- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
سيلين اتيش تكتب: الاقتصاد لبكين، والسياسة أيضاً.. هل يحمل التقارب العربي-الصيني مصالح للطرفين؟
سيلين اتيش تكتب: الاقتصاد لبكين، والسياسة أيضاً.. هل يحمل التقارب العربي-الصيني مصالح للطرفين؟
- 28 أغسطس 2023, 6:18:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
منذ اندلاع الانتفاضات العربية أواخر عام 2010، كُثِّفَ التعاون الفعَّال بين الدول العربية والصين وزادت سرعته، ما أدى إلى نتائج مثمرة لكلا الجانبين.
ورغم الانفصال الجغرافي الكبير، فإن التقارب بين طريق الحرير البري وطريق التوابل البحري قد ولّد تاريخياً تفاعلاً عميقاً من التبادل الودي بين حضارتين عريقتين.
على مدار العقد الماضي، نُشِّطَت العلاقة الدائمة للتبادلات، مدعومة بالتزام الصين الثابت بنهج دبلوماسية "رجال الأعمال أولاً" الاقتصادية تجاه الجامعة العربية.
وتعمل مشروعاتٌ مثل منتدى التعاون الصيني العربي باعتبارها جوهر الدبلوماسية الاقتصادية الإقليمية التي تنتهجها الصين، والتي تتميز باستقلالها عن التدخل السياسي. وعلى النقيض من المشاركة الحازمة للقوى الغربية وروسيا في الصراعات داخل ليبيا واليمن وسوريا، حافظت الصين على انفصالٍ حذر عن الشؤون السياسية العربية.
رغم ذلك، حافظت الصين والدول العربية على مستوى قوي من المشاركة السياسية. وقد شهد العقد السابق تفاعلات متكررة وكبيرة رفيعة المستوى، ومستويات مرتفعة من الخطاب السياسي، إلى جانب الأهمية التي لا غنى عنها لدبلوماسية رؤساء الدول. وقام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارات متعددة إلى الدول العربية، وألقى خطابات محورية في مقر جامعة الدول العربية.
تنامي التعاون الاقتصادي
علاوة على ذلك، شهد حجم التجارة الثنائية زيادة مضاعفة، مما جعل الصين الشريك التجاري الأول للعرب. وفي عام 2013، احتلت الكتلة العربية المركز السابع بين أهم الشركاء التجاريين للصين، بينما احتلت الصين في الوقت نفسه المركز الأول باعتبارها الشريك التجاري الرئيسي للدول العربية.
الرئيس الصيني شي جين بينغ يصافح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان/ 2018 رويترز
وبالتقدم سريعاً حتى عام 2022، ارتفعت أنشطة الاستيراد والتصدير التراكمية بين الصين والدول العربية الـ22 إلى أكثر من 431.4 مليار دولار، وهو ما يمثل ضعف الأرقام مقارنةً بنصف عقدٍ سابق. إذ أعلنت وزارة التجارة الصينية زيادةً بنسبة 2.1% على أساس سنوي في حجم التجارة بين الصين والدول العربية خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام.
بالإضافة لذلك، نجحت مؤسسات مثل بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد، بإبراز بكين كمصدرٍ رئيسي لقروض التنمية منخفضة الفائدة لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ولعل الطبيعة "الاستراتيجية" لبنية السوق الاستهلاكية في الصين مفيدةٌ بالنسبة للعلاقات الثنائية للصين والدول العربية، حيث تستمر في إثارة الجدل حول ما إذا كان رأس المال الشرق أوسطي يستطيع أن يحل محل الاستثمارات الغربية.
مساعي الاستثمار المتبادل
في أعقاب قمة الصين والدول العربية، شهدت الدول العربية ارتفاعاً ملحوظاً في اهتمامها بالاستثمار في الصين. وخلال الفترة من 2004 إلى 2020، ارتفعت استثمارات الصين المباشرة في الدول العربية من 18 مليون دولار إلى 2.83 مليار دولار.
وقامت الشركات البارزة مثل أرامكو السعودية وصناديق الثروة السيادية، بما في ذلك جهاز أبوظبي للاستثمار، بتوسيع وجودها بسرعة في الصين. وقد برز سوق رأس المال الصيني كنقطة محورية جديدة للاستثمار في صناديق الثروة السيادية العربية. وحصلت كيانات مثل جهاز أبوظبي للاستثمار والهيئة العامة للاستثمار الكويتية على مراكز بين أكبر 10 مساهمين في أكثر من 40 شركة صينية مدرجة في البورصة.
وعلى العكس من ذلك، أصبحت الاستثمارات الصينية في الدول العربية أكثر تنوعاً بشكل تدريجي. وبعيداً عن القطاعات التقليدية مثل صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات، تعمل الشركات الصينية الآن على توجيه الاستثمارات إلى مجالات ناشئة مثل الطاقة الجديدة، والفضاء، والتصنيع المتقدم، والاتصالات، وخدمات الإنترنت، والاقتصاد الرقمي.
