- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
سامح المحاريق يكتب: أزمة الإعلام الأردني… الانكفاء والفراغ
سامح المحاريق يكتب: أزمة الإعلام الأردني… الانكفاء والفراغ
- 14 أبريل 2023, 3:38:52 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
وقع الأردن خلال السنوات الأخيرة في مواقع متأخرة على مؤشر السعادة العالمي، وفي التقرير الأخير سبقته دول تعيش معاناة اقتصادية واضطرابات سياسية مثل مصر وتونس، وفي تقرير جالوب العالمي للمشاعر المتعلق بقياس تجاوب المواطنين في أكثر من بلد، وجد الأردن ضمن الدول التي تحمل مشاعر سلبية، ويأتي مرة أخرى في وضعية أسوأ مقارنة بمصر ولبنان وتونس.
تتناقض المشاعر التي يحملها الأردنيون مع الواقع، وفي حالة انحصرت المقارنة على مصر وتونس ولبنان مع الوقائع الاقتصادية القائمة، والكثير من المؤشرات الأخرى، فالأردن يتفوق في استقرار المالية العامة، وفي معدلات التضخم التي لم تتجاوز نسبة 5% خلال أسوأ الظروف، وما زالت حكومته تقدم خدمات صحية وتعليمية أفضل لدى المقارنة مع الدول الثلاث.
الحكومات الأردنية أخذت موقفاً سلبياً من هذه الظاهرة، وكل ما فعلته هو تأكيد المؤشرات من خلال استخدامها لأوصاف السلبية والعدمية تجاه الأردنيين، أو لنقل تجاه فئة من الأردنيين تستفيد من هذه المشاعر لتطرح نفسها بديلاً جاهزاً لا يستغرق حضوره سوى الوقت اللازم من أجل ارتداء ربطة عنق مناسبة لإلقاء اليمين الدستورية. هذه المؤشرات ليست على درجة كبيرة من الموثوقية، فهي لا تقيس أموراً قابلة للقياس، وتفترض وجود العلاقة بين أساسيات تحتاجها المجتمعات وتحقيق الرضا عند المواطنين، ومع ذلك، فالشكوى بين الأردنيين شائعة ومصدرها هو الخوف من المستقبل، وظاهرة الوضع المؤقت والمرحلة التي لا بد أن تنتهي، ولكن أحداً لا يعرف كيف أو متى. الحلقة الغائبة في بناء العلاقة الصحية أو المتوازنة، التي يجب أن تتمثل في الإعلام الذي يستند إلى تدفق معلوماتي واضح ومتواصل، لا تلفت انتباه أحد، ولا تسترعي اهتمام الدولة الأردنية في السنوات الأخيرة، والوضع لا يبدو مشجعاً من أجل الوصول إلى حلول لأزمات كثيرة تتعلق بالأداء الإعلامي، ومجمل سياسة التواصل داخل الأردن، والتركة الثقيلة والفوضى المتمددة أمام حكومات غارقة في المرحلي والجزئي، تجعلها تعايش حالة من التسيير لا ترتقي بأي شكل إلى الإدارة، ويخرج بعض المنظرين بالقول بأن الحديث عن إصلاح الإعلام أصبح قديماً أمام سطوة مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنهم بذلك يتحررون من مسؤولية التعامل مع الواقع الإعلامي، وإلا كيف يمكن تفسير استثمارات خليجية ومصرية هائلة في مجال الإعلام، ولجوء مؤسسات إعلامية كبيرة إلى تطوير أدواتها، بما يتناسب مع المتلقي الملول والمتصفح العشوائي. وجود إعلام الدولة في الأردن أتى متأخراً نسبياً، فجريدة «الرأي» التي اعتبرت مشروعاً وطنياً تأسست في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وقبلها كانت «الدستور» التي كانت تستهدف دمجاً بين صحف قائمة أصلاً، وهو الأمر الذي يلفت الانتباه إلى قناعة لدى الدولة الأردنية بأنها لا تود توظيف الإعلام في المعارك الجانبية والتقليدية للصحافة العربية، لتجنب التكلفة السياسية لذلك، وحتى بعض المعارك التي دخلها الأردن، لم تكن تجري بصورة مباشرة من خلال صحافته، ولكنها تجد فضاءها في بعض الصحف والمجلات الصادرة في لندن، بناء على العلاقات القوية للملك الراحل الحسين بن طلال مع مجتمع كبار الصحافيين العرب، وأمام إعلام منضبط نتيجة الضرورة السياسية ولعبة التوازنات العربية، استغرق الإعلام الأردني في محليته، وأصبح جزءاً من اللعبة السياسية الداخلية.
