شيماء المرسي تكتب: الممر الطوراني التهديد الصامت للموقع الاستراتيجي الإيراني

profile
شيماء المرسي باحثة دكتوراة بالشأن الإيراني
  • clock 21 نوفمبر 2022, 4:32:24 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بعد مرور عامين على انتهاء حرب كاراباخ الثانية، أصبح مقترح إنشاء "الممر الطوراني" والمعروف بـ "ممر زانجيزور" على قائمة أعمال حلف الناتو. في حين تراه إيران ممر تخريبي لاستراتيجية موقعها الجغرافي ومحاولة غربية لعزلها الدولي، لهذا السبب تصقل أساليب تدخلاتها في أذربايجان وتضايق جاراتها التركية، لمنع إكمال المشروع.


وفيما يخص تسمية إيران للممر الحدودي الشمالي باسم ممر طوران، فيرجع لنزعة قومية وتاريخية. فاسم طوران وكما جاء في القصص القومية الإيرانية، يشير إلى أرض الطورانين التي استولى عليها طور ابن البطل الأسطوري الإيراني فريدون في حربه ضد الكيانيين -طائفة من ملوك الفرس الأوائل-. أما أرضهم التي استولى عليها الطورانيون فهى بلاد ما وراء النهر، أي من شمال نهر أمودريا (جيجون) إلى السهوب الشاسعة في آسيا الوسطى وجنوب وشرق بحر آرال الذي يقسمه المجرى المائي لنهر أمودريا وسيردريا إلى صحراء قره قوم (التي تغطي معظم أراضي دولة تركمانستان) وصحراء قيزيل التي تتموضع بين كازاخستان وأوزباكستان..


أما تسميته بممر زانجيزور فصاغه الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف. وترى إيران تلك التسمية مغلوطة لأن (مصطلح زانجيزور) يشير إلى مقاطعة سيونيك بمركز كابان جنوبي جمهورية أرمينيا، والتي تمتد على طول حدود أرمينيا مع إيران. أي أن التسمية الإيرانية تعكس رغبة جامحة ومدسوسة في أحقيتها التاريخية لتلك الأراضي وما يحدث ليس سوى انتهاك لحقها المشروع.


جراء هذا الخوف راحت إيران تتهم تركيا وأذربايجان بالتورط في الحرب من أجل التغطية على مخطط إنشاء الممر الحدودي الشمالي، وكان مبررها في أن أذربايجان كان لديها إرادة مستقلة لتحرير كاراباخ خلال 26 عاما الماضية (1994 – 2020) حتى أنها اتخذت اجراءات محدودة وتدريجية على الرغم من معارضة أمريكا وبريطانيا وفرنسا لأي عملية عسكرية. ومع ذلك لم تنفعل على استمرار أنشطة مجموعة مينسك الخاصة بحل نزاع إقليم ناغورني كاراباخ أو وقف الدعاية المعادية لإيران، بل لم ترد بالسلب على مقترح إيران في تحرير الأراضي المحتلة من هذا البلد.


من هذا المنظور، يبدو أن التغييرات النموذجية في نظرة الممثلين للتطورات في أوراسيا، حولت كاراباخ منذ عام 2020 لتصبح شكلًا للمصالحة وأداة لتعزيز رغبات حلف الناتو الجيوسياسية في الشرق، والتي ينصب تركيزها على إنشاء ممر يضرب المصالح الأساسية لإيران وروسيا والصين في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى –البؤرة الجغرافية المتمركزة في قلب العالم- لأنهما المنطقتان الوحيدتان اللتان تشتركان فيهما هذه البلدان الثلاثة.


