قصص وتحديات لنسوة كسرن الصور النمطية عن المهن الذكورية بالعراق (صور)

profile
إسراء طارق إسراء طارق
  • clock 19 فبراير 2024, 9:56:38 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

داخل فسحة بمساحة 3متر مربع تعمل ليلى عبيد (اسم مستعار) الفتاة العشرينية من محافظة نينوى، في مهنتها لتصليح اجهزة التبريد والتكييف، تتحدث ليلى ان بدايتها في هذا المجال كانت لحظة قبولها في قسم ميكانيك القدرة/ التبريد والتكييف بعد اجتيازها المرحلة الثانوية. تذكر ليلى "ان غالبية طلبة القسم كانوا من الذكور والبالغ عددهم خمسة وعشرون شابا مقابل ثمان شابات يدرسن هذا التخصص الذي حدده لهم معدلهم الثانوي". 


تروي ليلى قصتها مع ما كتبه القدر لها، حيث تقول: "كان طموحي كلية القانون لكن جاءت القبولات على عكس حلمي، وكانت المرحلة الاولى من الدراسة مأساوية لتعرضي للتنمر من قبل المجتمع المحيط بي، لكن كان للأهل رأي آخر بدعمي وتشجيعي، وتغيرت وجهة نظري عن تخصصي منذ لحظة التدريب العملي الذي كان يعطي شعور مختلف عن الدراسة النظرية مما جعلني شغوفة بهذا المجال".


"والدي سبب بداية مشروعي"، تذكر ليلى ان والدها كان يوفر لها ادوات ومعدات التدريب العملي لتطبق ما تتعلمه في الجامعة داخل المنزل، وطورت خبرتها بهذا المجال عبر الانترنت. "بعد التخرج من الجامعة استمريت في صيانة وتصليح اجهزة التكييف والتبريد الخاصة بمنزلنا ومن ثم توسعت الى اجهزة المقربين، حتى أخذت مجازفة فتح ورشة اديرها بالخفاء مقابل مبالغ زهيدة. ولتجنب نظرة المجتمع لاهلي ولنفسي ووصفي بالـ "مسترجلة" دربت اخي الاصغر على كيفية تصليح الاجهزة ليكون هو واجهة ورشتي الصغيرة التي افتتحتها من منزلنا، وبعد اغلاق الورشة ادخل من الباب الخلفي للورشة لمساعدته في تصليح ما يصعب عليه تصليحه".


ما يخرج لي من ارباح الورشة نتقاسمه انا واخي بالتساوي وعلى الرغم من ان ما نحصل عليه من اموال تعتبر قليلة ولا يمكنها ان تكفي كمصدر دخل وحيد للعائلة لكوننا نعيش في حي شعبي ويعتبر من الاحياء الفقيرة في المحافظة، حيث اغلب اهلها لا يملكون اجهزة تبريد وتكييف لسعرها المرتفع نسبيا مقارنة بمبردات الهواء، فضلا عن احتياج اجهزة التكييف والتبريد الى طاقة كهربائية اعلى من غيرها من الاجهزة التي يمكن استخدامها.


لم تتلق ليلى دعما حكوميا لمشروعها، لا من غرفة التجارة ولا من المنظمات المحلية والدولية، وقالت انها بحاجة لمثل هذا الدعم لتطوير المعدات والادوات التي تعمل بها ولتوسيع ورشتها الصغيرة التي وصفتها بـ"طفلي الصغير الذي انتظر ان يكبر امام عيني". اما عن رؤيتها المستقبلية للجانب المهني من حياتها فذكرت انها تكتفي بالعمل داخل الورشة بصورة سرية ولا ترغب في الظهور بالعلن مكتفية بمدح اهلها لها عند تصليح ما صعب على اخيها تصليحه، وشعورها بالفخر عند مدح الناس لعمل ورشتها الصغيرة، وانها غير مستعدة للعمل بمجال مختلف عن مجال دراستها وتخصصها الذي يصعب فيه ايجاد فرص عمل للإناث.
 

لم تكن ليلى هي الوحيدة التي تعمل بمهن رسمها المجتمع للرجال، بل هناك (اية جميل) من البصرة والتي اجبرتها ظروف الحياة على الانخراط في الاعداديات المهنية، وكانت ضمن تخصص التقنيات الطبية. تلفت اية إلى ان "اختيار التخصص يعتمد على الجنس والمعدل الدراسي" وان توزيع التخصصات بين الذكور والاناث يعود لتعليمات وزارة التربية العراقية، حيث ان اغلب تخصصات الاناث محصورة بين تقنيات الاجهزة الطبية والتربية الاسرية والفنون التطبيقية وما الى ذلك من التخصصات المرسومة بصورة غير منطقية للاناث، اما الذكور فتكون مجالاتهم اوسع في اختيار التخصص.
 

بصورة عامة عمل النساء مرهون بالوظيفة الحكومية ولا نستطيع العمل في القطاع الخاص او العمل الحر، على العكس من الذكور الذين يمكنهم مزاولة العمل ضمن تخصصهم في اغلب الاحيان حتى اثناء المرحلة الدراسية.
 

تبين اية ان المواد الدراسية الحالية لا تنسجم مع التطور الحاصل في سوق العمل والتكنلوجيا وبحسب وصفها "اننا متأخرون عدة سنوات ضوئية عن الواقع العملي".
 

تخرجت يسرى احمد، وهي شابة ثلاثينية، من محافظة بغداد من معهد الفنون الجميلة، قسم الخط والزخرفة، "ولكن هذا المجال بعيد عن احتياج السوق بوجود الذكاء الاصطناعي الذي ينجز اصعب الاعمال بثواني معدودة". وهذا برأيها ما جعلها تكون عاطلة عن العمل، وهو ايضا ما دفعها للتسجيل في التدريبات المقدمة من مراكز التدريب المهنية الشعبية.
 