يحتاج الأردن إلى إعلام متمكن ليس بوصفه أحد أدوات السيطرة، بل من أجل بناء تصورات موضوعية لدى الأردنيين، تسهم في إدماجهم في مسارات إصلاحية
التحقت بهامش من الصحافة الأردنية من خلال ملحق أصدرته صحيفة «الرأي» تحت اسم أبواب نحو سنة 2007، وهو ملحق اجتماعي وثقافي يعمل في مساحة بناء وعي جمالي وجدلي لدى القراء، وطرحت فكرة إصدار ملحق آخر تنويري من الأفكار التي حملتها، ولقيت مبدئياً تجاوباً من إدارة الصحيفة، إلا أن المعارك الخفية على هامش الاشتباك السياسي أفضى إلى موات مبكر للمشروع، وقرار بدمجه في بعض الإسهامات الصغيرة في ملحق أبواب الذي لا يتحمل هذه النوعية من الإعلام. كان الاشتباك بين تيار نيوليبرالي أو ليبرالي تائه، لا يريد التورط في التفاهم مع الكتل الاجتماعية المؤثرة، ويراه مضيعة للوقت أمام مشاريعه الكبيرة، وهو بذلك لا يؤمن بدور للإعلام سوى تقديم الخبر، وفي المقابل، كان التيار البيروقراطي التقليدي يرفض أي دور للإعلام إلا حوله، بمعنى أن يكون الإعلام تابعاً ومجرد أداة لتحقيق أهدافه، ولا يحمل أي فرصة للتساؤل والتأثير خارج لعبة المناكفة بين الأشخاص، وفي هذه المرحلة بدأت الأزمات المادية الكبيرة تلحق بالصحافة الأردنية، وبعدها مختلف الأدوات الإعلامية، وعندما يحدث الفراغ فإن مواقع التواصل التي يفترض أن تنصرف إلى الترفيه تبدأ في استغلال القدرة على الوجود من أجل الاستحواذ على المساحة المتاحة من الموضوعات التي لا يتعامل معها الإعلام. هذه الوضعية بقيت غائبة وما زالت، وعندما يبدي أحد الوزراء الطموحين، والقادم من خارج علبة النخب المغلقة، استغرابه لعدم قدرة الأردنيين على الدخول في مقارنة واقعية قائمة على الأرقام المجردة، فإنه لا يدرك بوصفه تكنوقراطياً غير مستغرق في خلفيات المشهد الإعلامي أن ما يحدث في الدوار الرابع يبقى في الدوار الرابع (مقر الحكومة الأردنية) وما يخرج للناس هو الرواية التي تحاول تعويض النقص في استراتيجيات التواصل. تحتاج الدولة الأردنية إلى إعلام متمكن يمتلك أدوات ومسببات الاستمرار والتوسع، ليس بوصفه أحد أدوات السيطرة، ولكن من أجل بناء تصورات موضوعية لدى الأردنيين، تسهم في إدماجهم في مسارات إصلاحية لم يعد من الممكن تأجيلها أو تسويفها، وهو الأمر الذي يبدو متعذراً أمام أدوات إنتاج الرؤى المتطرفة من أجل تحقيق المصالح في التجاذب السياسي.
تكلفة التواصل المشوش لا تبدو واضحة لأنها تترجم نفسها في صورة تفاعلات اجتماعية، والمفارقة، أن من يطلب بين وقت أو آخر ليقدم حلولاً للمشكلة كان جزءاً من وجودها، أو هو يحمل تصورات إعلام جديد من مصلحته أن يقضي على الإعلام التقليدي في طلب توظيف مبطن، بحيث يترك التواصل للاجتهادات والتفتت تجاه المزيد من الأزمة.
كاتب أردني