قبل أسبوع من موعدها.. الانتخابات الليبية أمام مفترق طرق

profile
  • clock 16 ديسمبر 2021, 9:40:28 ص
  • eye 618
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

من المقرر أن تجري الانتخابات الليبية في 24 ديسمبر/كانون الأول الجاري، في محاولة لتأسيس سلطة موحدة جديدة قادرة على إخراج البلاد من كبوة الحرب الأهلية إلى عصر الحوار السياسي والمصالحة الوطنية. وبالرغم من الإشارات الباعثة على الأمل والتغيير التي قد تقترن عادة بعملية الانتخابات، فإن الإحساس السائد هو أن هذه الانتخابات إما ستؤجل أو ستشعل جولة أخرى من الحرب، مع استعداد الفصائل المختلفة لرفض النتائج غير المواتية.

وبالنسبة لفصائل الشرق التي يهيمن عليها الجنرال "خليفة حفتر" ورئيس مجلس النواب "عقيلة صالح"، فإن احتمال إجراء انتخابات يهدد بخلق شرعية جديدة لسلطة ليست تحت سيطرتها. والأسوأ من ذلك أنها ستتعرض لضغوط دولية للاعتراف بهذه السلطة والخضوع لها. وبالفعل، صرح "حفتر" بشكل قاطع بأنه لن "يخضع جيشه لسلطة سياسية".

وحتى الآن، يستغل كل من "صالح" و"حفتر" مجلس النواب الذي تم انتخابه في عام 2014 لإضفاء الشرعية على تحركاتهما. ونجا مجلس النواب من الأزمات المختلفة التي توسطت فيها الأمم المتحدة بين الفصائل المتحاربة باعتباره الهيئة البرلمانية الرسمية ذات السلطات التشريعية. ومع ذلك، تهدد هذه الانتخابات بوضع حد لهذه "الشرعية" التي استخدمها كل من "صالح" و"حفتر" لتمرير قوانين لصالحهما دون مساءلة.

وبالنسبة للفصائل في الغرب، فإن الأمر معقد بنفس القدر. وعلى عكس "حفتر" الذي تمكن من فرض نفسه على مساحات شاسعة من الأراضي في ليبيا، في الشرق والجنوب، تواصل الفصائل في طرابلس التنافس ولا تزال غارقة في الانقسام والاقتتال الداخلي. وبالرغم من الأزمة الوجودية التي تعرضت لها خلال هجوم "حفتر" على طرابلس في عام 2019، لم تتحقق أي مصالحة قد تؤدي إلى تكتل موحد قادر على فرض نفسه.

وظهر الخلاف المستمر عندما أعلن المجلس الرئاسي بقيادة "خالد المشري" منع وزيرة الخارجية "نجلاء منقوش" من مغادرة البلاد على ذمة التحقيق. ورد رئيس الوزراء المؤقت "عبدالحميد الدبيبة" بالدفاع عن وزيرة الخارجية والتأكيد على أن المجلس الرئاسي لا يملك سلطة اتخاذ مثل هذه القرارات. ويرى المراقبون أن هذا الموقف يشير إلى أن رئيس الوزراء أصبح أقوى وأكثر نفوذا.

وبالنسبة لهذه الفصائل المتنافسة في غرب ليبيا، تهدد الانتخابات بقلب الوضع الراهن الهش تماما وتغيير المشهد السياسي. وقد تؤدي الانتخابات إلى دفع الذين يتمتعون بالسلطة إلى هامش السياسة الليبية ورفع أولئك الموجودين حاليا في الهامش إلى أعلى المستويات في المشهد السياسي في طرابلس.

وكما سعت إدارة "ترامب" إلى حل سريع للحرب الأهلية في ليبيا من خلال السماح لـ"حفتر" بمهاجمة طرابلس على أساس أن تحقيق نصر عسكري حاسم من شأنه أن يضع حدا لعدم الاستقرار، تسعى إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى حل سريع من خلال الدخول في عملية انتخابية على أساس أنها ستنهي نزاع الشرعية وتسرع العملية السياسية. وهدد "بايدن" كل من يتسبب في تعطيل الانتخابات بالعقوبات الدولية.

