- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
علاقات مصر وتركيا.. التطبيع مصلحة ثنائية وإقليمية
علاقات مصر وتركيا.. التطبيع مصلحة ثنائية وإقليمية
- 13 أبريل 2023, 10:32:24 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
سلط علي بكير الزميل غير مقيم في مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط، التابعة لمؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية، الضوء على تطبيع العلاقات مع مصر من منظور تركيا، مشيرا إلى زيارة وزير الخارجية المصري إلى تركيا، المقررة الخميس.
وذكر بكير، في تحليل نشره بموقع "المجلس الأطلسي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قام، في 18 مارس/آذار الماضي، بأول زيارة من نوعها إلى القاهرة منذ عقد، وذلك بعد زيارة قام بها نظيره المصري سامح شكري، إلى مدينة مرسين التركية في 27 فبراير/شباط الماضي.
وأضاف أن وزير الخارجية التركي ناقش، خلال زيارته مصر، العديد من ملفات العلاقات الثنائية، واتفق الجانبان في مؤتمر صحفي مشترك، في ختام الزيارة، على رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفراء.
وفي تسليط للضوء على أهمية استعادة العلاقات، أشار جاويش أوغلو إلى أن "هناك إمكانات هائلة غير مستغلة" لنمو العلاقات، وعلى الجانبين "العمل بجدية أكبر لسد فجوة التسع سنوات".
وكانت العلاقات بين تركيا ومصر قد تدهورت بشكل كبير في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث، محمد مرسي، عام 2013.
ورفض الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الاعتراف بشرعية النظام الجديد بقيادة الجنرال، عبدالفتاح السيسي، وظل متحديًا له على الرغم من التطبيع الغربي مع الزعيم الجديد.
ومنع موقف أردوغان من السيسي عدة محاولات لتقارب أنقرة مع القاهرة خلال العقد الماضي. ومع ذلك، فإن العديد من الأحداث الحاسمة في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك وفاة مرسي عام 2019 أثناء سجنه، واتفاقية العلا لعام 2021، وبداية حقبة ما بعد الانتفاضات العربية، اقتضت نهجًا مختلفًا.
الطريق نحو التطبيع
وبحسب بكير، فإن تركيا بدأت في مغازلة مصر، في منتصف عام 2020، بناءً على المصالح المتبادلة في ملفين أساسيين: شرق المتوسط وليبيا.
فمن المنظور التركي، كانت الديناميكيات الجيوسياسية والاقتصادية لمصر مناسبة لمثل هذه الخطوة، ما سمح لأنقرة بالاقتراب من القاهرة من موقع قوة.
وأحد الأمثلة البارزة لذلك تمثل في تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري، المثير للدهشة، والذي أقر فيه ضمنيًا بأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا كانت لصالح القاهرة، على الرغم من معارضة مصر العلنية للصفقة.
ونقل موقع "مدى مصر" آنذاك عن مسؤول مصري أن المسؤولين في وزارة الخارجية وجهاز المخابرات العامة كانوا يضغطون على السيسي من أجل قبول هادئ للاتفاق مع تركيا، لأنه يمنح مصر امتيازًا بحريًا كبيرًا.
وبناءً على ذلك، كانت رسالة المسؤول التركي الأعلى هي أن النهج القائم على المصلحة سيفيد كلا من تركيا ومصر في ليبيا وشرق البحر المتوسط، ويجعل فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين ممكنًا.
في ذلك الوقت، خسرت مصر مواجهتين إقليميتين كبيرتين: الأولى مع تركيا في ليبيا بعد هزيمة الجنرال خليفة حفتر، الذي تدعمه القاهرة، والأخرى مع إثيوبيا على مياه النيل.
وخلقت اتفاقيات إبراهيم بين الإمارات وإسرائيل شعوراً بزيادة تقليص دور مصر الإقليمي، ما دفع أنقرة للتواصل مع القاهرة.
وقدمت اتفاقية العلا، في عام 2021، التي أنهت نزاع مجلس التعاون الخليجي مع قطر، ورئاسة جو بايدن للولايات المتحدة، ديناميكيات جديدة للمنطقة، حيث ركز اللاعبون الإقليميون على التواصل مع بعضهم البعض، وتهدئة التوترات، وزيادة التفاعلات الاقتصادية.
وسهلت هذه البيئة الجديدة التقارب التركي المصري ليتم إغلاق الملفات الإشكالية وفتح فصول جديدة مع الدول ذات العلاقات غير المستقرة، بحسب بكير.
بطيئة لكنها ثابتة
ونتيجة لذلك، شهد عام 2021 الانطلاق الرسمي لعملية التقارب بين أنقرة والقاهرة. ولتوفير البيئة اللازمة لإجراء هذه المحادثات، عدلت وسائل الإعلام التركية موقفها تجاه الحكومة المصرية، وطالب مسؤول تركي المعارضة المصرية في تركيا بالتكيف وفقًا للوضع الجديد.
