قصائد نثرية للشاعر حمدي عابدين

profile
حمدي عابدين كاتب مصري
  • clock 30 مارس 2021, 12:15:48 ص
  • eye 1148
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

فجأة توقف أربعة رجال مسنين وزوجاتهم.

كان هو يتجول بصحبتهم منحنيا

يلتقط حواس آدمية

قالت واحدة من النساء:

كان يجب أن نتوقف قبل الكارثة

قطع القصدير تتناثر في طريقنا

كنا نراها ونتجاهلها

بينما كان بعضنا

يلملمها دون أن يدري

كل ذلك يحدث

ونحن غفل عما يحاك لنا؟!

يجب أن يأخذ الناس بالهم منا

سلمنا حتى نظاراتنا

ولا نملك الآن سوي حقائبنا الصغيرة

ظروفنا صعبة في مواجهة البحر والرمال

يجب أن يرسلوا لنا ما يعيننا

نحتاج بعض الشفاه

وبعض الآذان والعيون التي ما زالت تعمل

نحتاج برامج لتدريبنا علي الابتسام

وبعض المحبين

ليضعوهم في طريقنا

نستهدي بهم

ونتذكر دائما إننا يجب أن نموت

ونحن نفعل أشياء حميمة.

-------------------------

استقبلوهم في غرفة شاسعة

هواؤها مكيف

وبلاطها من الرخام الفاخر

فيما وضعوا سياراتهم

التي جلبوهم بها

علي جانبي الغرفة

واتجهوا جميعا إلي المائدة

الأطعمة التي ما رأوها إلا في أحلامهم أمامهم الآن

وأشجار الفاكهة الغريبة تحيط بهم من كل صوب

وقد تعلقت بفروعها آنية الماء

وظلت تتأرجح كأنها في يوم عيد

حين انتهوا من عشائهم الاحتفالي

تعالت الأصوات تطالبهم بالنوم:

لديكم مبكرا أعمال كثيرة.

الوسائد والمراتب كانت مصنوعة من ريش النعام

لم يفكروا في شئ

عندما مالوا بأجسادهم فوق الآسرة غاصوا في جنانها

جميعهم ناموا دون كوابيس

دون أحلام مزعجة

فيما كانت ساعات الليل كافية ليدخل كل لحظة ضيوف جدد

امتلأت الغرفة عن آخرها

وفي الصباح عندما استيقظ الجميع

لم يجدوا أحدا في انتظارهم

كانت الأبواب موصدة

حاولوا البحث عن مراحيض لقضاء حوائجهم

منعتهم الرؤوس والسيقان التي تغطي البلاط.

اختفت الشوارع التي كانت مرصوفة علي امتداد الغرفة

ماذا يمكن أن يفعل هؤلاء الناس بسيارتهم!!

كيف يقودونها بوجوه ما زالت برائحة النوم!!

الحكاية ليست شوارع وإشارات وبنزين

هذه الأشياء يمكن الاستغناء عنها

القصة أنهم ذاهبون حالا إلي جهنم

ولابد أن يغسلوا وجوههم

كما أنهم لن يجدوا وقتا كافيا لإخراج ما في بطونهم الممتلئة

كيف انطلت عليهم حيلة هؤلاء الشياطين!!

لماذا لم يفكروا فيما وراء الطريقة التي توفرت بها المائدة الخيالية!!

كانوا يطعمونهم من القمامة أعواما طويلة!!

وينيمونهم في عشش الحيوانات!!

الآن...

وبعد أن شحنوهم في كبسولة الجحيم هذه

سوف يرسلونهم بأمانيهم البسيطة

إلي غير رجعة.

--------------------------------------------

كانت كلما مشت في طريق بكت أصحابه

مشت كثيرا

كان نشيجها يشغل المارة عن حاجاتهم

فما يستطيعون مضيا في الدموع

هم أنفسهم صاروا يسيرون معها

ويتذكرون

وفي كل مرة كانت دموعهم تبلل الكلام:

لن تنمحي سيرتهم

كيف وأنت التي تتذكرينهم؟!

التذكر يا أخت حمي بلا دواء...

بحاره تمتلئ بملوحة الحكايات وأشجانها.

مشت في أنحاء ودروب ومدائن

تذكرت حتي نفاياتها

وما توقف البكاء

مشت في حروف

في اتكاءة كلمات وهي تعبر شفاه

مشت في قلوب وعيون وإشارات

وعندما وصلت إلي طريقها

هي الواقفة هناك

قرب انحناءة روحها تنتظر من مروا محملين بلا شئ

هي الموقوفة عند سواد عباءتها

عندما مشت في طريقها

لم تجد ما تتذكره

-------------------------------

كلما مروا بزاوية ما من العالم

طاردتهم رائحتهم

حاولوا كثيرا أن يراوغوها

أن يتخفوا ويهربوا منها

لكنها كانت تمسك بهم في كل مرة

كانت الرائحة تعرف نيتهم مقدما

كانت تعرف أنهم لا عهد لهم ولا صديق

لذا كانت لا تصدق مواثيقهم

كلما سمعت

- معا حتى جهنم

كانت تغلق أنفها من ريح الكذب المرسلة

كانوا إذن يريدون أن يتبرأوا منها

لكنهم لم يرغبوا في إعلان ذلك هكذا علي الملأ

كانوا يخشون لحظة فورانها وثورتها

لذا قالوا كثيرًا في سرهم:

- لسنا أبناءها

بينما كانوا كلما ذهبوا في طريق

تظهر الرائحة دائما ممسكة بأيديهم

وفي نهاية المطاف

كانوا يعودون بها نائمة فوق أكتافهم

كان جبنهم يمنعهم من الهرب

وتركها حيث لا تعود

كل مرة كانوا يفكرون في ذلك

كان الرعب من أن يأكل الناس وشوشهم

يحميهم دائما من الهلاك

كان حرصهم الدائم علي وجوه كاملة

يذكرهم أنهم لن يكونوا أبدا بمفردهم

في أي رحلة ينتوونها إلي جلودهم.