تركيا هى الأخرى دعمت التحركات العسكرية لأذربايجان في الحدود الشمالية الغربية لإيران، لتصبح بديل التفوق على موازين القوى مقابل هزائمها في الحدود الشمالية السورية والتي كانت إيران سببًا فيها

 

الاندفاع الإيراني الحذر


تعتبر إيران والصين وروسيا الأعداء الرئيسيين لحلف الناتو، وتحالفهما يعني تشكيل نظام إقليمي جديد ضد الغرب. لهذا من المفترض أن يزيل "الممر الطوراني للناتو" الحدود بين إيران وأرمينيا بتسليم مقاطعة سيونيك إلى جمهورية أذربايجان باي شكل ولو بذريعة أنها ممر عبور؛ لأن من خلاله سيتمكنون من توجيه طعنات عميقة تزعزع أمن واستقرار مصالحهم في المنطقة لذلك اعتبرت إيران تلك الخطوة تهديد فعلي لأمنها القومي.


حتى أنها رأت في ارتكاز باكو على المادة التاسعة من اتفاقية وقف إطلاق النار المبرمة 9 نوفمبر 2020، افتقار إلى الصلاحية القانونية؛ والسبب هو تعارضها مع المادة السادسة من الاتفاقيات الست التي دعت صراحة إلى إنشاء ممر لاتشين الجبلي بعرض 5 كيلومترات بين كاراباخ وأرمينيا. في حين اقترح في المادة التاسعة والعاشرة إعادة فتح وإنشاء خطوط نقل اقتصادية -لم يتم تحديد موقعها إلى الآن-، ومن الممكن أن يكون هذا الطريق بديلًا لجنوب أرمينيا من ناحية مقاطعة قازاخ في شمال أذربيجان الواصلة بطريق يربط بين أرمينيا وجمهورية نخجوان. 


وتعول إيران على حجتها نتيجة اعتقادها أن خطوط النقل الاقتصادية لن تخضع سيادتها لحكم باكو المطلق وإنما لحكم الدول المضيفة. خاصة وأن تمثيل ممر لاتشين بممر زانجيزور وما يرافقه من ابتزاز نفسي وإعلامي واسع وضغوط سياسية وعسكرية من جانب باكو إلى يريفان يعد انتهاك قانوني آخر. أما حقيقة وجود صله بين النظام القانون لممر لاتشين مع كاراباخ والذي يتمحور حول منح الحكم الذاتي لكاراباخ –وافقت عليه أذربيجان سابقا في قمة لشبونة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا 1996- غير صحيح، فقد تغير موقف باكو الآن، ورفض الرئيس الأذربايجاني منح أي حقوق قانونية لكاراباخ. زيادة على ذلك، تركيزه على مسألة غلق الحدود بين إيران وأرمينيا عبر إنشاء "الممر الطوراني للناتو"

 

التداعيات الجيوسياسية للممر الحدودي

 

مشروع إنشاء "الممر الطوراني" أضحى مسألة تهدد التغير الجيوسياسي لحدود إيران مع أرمينيا. وهذا يفسر السبب وراء الهجوم الإيراني على الموقف الأذربايجاني المدعوم من تركيا المكافحة لحفظ مصالحها التجارية والاقتصادية، إلى جانب انحيازها لأرمينيا، ونشرها قوات وأسلحة ثقيلة على حدودها مع أذربايجان وأرمينيا. في خضم تلك الوتيرة القلقة، حصرت إيران مخاطر إنشاء الممر الحدودي على أربع مستويات تثير حذرها وترقبها على النحو الآتي:


أولًا: ممرات العبور والنقل


في إطار الممر الطوراني الحدودي ستقوم أنقرة بإنشاء "ممر اللازورد" من تركيا إلى القوقاز وأسيا الوسطى وأفغانستان وصولًا إلى ميناء جوادر بباكستان في مقابل إضعاف وتهميش ممرات العبور الأربعة: (الحزام والطريق، ممر الشمال – الجنوب، الممر الواصل بين الخليج العربي إلى البحر الأسود، ممر إيكو الشرقي – الغربي". ولأن أفغانستان كانت ضمن الأهداف التركية أصرت الأخيرة مع أذربايجان على عضوية مراقب لأفغانستان باللغتين الدرية والبشتو في مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية. 