وخلال العام الحالي حدثت بعض التحولات حيث جرى تعليق بعض المساعدات الأمريكية إلى الجيش المصري وتصالحت السعودية مع قطر وحدث تقارب لافت بين وتركيا والإمارات. ويعيد الفاعلون الإقليميون ترتيب أولويات السياسة الخارجية على أساس أن إدارة "بايدن" لن تتسامح كما فعلت إدارة "ترامب". وسعى "بايدن" كذلك لاحتواء حلفائه الأوروبيين، وتم إرسال نائبة الرئيس "كامالا هاريس" إلى مؤتمر باريس لمنع محاولة "ماكرون" اغتنام زمام المبادرة وعرقلة العملية السياسية.

علاوة على ذلك، أعطت إدارة "بايدن" الانطباع بأنها لا تفرق بين الفصائل الليبية. بعبارة أخرى، لا تنظر إلى الصراع من منظور "الخير مقابل الشر"، أو "الصواب مقابل الخطأ". ولم تكن هناك أي محاولة من قبل واشنطن لمنع "حفتر" من خوض الانتخابات بالرغم من القضايا العالقة في المحاكم والاتهامات بارتكاب جرائم حرب. وبدلا من ذلك، تم تأجيل محاكمته في الولايات المتحدة إلى ما بعد الانتخابات.

وقد حدث ذلك أيضا مع "سيف الإسلام القذافي" الذي يخضع لأمر توقيف من المحكمة الجنائية الدولية ووجهت إليه تهمتين بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".

كما يبدو أنه لا يوجد جهد حقيقي للتمسك بقواعد منتدى الحوار السياسي الليبي الذي نص على أن رئيس الوزراء المؤقت "عبدالحميد الدبيبة" لن يكون قادرا على الترشح في الانتخابات. وقد أكد "الدبيبة" في الواقع ترشحه.

وتواصل الولايات المتحدة سياستها البراجماتية عبر العمل مع الفصائل المختلفة في ليبيا. وفي عام 2016، عملت واشنطن مع ميليشيات مصراتة في الغرب في إطار قضايا تتعلق بالإرهاب. فيما أشاد "ترامب" بـ"حفتر" عام 2019 لجهوده في مكافحة الإرهاب.

ويبدو أن المقابر الجماعية التي تم اكتشافها في ترهونة لم تغير شيئا في سياسة واشنطن التي تبدو مستعدة للاعتراف بنتائج الانتخابات حتى لو فاز فيها متهمون بارتكاب جرائم حرب. وبالنسبة لواشنطن، لا يهم من سيفوز ولكن المهم هو إرساء شرعية سياسية جديدة لتوحيد المجال السياسي.

ومع إصرار واشنطن على الانتخابات، لم يرغب أي من الأحزاب الليبية في أن يُنظر إليه على أنه "المفسد". وبدلا من ذلك، سعت الأحزاب إلى الصبر والانتظار على أمل أن يخطئ أحد المنافسين أولا ويعرقل العملية، ويفرض تأخير الانتخابات. لكن مرت أشهر ولم "يرمش أحد أولا".

وبينما يمكن اعتبار هذا تطورا إيجابيا، فإن الواقع عكس ذلك تماما، فالسبب وراء عدم وقوع أي من الأحزاب في الخطأ هو وجود إجماع ضمني على أن الانتخابات ستفشل حتى لو أجريت في موعدها.

وهنا يكمن لب المشكلة، فالقضية في ليبيا ليست الانتخابات. وقد شهدت ليبيا انتخابات في الماضي في 2012 و2014. ولم تكن المشكلة هي الانتخابات في 2014 ولكن كان رفض الأحزاب الليبية الاعتراف بنتائج الانتخابات بسبب ضعف الإقبال وعقدها في أعقاب محاولة البرلمان الحالي تمديد ولايته من جانب واحد.

