شيماء المرسي تكتب: تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، ما هى الدوافع والتبعات؟

profile
شيماء المرسي باحثة دكتوراة بالشأن الإيراني
  • clock 25 فبراير 2023, 4:34:49 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

برغم مصادقة البرلمان الأوروبي على قرار إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة التنظيمات الإرهابية، لا يمكن اعتباره إجراءاً نهائياً؛ لما يتبعه من خطوات يتحتم على الاتحاد الأوروبي اتخاذها أولاً. لاسيما وأن تصنيف مؤسسة عسكرية رسمية لدولة عضو في الأمم المتحدة كمنظمة إرهابية ليس بالأمر البسيط والعادي. ومع اتخاذ أوروبا موقفاً أكثر تحفظاً تجاه الجمهورية الإسلامية مقارنة بالولايات المتحدة وإسرائيل؛ تزداد تعقيدات هذا القرار.

دوافع أوروبا لخنق إيران

أولا: أزمة الطاقة

مع تصاعد حدة التوتر بين إيران والغرب، بعدما وصلت المفاوضات النووية إلى مفترق طرق مسدود من جهة، وتلويح إيران بدعمها العسكري المباشر لروسيا، وتزويدها بمسيرات لاستخدامها في عمليتها الخاصة في أوكرانيا من جهة أخرى؛ ازدادت الخطابات العدائية الأوروبية المندّدة بالسلوك الإيراني، وباتت أوروبا تنظر لإيران كشيرك متواطئ في أزمة الطاقة التي اجتاحت اقتصاداتها. خاصة وأن إيران وقعت مذكرة تفاهم مع غازبروم الروسية؛ لتنفيذ مشروعات في صناعة النفط الإيرانية  -هى الأولى من نوعها- تقدر بنحو 40 مليار دولار.

ومع ذلك، ترى إيران في نفسها فرصة لأوروبا لضمان إمدادات الغاز ضد الحظر الروسي، لكن المشكلة هنا تكمن في أن أوروبا لا ترغب بشراء الغاز من الحكومة الإيرانية؛ كونها طرفاً في العداء الروسي ضد أوروبا. بالإضافة إلى ضرورة إلتزامها بالسياسات الأمريكية العقابية تجاه إيران، ومنعها من الحصول على نقد أجنبي حتى يظل السوق الإيراني يعاني من شح العملات الأجنبية، وتدهور سعر الصرف؛ وبالتالي أزمات اقتصادية، وصراعات داخلية متتابعة تحول دون زيادة نفوذ إيران الإقليمي، أو حتى الدولي.

ولا نغفل أن تصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا يتطلب استثماراً كبيراً؛ لتنشيط طاقة استخراج الغاز الإيراني المعلق. أما تحقيق سياسة الاستثمار الأوروبي، فيتطلب وجود توافق في النظام السياسي بينها، وبين الدولة المصدرة لها، وهو أمر يصعب تحقيقه مع سياسات الجمهورية الإسلامية؛ لهذا السبب تُزيد أوروبا من عدائيتها، ورفضها الدولي لنظام الحكم في إيران، إنطلاقاً من مؤسساتها العسكرية المتمثلة في “الحرس الثوري”، وإضعافها تدريجياً.

ثانيا: تماسك النظام برغم العقبات

لاقت سلسلة الاحتجاجات التي اندلعت سبتمبر 2022، وعُدت أطول احتجاجات مناهضة للحكومة في إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، انحساراً، وحمالات قمع دامية سواء بالاعتقالات والتشديدات الأمنية في عموم إيران، أو بتسليط عقوبات الإعدام، وتنفيذها حتى الآن في 4 مُدانين. ومع ذلك، وبرغم الإدانات الدولية الواسعة لا تزال الحكومة الإيرانية مستمرة في حملاتها القمعية.

في المقابل، تعتبر إيران التأييد الغربي للمعارضة الإيرانية، حرباً باردة جديدة لإسقاط النظام. أي إعادة لكرّة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي؛ من أجل هذا يحزم النظام كل عتاده لمواجهة الصراع الداخلي، وإحباط المحاولات الغربية الساعية لتقويضه. ما يشير إلى أن قرار إدراج الحرس الثوري في قائمة التنظيمات الإرهابية لم يكن مفاجئاً كمل خُيل للبعض، بل على العكس سيكون ذلك الإجراء العقابي ذريعة إيران لردود فعل أكثر استفزازاً.