------------------------------------

ظل طوال ليله يحرث أرض عاصمته

الممتدة بطول سرير غرفته المطلة علي ملك جاره

قال:

- عما قليل سوف أرويها من النهر الذي يجري تحت

الخيام.

لكن ضجيج آلاته المفزع

أيقظ الجموع النائمة فوق بلاط الغرف المجاورة

- انتهى كل شئ

انتظروا قليلا

سوف أطعمكم من الفاكهة الطازجة

لماذا تنظرون تحت أقدامكم

كل شئ جاهز في القوارير

حلمت لكم بأعناب ونخيل

بنساء عاريات كأنهن مصابيح الجنة

يسبحن في عيون خمركم الذي تعصرونه خلف التل.

كان يريد أن يرتاح

يترك لأهله بعض أشجار

يستظلون بها

كان يريد أن يرحل مطمئنا

مرتاح الضمير

من صراخ حيواناتهم

التي انتهزت فرصة غيابه

وافترشت الميدان.


---------------------------

بعدما كدت أفقد رائحة روحي

بعدما كادت تتسرب مني

في دجى الغدوة والرواح

بعدما سرت وراءها ثلاثة أعوام كاملة

أستعطفها في المطارات والأسواق

هاهي أخيرا تستدل عليَّ

بينما يقودني الرجال والأطفال والنساء

هنا علي مقربة من مراياهم

كي لا أصبح عبأً علي الريح وأوراق الشجر

كانت الرائحة تمسك الرجال من رعونتهم

وتشد النساء من أغصانهن

تمشي في مقدمة النحيب

وتروغ

لتُرَي في المؤخرة

ممسكة بذراع طفلة يتيمة

أو امرأة تجرجر سواد سدولها

- لا تخافين

لن يدفنوه في الليل

هم يخافون عليكما من الوحدة

كما أن عليه أن يراكما قبل أن يهيلوا عليه التراب

هذا شرطه لكي يستقبل الملائكة.

جاءت جموع

تبللني بالماء والكلام الكسيح

وبالقرب من غبار أقدامهم

وعلي رأس مقبرة كانت تضم جناحيها

بدت رائحتي

ترتدي لباس خيانتها

وتخشى أن يشمها أحد.

-------------------------------------

ماذا يمكن أن يرى العاشق المكفوف

لو أنه ضبط نفسه ينظر من الشرفة؟

- رجلا يتأهب لإفشاء آخر أسرار زوجته.

- شجرة تميل

لتَرى أوراقُها

كيف تحب الشجيراتُ سيدَها الريحَ

وهي عائدة منهكة.

- مراهقة تستعد لارتداء أخف أحلامها

قبل أن تغمض شرفة مواجهة جفنين مؤرقين.

- مصباح إنارة صغيرا يتصبب عرقا

لأن ألحان أرملة لامست ظله قبل أن ينطفئ

يقول:

ألا يراني ذلك الأعمى

أنا الحزين الوحيد في الحي

ألا يستحق فؤادي المعطل عن أحلامه بعض العناء؟!

ألا يجدر به أن يرسل ابنته

بغمامتين نائمتين في إيماءاتها؟!

قولوا له سوف تعود

هو حتى لن يلامس غصنيها.

في الليل يجدر بنا أن نكون أكثر رحمة بسكارى عمياننا

خمرهُ المعتقةُ رأفةً بروحه تجعله

يتحسس كلام أغنياته قبل أن يتركها

لحال سبيلها.

هو حتى لا يوصيها بشئ مثل غيره من

عبيد البارات

يلامسها بلسانه المثقل بالبكاء

ويسلم نفسه للطريق.

----------------------------

حينما تنظر لنفسها في المرآة

وتغني لنهديها الخليين

لنهديها السعيدين في خبائهما

المبللين بدموع عازف تعلقت صورته في جدار

يحمر ورد خدودها

بينما يراقبها هو من ثقوب أيامه الماضية

الصورة هكذا

هي تهدهد مرآتها

حتى لا تتسرب صورها إلي منزله

فتضطر كل ليلة أن تغمرها في نغمات موسيقى الرجل

وهو يبلل أوتار كمانه

كي لا يحترق العود وباقي الآلات

هكذا راحت هي ترعى مرآتها

وهو يسهر على بلابله كي لا تنفلت الأمور من بين يديه

وهذا هو المشهد بريحه التي تهب عليكم في خيامكم

لكن لِمْ لا يسأل أحدكم نفسه مرة واحدة

ماذا علينا نحن أن نفعل؟!!

--------------------------------

يمد رأسه من ثقب قبره

وينادي

- هاااااي

يا زينة أهل الجحيم

هل تحبينني؟

أنا ابن جارتك التي تتمنى لو تزوجْتِني في غرفة من نور عينيها

أنا ابن النعش الذي يناديك

علّه ينفلت لحظة من غروبه

أنا ابن النائحة التي تستيقظ

من النوم ميتة لتبكي اغترابي

هل تعرفينني؟

أنا ابن التي تحملُ عرشَها الفراشاتُ

منذ يومين حَمَلَتْ روحي للثري الحر

وبَكَتْ لبضع خطوات

سَمِعتْهم يلهجون

- لن تبلله كلماتها قبل صرصرة الريح

لذا لن يميل

انظروا

يًسَّاقطُ علي الأرض كي لا يغني

ويفضحه ظله.



هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)