وشرعت الأطراف التي خسرت الانتخابات في شن عملية عسكرية على العاصمة. وكان "حفتر" قد بدأ بالفعل حملته العسكرية في الشرق قبل الانتخابات بحجة أن المؤتمر الوطني العام انتهك القانون من خلال تمديد ولايته من جانب واحد.

ويشبه الوضع في ليبيا اليوم الوضع في 2014 حيث إن البيئة متوترة والفصائل مسلحة ولا يوجد إجماع سياسي على شرعية الانتخابات، كما لا يوجد إطار دستوري يحكم العملية. والاختلاف الوحيد هذه المرة هو أن هناك تأكيدا أكثر علانية بشأن رفض النتائج غير المواتية.

ومن المفارقات، أن الذين يتشدقون بالانتخابات في ليبيا اليوم هم أولئك المرتبطون بالاستبداد والفساد. ويبدو أن "خليفة حفتر" و"سيف الإسلام القذافي" وآخرين حريصون على متابعة العملية الانتخابية، ليس لأنهم يدعمون فجأة التحول الديمقراطي ولكن لأنهم يعتقدون أنه بغض النظر عما يحدث في العملية الانتخابية، فإنهم سيستمرون في لعب دور مهم في الفصل التالي.

وبالنسبة لـ"حفتر"، فالانتخابات هي وضع يربح فيه على كل الأحوال. فإذا فاز سيصبح الرئيس، وإذا لم يفز فلديه القوة العسكرية لمقاومة كل محاولات فرض النتائج على عكس رغبته. ويعتقد "سيف القذافي" أن الحنين إلى ما كانت عليه ليبيا في الماضي من الأمن والاستقرار، وكذلك إعطاء الأولوية الدولية المتزايدة للاستقرار على الديمقراطية، يعني أنه يتمتع بفرصة جيدة للفوز بالتصويت الشعبي والحصول على الاعتراف الدولي.

ومن الواضح أن البيئة في ليبيا لن تفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة. ومن غير المرجح أن يمنح "حفتر" الحرية للمرشحين من الغرب للقيام بحملات في الشرق. وبالمثل، من غير المرجح أن يُسمح لـ"عقيلة صالح" و"سيف القذافي" و"خليفة حفتر" بالقيام بحملات في الغرب.

ولا تزال عمليات الاختطاف والاختفاء القسري والإكراه والاستخدام التعسفي للقوة سائدة في جميع أنحاء ليبيا، ما يثير مخاوف من أن نتائج أي انتخابات سيتم تحديدها من خلال فوهة البندقية، وليس عبر ممارسة حرة لحق التصويت. ولكن ربما لم يعد ذلك يمثل أولوية بالنسبة للمجتمع الدولي الذي يهتم أكثر بالاستقرار والأمن، لأن الأزمات الاقتصادية والسياسية تغذي التطرف والاستقطاب الاجتماعي.

ولكن هذه الانتخابات قد لا تحقق حتى الاستقرار والأمن المطلوبين، ويبدو أنها تميل لإشعال حرب أخرى قد تكون أكثر عنفا من السابقة. ومع ذلك، من المحتمل تأخير الانتخابات، أو حتى إجراء الانتخابات البرلمانية فقط، بدلا من الانتخابات الرئاسية. وبالرغم من اقتراب موعد 24 ديسمبر/كانون الأول، فهناك احتمال حقيقي بأن الانتخابات لن تمضي قدما.

في غضون ذلك، يشعر الليبيون بمرارة في حلوقهم مع اصطدامهم بحقيقة أن المتصدرين المحتملين للانتخابات من كل من شرق البلاد وغربها هم جميعا شخصيات سياسية من عهد "القذافي". ويعد ذلك انتكاسة حقيقية للتحول الديمقراطي وفشل للمعارضة المدعومة من "الناتو" والتي لم تعد تملك رؤية بديلة حقيقية كما فعلت من قبل.


المصدر | سامي حمدي | إنسايد أرابيا 


التعليقات (0)