أما ما يزيد خطر الممر هو الدعم الأمريكي وحلف الناتو له، نظرًا لكونه وسيلة فعالة لإفشال المشروع الصيني الروسي في تطوير خطوط السكك الحديدية والتي تربط روسيا بأوكرانيا وبيلاروسيا وبولندا وبين الدول الواقعة على طول الحزام والطريق وبين قارتي أسيا وأوروبا. ولعل هذا أحد الأسباب التي أزعجت أمريكا ودفعتها إلى استفزاز روسيا وتوريطها في حرب بالإنابة مع أوكرانيا هذا من ناحية. من ناحية أخرى منع إيران من استغلال مشروع الممر الشمالي – الجنوبي عبر الموانئ الجنوبية لها في الخليج العربي وخليج عُمان؛ لتصبح أقرب ممر عبور لدول أسيا الوسطى إلى المحيط الهندي والمياه الدولية.


ثانيًا: مجال الطاقة


من المقرر أن ينقل الممر الحدودي الجديد الغاز من أوزباكستان وكازاخستان وتركمانستان إلى باكو عبر بحر قزوين. بما في ذلك ربطها مع خطوط أنابيب نقل الغاز من جنوب القوقاز وتاناب وتاب معًا إلى باكو -أي إعادة تفعيل مشروع نابوكو ولكن بصورة جديدة-، وبذلك لن يكون لأوروبا حاجة جادة للغاز الروسي عبر خطوط نورد ستريم الاستراتيجية وخطوط إيران. ما سيضعف القدرات الجيوسياسية لروسيا وإيران في مجال الطاقة، فضلًا عن مواجهة الصين لمشاكل توفير مصادر الطاقة التي تحتاجها من أسيا الوسطى ولاسيما من دولة تركمانستان. لهذا يسعى مؤيدي المشروع إلى إقرار النظام القانوني لبحر قزوين في البرلمان الإيراني، ليُسمح من خلاله بناء أنابيب للطاقة في قاع بحر قزوين.


ثالثًا: الجانب العرقي


سيخلق الممر الطوراني موجة عرقية واسعة قائمة على الترويج للبانتركيزم ضد القومية الأذرية والتركمانية في إيران ومناطق الأويغور في الصين والمناطق التتارية في روسيا بالاعتماد على الفكر الأيدولوجي القومي للبانتركيزم التي تقوم على اتحاد جميع الأشخاص المنحدرين من أصل تركي أو من يتحدثون التركية، في أمة واحدة وتحت جناح حكومة واحدة ومستقلة في مناطق الأذريين والتركمان والتتار والأويغور.


رابعًا: توسيع الناتو


مع تزايد رغبة الناتو في توسيع منطقة نفوذه في الشرق، جعل من منطقة القوقاز وأسيا الوسطى مرمى جديد لأهدافه؛ ليتمكن من خلاله الوصول إلى حدود شينجيانغ الصينية وتطويق الحدود الشمالية لإيران وجنوب روسيا، وغرب الصين. علاوة على أنه فرصة لتعزيز نشاط منظمة مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية وإنشاء ما يسمى بالناتو التركي ليكون امتداد غير مباشر لأذرع الناتو في وسط أسيا.


خاتمة 


جملة ما أعلاه، أن هنالك حراك غربي في تقويض إيران وتهميش لطبيعة وسياسة وأمنية وجيوسياسية موقعها الجغرافي لردعها عن أي ممارسات قد تكون حائلًا بين مصالحهم في الشرق علاوة على تزايد فعالية العقوبات التي تحاول إيران جاهدة الالتفاف حولها، بالتوازي مع محاولات كسب صداقة روسيا والصين لتكون منقذ لها من ضغط أمريكا وأوروبا. ولعل هذا يؤكد سبب تهديد الجانب الغربي إيران بالعزل الدولي إذا ما استمرت في توسيع مشروعها النووي ومحاولاتها الانفلات والتوسع الإقليمي والدولي.

التعليقات (0)