وفي أبريل/نيسان 2022، أظهر جاويش أوغلو تفاؤلاً بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك ليقترح إمكانية عقد اجتماع على المستوى الوزاري.
وبعد شهرين، قام وزير الخزانة والمالية التركي نورالدين نبطي، بأول زيارة رفيعة المستوى لوزير تركي إلى مصر منذ 9 سنوات.
ويرى بكير أن التقدم على صعيد التطبيع التركي المصري كان بطيئا، لكنه كان ثابتا ومطردا، غير أن عملية التقارب واجهت عقبة جديدة في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
فوفقًا للمسؤولين الأتراك، استخدم المصريون صفقة الطاقة التركية الليبية كذريعة لوقف عملية التطبيع الهشة. ومع ذلك، فإن لقاء قصيرا ومصافحة بين أردوغان والسيسي خلال مونديال قطر 2022 أعاد التطبيع إلى المسار الصحيح.
ويشير بكير، في هذا الصدد، إلى أن عملية التطبيع بين تركيا ومصر اكتسبت زخمًا مرة أخرى لسببين رئيسيين: المشاكل الاقتصادية الهائلة في مصر، والزلزال المدمر الذي ضرب تركيا.
ومن وجهة نظر تركية، يعني الانهيار الاقتصادي للقاهرة والتوتر مع داعميها الماليين السابقين، مثل السعودية، أن مصر بحاجة إلى زيادة تفاعلاتها الاقتصادية والمالية والتجارية مع الدول الأخرى قدر الإمكان من أجل التخفيف من حدة الوضع الاقتصادي، ومنع حدوث انفجار اجتماعي، والاستعداد للانتخابات الرئاسية في عام 2024.
كما أن الزلزال المدمر أدى إلى رفع التكاليف الاقتصادية والمالية للحكومة التركية، حيث تقدر فاتورة إعادة الإعمار بحوالي 104 مليارات دولار.
ويأتي هذا التطور قبل أقل من شهرين من الانتخابات الحاسمة، حيث يتعين على أردوغان وحزبه مواجهة جبهة معارضة موحدة للمرة الأولى منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002.
دبلوماسية الكوارث
وبصرف النظر عن حقيقة أن التطبيع بين تركيا ومصر هو جزء من عملية أوسع لخفض التصعيد بين مجموعة من الدول الإقليمية، فإن المنطق الكامن وراءه يحمل عديد الفوائد من منظور أنقرة، حسبما يراه بكير.
فعلى المستوى الاقتصادي، هناك إمكانات اقتصادية ضخمة غير مستغلة من التعاون التجاري بين تركيا ومصر، إذ تجاوز حجم التجارة الثنائية بين البلدين عتبة 5 مليارات دولار لأول مرة، عام 2018، وذلك على الرغم من العلاقات السياسية المريرة بين الثنائي. وبعد فترة وجيزة، برزت مصر كأكبر شريك تجاري لتركيا في شمال أفريقيا.
وانتهى عام 2022 بتسجيل رقم قياسي جديد في التجارة الثنائية بين تركيا ومصر. وفي نهاية عام 2022، ارتفع حجم التجارة الثنائية من 6.7 مليار دولار في عام 2021 إلى 7.7 مليار دولار.
وخلال ذلك العام، سجلت صادرات مصر إلى تركيا رقما قياسيا قدره 4 مليارات دولار، بزيادة سنوية قدرها 32% عن العام السابق.
وفي نهاية عام 2021 وبداية عام 2022، أصبحت تركيا أكبر مستورد للغاز المصري، ما يوفر عملة أجنبية ثمينة لخزينة القاهرة.
ومن وجهة نظر تركية، فإن اتفاقًا بين تركيا ومصر بشأن ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط وليبيا من شأنه أن يخلق وضعا مربحا لكلا البلدين، ويفتح الباب لفرص غير محدودة للتعاون، ويعمل كقوة مضاعفة عندما يتعلق الأمر بمصالحهم المشتركة.
وتمنح اتفاقية ترسيم الحدود مع تركيا، التي تأخذ في الاعتبار الاتفاقية البحرية التركية الليبية لعام 2020، مصر زيادة كبيرة في منطقتها الاقتصادية الخالصة التي تزيد على 25 ضعف حجم العاصمة القاهرة.
ويرى بكير أن تخفيف التوتر بين تركيا ومصر في شرق البحر المتوسط يمكن أن يؤدي إلى تخفيف التوترات بين ليبيا واللاعبين الإقليميين، وسيتمكن البلدان من التعاون في مجالات البنية التحتية والطاقة والأمن واللوجستيات، من بين أمور أخرى.
كما أن التعاون والتنسيق في القضايا الثنائية والإقليمية من شأنه أن يعزز الدور الإقليمي لتركيا ومصر، حسب بكير، مشيرا إلى أن تركيا تفضل تسريع عملية التطبيع، بينما قد تفضل القاهرة الانتظار حتى الانتخابات المقبلة قبل الإسراع بها.