- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
سامح المحاريق يكتب: الاقتصاد والأمن في مصر وضرورة التراجع عن الحافة
سامح المحاريق يكتب: الاقتصاد والأمن في مصر وضرورة التراجع عن الحافة
- 12 مايو 2023, 3:59:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قام كثير من رهانات القاهرة في توسعها في الاقتراض على أن مصر أكبر من أن تترك للانهيار، وأن دول الخليج ستواصل تقديم الدعم غير المشروط للقاهرة، ولكن التحولات الأخيرة أتت على غير مصلحة العلاقة بين مصر والخليج.
كانت مصر عمقاً استراتيجياً للخليج في مواجهته مع إيران، ولبعض دول الخليج في العلاقة المضطربة مع تركيا، ولم تكن القاهرة تتخيل أن تحدث اختراقات متسارعة لتهدئة طموحة مع الجانب الإيراني، سبقها موسم للتقارب والتعاون مع تركيا، وقبل ذلك، تبدى في مصر أن المرونة تجاه الدخول في مغامرات عسكرية في ظل الأوضاع الدولية السائدة، فنظرية «مسافة السكة» التي تضمنت تعهداً من الرئيس المصري بالتدخل السريع لمصلحة أمن الخليج لم تثبت فعاليتها، واستطالت الحرب في اليمن من غير تدخلات مصرية تثبت جدية تعهدات الرئيس المصري.
الوقت ليس مناسباً لكمون مصري طويل في فترة تحولات عالمية يجب للمنطقة أن تحظى بثمارها بأفضل طريقة ممكنة
المسألة تتخطى بكل تأكيد تفسير زياد بهاء الدين الوزير السابق، الذي ذهب إلى أن صناع القرار في الخليج لا تربطهم بمصر العلاقة العاطفية التي كانت لدى الجيل الذي سبقهم، والذي تربى وتعلم في مصر، على حد تعبيره، وعلى الرغم من أن هذه المقولة تفتقر للدقة على الأقل لدى النظر في السير الذاتية لكثير من القيادات الخليجية، وتخالف واقع قيام الجيل الحالي من القيادات الخليجية بضخ عشرات المليارات في الاقتصاد المصري خلال العقد الأخير. يفترض بمصر أن تحمل نموذجاً خاصاً يمكنه أن يعمل بمعزل عن أي مساعدة خارجية، وهو ترتيب أصبح متغيباً عن الدولة المصرية بعد حرب يونيو 1967 وما تبعها من وجود مساعدات مالية منتظمة يتم تحويلها إلى مصر من أجل تجاوز آثار النكسة، وكانت دول الخليج هي الممول الرئيسي، وتوازى مع ذلك الارتفاع الكبير في أسعار النفط، الذي اعتبرته مصر إحدى الثمار الجانبية للحرب في أكتوبر 1973، متجاهلة أنه كان يقوم على تضحية خليجية كبيرة تزامنت مع العمليات العسكرية. بات واضحاً أن المصريين لن يخوضوا حروباً جديدة، وهذه مسألة كان يجب أن يقرأها الخليج العربي، فمهما كان النفوذ القائم لأي سلطة في القاهرة، فهي ستقف ملياً ومطولاً أمام فكرة المغامرات العسكرية التي يمكن أن ترتبط بصورة جذرية بأوضاع مصر الحالية، وكانت الوقائع في اليمن وليبيا تؤكد ذلك، وخلقت تشككاً خليجياً في وجود ردة فعل مصرية جدية على الأرض في حال تعرضها إلى خطب أمني جلل مثل اعتداء إيراني مباشر، وفي الوقت نفسه، كان الخليجيون يجدون تمدداً كبيراً في المشروعات العملاقة، وتأجيلاً في المشروعات الإنتاجية التي يمكن أن تضع مصر على طريق الاستقلال الاقتصادي والمالي، وهو الأمر الذي لم يعد مفهوماً لأجيال جديدة في دائرة صنع القرار في الخليج، أو حتى مقبولاً لدى المواطنين الخليجيين، الذين يمكن أن يعتبر الكويتيون أكثرهم انفتاحاً على التعبير. الظروف الإقليمية جعلت الشعرة الواهية بين الثقل المصري بوصفه حائطاً استنادياً لمنطقة الخليج، تنقطع بصورة مفاجئة، فتكلفة التفاهم مع إيران والتقارب مع تركيا أصبحت مقبولة قياساً بالعمل على صيانة الحائط المصري، و(إسرائيل) لم تعد تشكل تهديداً تجاه الخليج على الأقل، كما هي التصورات القائمة حالياً، وبذلك فأوراق مصر السياسية التي يمكن تحويلها إلى مكتسبات اقتصادية تتجه إلى النضوب، ويبقى الواقع المصري قائماً بوصفه تحدياً ملحاً يجب مواجهته بصورة عاجلة في معادلة مصرية خالصة.
من يتطلع إلى مشروع كبير مثل القطار الكهربائي المونوريل، سيجد جذور الإشكالية في تفكير مصر الاقتصادي، فالقطار يرتفع على أعمدة مكلفة للغاية وسط مناطق صحراوية لا تعرف ازدحامات مرورية، بما يعني توجيه الموارد بصورة غير حكيمة، تتبدى أيضاً في أسوار العاصمة الإدارية ومرافقها الضخمة، وليست المشكلة في وجود هذه المشاريع، ولكن في التسلسل المقلوب، فيفترض أن تمول العاصمة من ناتج محلي صناعي وزراعي وسياحي، لا أن تصبح مقدمة على تنمية الأصول الإنتاجية، فأي شخص مهما بلغت قلة معرفته الاقتصادية يدرك أن بإمكانه بناء منزل من خلال عوائد تجارته الصغيرة والعكس ليس ممكناً. بداية ترتيب الأولويات تتمثل في الاستجابة للتوصيات الخاصة بالاقتصاد، التي تلقتها مصر سواء من صندوق النقد الدولي، أو الخبراء الدوليين والمحليين، وهو ما يمكن أن يمثل لفتة لاستعادة الثقة في الأداء الاقتصادي ومستقبله، ويجنب مصر الوصول إلى طريق مسدود يخرجها من مصادر التمويل المتاحة، ومن ثم العودة إلى بناء استراتيجية خارجية بالتركيز على ملفي السودان وإثيوبيا، وكلاهما يرتبطان بالأمن القومي المصري في معناه العميق، وبعد استعادة التوازن والحيازة لبعض الأوراق الإقليمية الضرورية لمصر، تتأتى ضرورة إعادة مركزة مصر على المستوى العربي، وهو ما يمثل ضرورة للمصريين والعرب على السواء، لأن أمناً عربياً مستداماً وعابراً للمراحل من غير مصر أمر متعذر ووهم كبير، ومصر من غير المحيط العربي ستفتقد الكثير من أوراقها ونفوذها وقدرتها على حماية مصالحها بعيدة المدى، والقصة ليست تمنناً عربياً على مصر، ولا تفوقاً مصرياً على العرب، ولكنها تمثل مشروعاً ضرورياً للطرفين من أجل مصلحة المنطقة واستقلالها ومستقبلها وراء التفاصيل السياسية العابرة، ومصر بالفعل أكبر من أن تترك للانهيار، وانهيار مصر ليس وارداً تاريخياً من تجارب كثيرة، ولكن الوقت ليس مناسباً لكمون مصري طويل في فترة تحولات عالمية يجب للمنطقة أن تحظى بثمارها بأفضل طريقة ممكنة.