- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
عبد العزيز عاشور يكتب : تجنيد الشباب للجماعات المتطرفة
عبد العزيز عاشور يكتب : تجنيد الشباب للجماعات المتطرفة
- 24 أبريل 2021, 10:58:18 م
- 1004
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ثمانينات وتسعينات القرن الماضى كنت قد اعتدت طوال سنوات على قضاء الأيام العشرة الأخيرة من رمضان بالحرم المكى ..
ومع تكرار الأمر أصبح هناك مكان معلوم فى الدور الثانى من المسجد الحرام أعتكف فيه دوما بحيث لو أراد أى من الأصدقاء أن يرانى عند وجوده بالحرم لأمكنه ذلك بكل يسر رغم الزحام الشديد
رمضان الذى وافق ١٩٩٢ ..
وفى الليلة قبل الأخيرة جاء شاب يبدو أنه مصرى وإن كانت عيونه زرقاء ..
شاب طويل القامة قوى البنيان عظيم اللحية ..
ألقى التحية واستأذن وجلس ..
بعد فترة قصيرة تم التعارف بيننا ..
اسمه عبدالرحمن ( ولا اذكر بقية الاسم )..
من محافظة الغربية بدلتا مصر ..
جاء لأداء العمرة منتويا التخلف عن العودة فى الموعد المحدد والإختباء فى مكة بعيدا عن عيون الأمن حتى يحين موعد الحج ..
ابتسمت لسماعى كلامه ..
انت متخيل يا اخ عبدالرحمن انك بجسمك الطويل ده ممكن تستخبى ممن هم أقل منك طولا عادة ؟
أمال أعمل ايه ؟
قلت له خليك قاعد معانا وان شاء الله صباح العيد تسافر معى الى مدينة جده ..
وسأستضيفك خلال اسبوع العيد ثم أدبر لك عملا مع أحد الأصدقاء السعوديين خلال هذين الشهرين ومن بعدها يتم تدبير رحلتك للحج ..
المهم ان الشاب فعلا ذهب معى الى بيتى ..
وكان البيت يسمح باستضافته فقد كان هناك مكان منفصل مستقل للضيوف بالفيلا التى أسكنها ..
خلال العيد توطدت العلاقة وبدأ يحكى لى عن عمله ..
كان بالقوات الجوية المصرية برتبة مساعد ( صول )
والآن هو يعمل بائعا متجولا يبيع المسابح والعطور وأعواد الأراك ( السواك ) أمام محطة قطارات طنطا ..
ما هذا التحول من وظيفة مهمة الى بائع متجول .. ؟
قال : لذلك قصة سأرويها لك ..
كنت فى السبعينات قد انضممت الى جماعة التكفير والهجرة ..
وتم القبض على فى واقعة مقتل الشيخ الذهبى وزير الاوقاف الاسبق ..
وتمت ادانتى وحكم على بالحبس لمدة اربعة اعوام ..
وطبعا تم فصلى واحالتى للتقاعد وبعد قضاء عقوبتى لم أجد سوى هذا العمل الذى أصبح محببا الى نفسى ..
يااااااه يا عبدالرحمن ..
تكفير وهجرة مرة واحدة ؟
احكى لى بقى بالتفصيل الممل ..
وبعد الحكايات التى حكاها سألته ..
قل لى بصراحة ازاى بتعرفوا تجندوا الشباب وتقنعوهم يعملوا عمليات قتل وتخريب فى أهاليهم ؟
شوف يا حاج ..
التركيز دايما على الشباب صغار السن ..
يعنى فى سن المراهقة ..
داخل ع الالتزام الدينى جديد وبيواظب على الصلاة فى المسجد ومتحمس للتقرب الى الله ومعلوماته قليلة ان لم تكن معدومة ..
وبعدين ..؟
وبعدين نبدأ نتكلم معاه ..
يا بنى ألم تقرأ قول الله تعالى :
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
يقول طبعا ..
طيب يا ابنى .. وهل حسنى مبارك يقيم شرع الله ويحكم بما أنزل الله ؟
يقول طبعا لأ ..
يبقى مسلم واللا كافر ؟
يبقى كافر يا مولانا ..
طيب يا ابنى .. ألم تقرأ قوله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً )
وقوله تعالى :
( وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً )
ايوه يا مولانا ..
يبقى واجب نقاتله ونقتله واللا نسيبه فى حاله يحول البلد كلها للكفر زى ما هو كافر ..
طبعا نقاتله يا مولانا ..
طيب نقاتله ازاى واحنا مش طايلينه وفيه ناس حواليه بيحموه ؟
نبقى نخلص من اللى حواليه الأول يا مولانا ..
انت جاهز يا ابنى ؟
برقبتى يا مولانا ..
طبعا يا حاج زى ما انت عارف الشاب المراهق ده قليل العلم والمعلومات ..
ولا يعرف سياق الآيات ولا فى أى شيئ وأى مناسبة نزلت ..
ولذلك فهو ينفذ فورا ما يؤمر به طائعا مختارا مقبلا وبكل أريحية ..
بعد كام يوم ومع انتهاء عطلة العيد أخدت عبدالرحمن لواحد من اصدقائى وافق انه يشتغل إمام لمسجده الخاص حتى يحين موعد الحج وتكفل بأخذه معه لأداء الفريضة ..
أصدقكم القول ..
بعد كام يوم كنت فى زيارة عمل لصديقى السعودى ..
حان وقت صلاة المغرب ..
دخلنا لنصلى ..
لولا أننى أعلم ان الإمام هو الاخ عبدالرحمن لتخيلت من عذوبة صوته فى القراءة ان عبدالحليم حافظ قد بعث ووقف يؤمنا فى الصلاة فما أشبه الصوتين ببعضهما ..
كان يقرأ سورة التكاثر وهى من قصار السور ..
لم يصل الى نهايتها حتى وجدتنى أبكى فى صلاتى من خشوعه وعذوبة صوته ..
أدركت حينها كيف كان يبسط سلطانه على الشاب الغرير حديث السن ..
العجيب ان ما كان يفعله الاخ عبدالرحمن ورفاقه هو ذاته ما يتم فعله حاليا مع اختلاف الوسائل والاساليب ..
وربما تجد بعضا من ذلك فى مساجدنا ودروس مشايخنا ولو بطريقة غير مباشرة وفى أغلب الأحوال دون قصد مسبق ..
فهل ننتبه لأبنائنا ؟
وهل ينتبه القائمون على مساجدنا ومعاهدنا العلمية وما يلقى وما يتلقى فيها ومنها ؟
الإرهاب لن يقضى عليه أمنيا ما لم يتم تجفيف منابعه ..
وأول خطوات التجفيف رفع مستوى الوعى المجتمعى الذى لن يتأتى الا بتحسين ورفع مستوى التعليم ..
والحرص على تقديم رسالة إعلامية رصينة محترمة ..
مع إشراف حقيقى على المساجد وما يقدم فيها للعامة فى الخطب والدروس ..
ابحثوا عن المنابع وجففوها اولا وثانيا واخيرا ..