنى ملف اللاجئين ويتولى عملية المتابعة والتنسيق مع الوكالة والجهات الدولية الأخرى مع مصاحبة ذلك بتشكيل موحد يفضل عبر الانتخابات للجان الشعبية في المخيمات الفلسطينية تتولى عملية المتابعة مع الأونروا والحكومة. وعلينا التعامل مع القضايا اليومية للاجئين على أنها تدخل في إطار إدارة الصراع وليس في حله، مع مراعاة الظروف الإنسانية والمعيشية لسكان المخيمات. ولا يمكن هنا تجاهل إقامة علاقة شراكة وتعاون متينة مع وكالة الغوث. وقطعاً لطريق التفريط أو التنازل عن حق العودة، من الضروري تكثيف اللقاءات والاجتماعات في الداخل والخارج مع الجهات الدولية والعربية لطرح القضية الفلسطينية عبر أطر شعبية جامعة، ولا يمكن أن ننسى أن العمل الوطني الموحد يقصر طريق للتحرير.
وأساس العمل في طريق التحرير ينطلق من خلال صناعة الوعي الفلسطيني بالتركيز على الحق الفلسطيني في المناهج الدراسية والجامعية، والأنشطة اللامنهجية والتركيز على بناء الإنسان الفلسطيني بشكل عام وضرورة تمسكه في حقه، لأن الحق الفلسطيني ليست قضية للاجئين فقط، بل هي قضية وطن مسلوب وأرض مغتصبة وشعب مشرد.
وإحياء ذكرى النكسة يتم بالعمل الوطني المشترك بين جميع القوى ورفع شعار موحد وفي ظلال ملحمة سيف القدس (القدس عودتنا)، مع دعوة إلى تجسيد معالم الوطن بمشروع تجسيد الذاكرة الفلسطينية لتبقى حاضرة بين أيدي الأجيال الفلسطينية في كل لحظة. كما يمكن انطلاق أكبر مسيرة موحدة تنطلق نحو الحدود من شتى دول اللجوء وكذلك من الضفة الغربية وقطاع غزة. مع تفعيل العمل القانوني والدولي ورفع القضايا القانونية ضد الاحتلال الذي أغتصب الأرض وشرد الشعب.
الليالي الفلسطينية حبلى وتلد كل جديد، وإن إحياء ذاكرة النكسة وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة مهمة وطنية من الدرجة الأولى تسقط أمامها الكثير من الأولويات، وتفتح المجال خصباً أمام المجموع الفلسطيني أن يتحرك للأمام على أساس الحقوق في جملة من السياسات والبرامج والأنشطة متجاوزين حالة الاستقطاب السياسي بتقديم أولوية العمل للمصلحة الوطنية العليا وعلى رأسها حق النضال وصيانته وتنفيذه. إن الشعور اليقظ بالنكسة ونتائجها يحيى مشروع الحق الفلسطيني ليحاصر مشروع الاجتثاث والتمدد الصهيوني ويلجمه. نعم لم يستطع إلى الآن المشروع التحرري هزيمة المشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية لما يملكه المشروع الصهيوني من إمداد وعون. ولكنه شرف عظيم أن يمتلك المشروع الفلسطيني الذي يعيش على حلم التحرير القدرة على الصمود ومشاغلة المشروع الصهيوني وإدمائه والحكم عليه بالتراجع على صعيد الأرض والإنسان.