إضافة إلى هذا، توسع الفجوة الاستراتيجية بين إيران وأوروبا من ناحية، وزيادة التقارب الإيراني الروسي في المجالات كافة من ناحية أخرى، والتي بدأت تؤتي ثمارها في العلاقات التجارية بين البلدين، حيث ارتفعت التجارة بينهما بأكثر من 40% بالروبل الروسي الشهر الماضي؛ ما يعني مزيداً من تجاوز القيود الناجمة عن العقوبات في المجالين النقدي والمصرفي. خاصة وأن روسيا وإيران تبحثان حاليا تطوير عملة مستقرة مشتركة مدعومة بالذهب، وفقا لموقع “فينبولد”.

الرد الإيراني المحتمل

بعدما تبنى البرلمان الأوروبي قرار اعتبار الحرس الثوري منظمة إرهابية، وفرضه عقوبات جديدة عليه؛ وزير الخارجية الإيرانية “أمير عبد اللهيان” يلوح بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النوويNPT ، أو حتى طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من منشآت إيران النووية؛ كإجراء مضاد يتخذه البرلمان الإيراني، ويطرحه لمصادقة الحكومة الإيرانية.

ويبدو من ذلك، أن وزير الخارجية الإيرانية قد أعطى الاتحاد الأوروبي مُهلة ليتراجع عن قرار برلمانه العقابي ضد الحرس الثوري قبل أن ترد بلاده بإجراء يُزيد حدة التوتر والصدام بينهما. أما إثارة الملف النووي بالتزامن مع قرار البرلمان الأوروبي؛ يؤكد أن تلك الخطوة جاءت كورقة ضغط للعودة إلى طاولة المفاوضات النووية، والتسريع من إعادة خطة العمل الشاملة المشتركة المبرمة عام 2015.

ولا شك أن العودة إلى الاتفاق النووي على جدول الأعمال الحالية لأوروبا مقارنة بأي قضية أخرى؛ لأن أوروبا المتورطة في الحرب الأوكرانية تحتاج إلى السيطرة على مستوى التوتر في علاقاتها مع الدول الأخرى، بما في ذلك روسيا وإيران. خصوصاً وأن التعاون العسكري الإيراني الروسي يثير المخاوف الأوروبية؛ لهذا تسعى إلى تحجيمه بشتى الوسائل الممكنة، وبما أن مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” كان يحاول تهدئة إيران، بينما الاتحاد الأوروبي يُفعل آلياته الدبلوماسية للضغط عليها، وعلى مؤسساتها العسكرية. جاء القرار الأخير كإجراء خانق ضد المماطلة الإيرانية فيما يخص الاتفاق النووي.

خاتمة

جملة ما أعلاه، أن الإجراءات الغربية الأخيرة، من دعم المعارضة الإيرانية، وطرد إيران من هيئة الأمم المتحدة لحقوق المرأة، وإحالة ملف انتهاكات حقوق الإنسان في إيران إلى مجلس الأمن، والرسوم المسيئة للمرشد الإيراني “علي خامنئي” على صفحات مجلة شارلي إيبدو الفرنسية؛ وصولاً إلى تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية؛ تؤكد المساعي الغربية لمساومة إيران بين التوقف عن سياستها العدائية، أو ممارسة مزيداً من الضغط لردعها مقابل العودة إلى الاتفاق النووي.         

ولأن إيران تدرك حقيقة التحايل الأوروبي ضدها؛ ردت بموقف تصعيدي يكشف نيتها في رفض الرضوخ للسيناريو الغربي المعني بالاتفاق النووي. لاسيما وأن مواقف الولايات المتحدة وإسرائيل بالاستعداد لتحجيم النفوذ الإيراني، ومنعها دون امتلاك قنبله نووية، بالتزامن مع مطالبة الجيش الإسرائيلي بزيادة موازنته العسكرية بنحو 2.84 مليار دولار؛ بهدف مواجهة إيران. كذلك إنطلاق مناورة Juniper Oak 23 للجیش الإسرائيلي مع القيادة المركزية للولايات المتحدة، لاختبار مدى الجاهزية الإسرائيلية الأمريكية المشتركة؛ كلها مؤشرات على الاستفزاز المتعمد للغرور الإيراني، وذلك لزيادة عدائيتها في التصعيد؛ وبالتالي الترويج لفوبيا إيران، وضرورة التصدي لها.

التعليقات (0)