عبد الله مثنى يكتب: تأثير السوشيال ميديا على الثقافة الشعبية

profile
عبد الله مثنى كاتب وصحفي عراقي
  • clock 30 يونيو 2024, 12:44:04 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تشكل وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للملايين حول العالم، وقد أحدثت هذه المنصات الرقمية تحوّلات جذرية في طريقة تفاعلنا وتواصلنا وتعبيرنا عن أنفسنا. وتمتد هذه التحولات إلى المجال الثقافي أيضاً، حيث أصبحت السوشيال ميديا منصة لإنتاج وتداول وتأويل المضامين الثقافية بشكل غير مسبوق.

 

فقد أتاحت هذه المنصات فرصاً واسعة للمشاركة والتفاعل مع المحتوى الثقافي، فأصبح بإمكان الأفراد والمجموعات نشر ومشاركة إبداعاتهم وممارساتهم الثقافية بطرق لم تكن ممكنة من قبل. وهذا أدى إلى زيادة تداول الأفكار والأنماط الثقافية وانتشارها بوتيرة غير مسبوقة، ما عزز الحوار والتفاعل الثقافي عبر الحدود الجغرافية والسياقات الاجتماعية.

 

كما ساهمت السوشيال ميديا في ظهور أنماط ثقافية جديدة، بما في ذلك تطوير لغات وتعبيرات مشتركة وممارسات ثقافية رقمية متنوعة. فقد أصبح بمقدور الأفراد والمجموعات المختلفة التعبير عن هوياتهم وممارساتهم الثقافية بطرق جديدة عبر هذه المنصات، مما أسهم في تشكيل ثقافات فرعية متنوعة وأنماط هوياتية متعددة.

 

ومن جهة أخرى، ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز الثقافة المشاركة والإبداع الجماعي. فأصبح بإمكان المستخدمين التفاعل مع المحتوى الثقافي وإعادة إنتاجه وتطويره بطرق جديدة. كما ظهرت ممارسات إبداعية جماعية، كالمشاريع التشاركية والفنون التفاعلية، التي استفادت من إمكانات التواصل والتعاون المتاحة عبر هذه المنصات.

 

وعلى الرغم من هذه الفرص المتاحة، فقد ظهرت تحديات وقضايا مثيرة للجدل حول تأثير السوشيال ميديا على الثقافة الشعبية. فقد برزت مخاوف بشأن انتشار المحتوى السيئ والدعاية المضللة عبر هذه المنصات وتأثيرها السلبي على الثقافة والمجتمع. كما طرحت تساؤلات حول دور وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الواقع الثقافي والاجتماعي، وانعكست على قضايا الخصوصية والأمن السيبراني وضرورة وضع معايير أخلاقية تنظم التفاعلات الرقمية.

 

لذلك، يتطلب الأمر تضافر جهود الجهات المعنية؛ من منظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية والشركات التقنية؛ لإدارة التأثيرات الإيجابية والسلبية لوسائل التواصل الاجتماعي على الثقافة الشعبية. وذلك من خلال تعزيز التوجيه والتوعية والبناء على المميزات التي قدمتها هذه التقنيات للمجال الثقافي، مع الحد من المخاطر والتحديات المصاحبة.

 

فمن خلال استثمار إمكانات السوشيال ميديا في تعزيز التفاعل والتواصل الثقافي، وإيجاد الحلول للتحديات الناشئة، يمكن أن تساهم هذه المنصات في تطوير الثقافة الشعبية وتطورها بطرق جديدة ومستدامة. وستظل هذه العلاقة المتبادلة بين التواصل الرقمي والمجال الثقافي موضع اهتمام ونقاش مستمر، تماشياً مع التغيرات المتسارعة في عالم التكنولوجيا والإعلام.

 

وفي هذا السياق، تبرز أهمية تشجيع التنوع الثقافي وتعزيز الحوار بين الثقافات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فهذه المنصات قد تساعد في إتاحة المجال لتمثيل وجهات النظر المختلفة، وتعزيز التفاهم والتسامح بين الثقافات المتباينة. كما يمكن أن تكون مساحة للتعبير عن الهويات الفردية والجماعية بطرق إبداعية وابتكارية.

 

بالإضافة إلى ذلك، تبرز الحاجة إلى تطوير مهارات المواطنة الرقمية وتعزيز الوعي بالآثار المترتبة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. فذلك قد يساعد في توجيه المستخدمين نحو التعامل مع المحتوى الثقافي بطريقة مسؤولة وأخلاقية، وتجنب الانخراط في ممارسات ضارة أو مضللة.

 

كما تستدعي هذه التطورات إعادة النظر في دور المؤسسات الثقافية التقليدية، مثل المتاحف والمكتبات والمراكز الثقافية، في ظل المنصات الرقمية. فقد أصبح بإمكان هذه المؤسسات الاستفادة من إمكانات وسائل التواصل الاجتماعي لتوسيع نطاق الوصول إلى الجمهور وتعزيز مشاركتهم في الأنشطة والخدمات الثقافية. وهذا بدوره قد يسهم في إعادة تشكيل دور هذه المؤسسات في المجال الثقافي المعاصر.

 

في الختام، تتجلى العلاقة المعقدة بين وسائل التواصل الاجتماعي والثقافة الشعبية في كونها علاقة تفاعلية وديناميكية. فهذه المنصات قد تؤثر على الثقافة وتتأثر بها في الوقت نفسه، مما يستدعي جهود متضافرة لإدارة هذه التأثيرات بطريقة إيجابية ومستدامة. وستظل هذه القضايا موضع نقاش وبحث مستمر، نظراً لاستمرار التطور التكنولوجي والرقمي وتأثيره المتزايد على حياتنا الثقافية والاجتماعية.

 

التعليقات (0)