علاوة على ذلك، فإن شركة الاتصالات العملاقة هواوي، التي كانت تخسر باستمرار حصتها في السوق في الغرب، توفر الآن شبكات الجيل الخامس للمملكة السعودية وقطر والكويت والإمارات.
السعي إلى الاستقلال السياسي وسط الفراغ الأمريكي
تنظر العديد من الدول العربية إلى فراغ النفوذ الناجم عن الصراع الروسي الأوكراني باعتباره فرصة للتطور إلى ما هو أبعد من حلفائها التقليديين والتحول إلى جهات فاعلة عالمية متكاملة.
تتابع الصين ذلك، وتتخذ مبادرات سريعة، مع الأخذ في الاعتبار تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. فهي تطرح نظاماً جديداً متعدد الأقطاب بديلاً للنظام الذي تقوده واشنطن، والذي تدعي أنه يقود العالم إلى الفوضى.
على سبيل المثال، من خلال التحركات الدبلوماسية، سهَّلت الصين تجديد الحوارات بين المملكة السعودية وإيران بعد انقطاع طويل، مما أدى إلى إعادة تأسيس علاقاتهما بشكل كامل. واتخذت المملكة السعودية وإيران مبادرات دبلوماسية مهمة خلال الفترة التي كانت فيها الولايات المتحدة تحشد قواتها العسكرية في مضيق هرمز، لنقل رسالة عصر جديد.
البريكس تصبح البريكس+
ضمن هذا السياق يمكن فهم لماذا تحرص الصين، على انضمام بعض الدول العربية، إلى مجموعة "البريكس" والتي تضم (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا).
تزعم مجموعة البريكس اليوم، أنها قوة استقرار في التحول نحو نظام اقتصادي جديد أكثر عالمية، نظام قادر على تحدي سيادة الدولار الأمريكي في التجارة العالمية. ومع الاجتماع الذي عُقِدَ في جوهانسبرغ في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس/آب، فإن المناقشة حول هذا الأمر سوف تستمر.
وهذا التأكيد جذاب بشكل خاص للدول النامية، وتلك التي تسعى إلى زيادة الاستقلال الاستراتيجي. حيث إن تجاوز البريكس لمجموعة السبع في الآونة الأخيرة، من حيث حصة الناتج المحلي الإجمالي العالمي والمناقشات الجارية للدول الأعضاء المحتملة في المستقبل، يجعل هذا الاقتراح أكثر إغراءً.
خلال قمة البريكس الخامسة عشرة التي عُقِدَت في جنوب إفريقيا الخميس، 24 أغسطس/آب 2023، أعلنت المجموعة دعوة المملكة السعودية والأرجنتين والإمارات وإيران ومصر وإثيوبيا للانضمام إلى البريكس. وبهذا القرار، سيرتفع عدد الدول الأعضاء في البريكس إلى 11 اعتباراً من العام الجديد.
قادة مجموعةبريكس في جنوب إفريقيا / رويترز
وبعد أن كانت متحالفة بقوة مع الولايات المتحدة، تسعى ممالك الخليج الآن، رغم أنها لا تزال تعتمد إلى حد كبير على الضمانات الأمنية الأمريكية، إلى تحقيق قدر أكبر من الاستقلال الاستراتيجي عن واشنطن.
الجدير بالذكر أن منطقة الشرق الأوسط، التي تلعب دوراً أصغر في المؤسسات التي يقودها الغرب، تحظى بتمثيل جيد بين الأعضاء الجدد، حيث تتولى المملكة السعودية زمام المبادرة.
وقد تدهورت العلاقات الطويلة الأمد بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت الولايات المتحدة أكثر اعتماداً على نفسها في مجال النفط، مما يشكل تحدياً للهيمنة السعودية وأدوات ضغطها.
وبإضافة إيران إلى كتلة البريكس+ الجديدة، إلى جانب الإمارات، يقدَّم عامل سياسي دائم في المجال التجاري لأوبك+. ويعزز هذا الإدراج نفوذ هذا المنافس الجيوسياسي الناشئ على المواد الخام الحيوية.
ومن الواضح أن مصر مناسبة أيضاً لمجموعة البريكس. وهي مكملة لجنوب إفريقيا، حيث إن هاتين الدولتين هما الأكثر ازدهاراً في إفريقيا. وتُعَد مصر هي الجسر بين العالم العربي وإفريقيا.
علاوة على ذلك، كانت الجزائر وبنغلاديش أيضاً مرشحتين واضحتين للانضمام إلى المجموعة. وبنغلاديش عضو بالفعل في بنك التنمية الجديد (المعروف سابقاً باسم بنك البريكس).
إن دخول دول جديدة إلى المجموعة قد يغير التوازنات الجيوسياسية للمجموعة. إذ تشترك بلدان بريكس+ في المطالبة بتوازن اقتصادي وسياسي عالمي متعدد الأقطاب، وهو ما سيسهم أيضاً في تنامي العلاقات الثنائية بين الصين والدول العربية بشكل أوسع.