كانت يسرى ترغب في الحصول على تدريب في مجال النجارة، لكن التعليمات المعمول بها اجبرتها على اختيار تخصص الحاسوب لكون النجارة مخصصة للرجال. وتبدي يسرى انزعاجها من هذا التقسيم، "لا اعلم من صنف الاعمال في العراق على اساس الجنس، حيث يُحرم على المرأة العمل بمهن يرونها ذكورية، بينما يمكن للرجال العمل في مهنة "الطهي" التي يراها المجتمع مخصصة لنا نحن النساء وليس لدينا رد فعل او نظرة تجاه الرجال العاملين في هذا المجال".

يتفق عقيل هاشم، وهو طالب في المرحلة الاخيرة في معهد الميكانيك قسم الانتاج في محافظة نينوى، مع زميلاته بان المعوقات التي تواجه الفتيات اكبر من الصعوبات التي تواجه الطلاب. ويذكر: "يمكننا ان نكتسب الخبرة في العمل بينما الاناث تقتصر معرفتهن على ما يتلقينه في التدريب خلال مرحلة الدراسة، والذي هو بعيد كل البعد عن التطور الحالي، بصورة خاصة بعد دخول افاق جديدة للعمل".
وفيما يخص النظرة المجتمعية تجاه المهن الذكورية، فيرى عقيل "اننا بحاجة الى توعية حقيقية في المجتمع، وبصورة خاصة الجيل الجديد، لكي لا ينشأ على مبدأ عدم المساواة والفوارق بين الجنسين". ويسترسل قائلا: "النساء اليوم وصلن على الفضاء بينما البعض لا يزال ينظر لهن بانهن غير قادرات على العمل بمختلف المجالات وتحديدهن بمهنة التعليم والطب".

المراكز المهنية ضائعة بين التبعية الفنية والادارية


يبين مصدر من داخل مركز الوليد للتدريب المهني، طلب عدم الكشف عن اسمه، ان المركز كان تابعا لوزارة العمل فنيا واداريا، لكنه اليوم تابع اداريا لمحافظة بغداد وفنيا لوزارة العمل. وهذا اثر بشكل سلبي على اداء المركز الذي يوفر خدمات مجانية للشباب والشابات دون شرط او قيد ويستقبل المتقدمين/ات من عمر 15 الى 50 سنة، لتدريبهم ضمن الدورات المتوفرة بالمركز، وتستمر مدة الدورة الواحدة من شهرين الى ثلاثة اشهر.
وتعليقا على مشاركة الاناث في التدريبات، يوضح المصدر "ان الاناث يرغبن بدورات الخياطة والحلاقة وقلة منهن يرغبن بدورات برمجيات الحاسوب"، ويعزو ذلك للبيئة المجتمعية حيث يمكن للمرأة العمل بمهن الخياطة والحلاقة داخل منزلها وتكون على احتكاك مع نساء ايضا، على العكس من باقي المهن التي قد تتطلب الخروج من المنزل والتعامل مع الرجال، الامر الذي لا تزال بعض المجتمعات ترفضه وتنظر له بانه امر معيب. كما ان دورات النجارة والميكانيك توقفت في المركز لكون الاثاث المستورد اقل كلفة مقارنة بالاثاث المحلي، والمستهلك يفضل البضائع المستوردة لقلة كلفتها المادية.

أرباب العمل وتفضيلات التوظيف


"أفضل العمل مع خياطة لديها خبرة، على العمل مع خياطة خريجة معهد تدريب وليس لديها تجربة"، هذا كان تفضيل ام شهد وهي صاحبة معمل خياطة في منطقة شعبية ببغداد، تعمل فيه خمسة عاملات ماهرات. تروي قصتها مع هذه المهنة التي ورثتها عن والدها حيث كان يملك معمل خياطة في سوق الشورجة، حيث شاهدت ام شهد مكائن التطريز منذ نعومة اظافرها، واعتادت اذنيها على صوت محركات المكائن والمقصات الكهربائية، وتعلمت الخياطة عن طريق الفطرة ووجد فيها والدها الموهبة وحرص على صقلها، وبعد وفاته اصبحت هي من تدير عمله لاعالة عائلتها.


وعن رأيها حول ورش الخياطة التي باتت منتشرة بكثرة، تقول ان هذه الورش لا تعلمهن فنون المهنة وكيفية التعامل مع كل نموذج حسب ما يتطلبه، وانما تعليمهم يكون لقالب ثابت، وهذا ما ارفض تواجده في معملي الخاص، حيث تردنا يوميا مختلف الحالات والتي تطلب معالجات وحلول مختلفة، حتى اذواق الزبائن مختلفة لا يمكن حصرها بنموذج او اثنين، لذا عند توظيف عاملة جديدة احرص على ان تكون لديها خبرة في هذا المجال ما لا يقل عن ثلاثة سنوات وتخضع لاشرافي المباشر لمدة شهر، قبل تصديرها للتعامل مع الزبائن.


يتفق المهندس في القسم المالي لشركة زين كاش، عصام داود، مع ام شهد في جزئية الخبرة، حيث يبين ان اكثر من ربع عدد موظفي الشركة هم من الاناث ويفضلون ان يعملوا بالاعمال المكتبية والتواصل مع الزبائن لكسب ودهم، اما الاعمال التي تتطلب مجهود كبير تقع على عاتق الرجال.
فيما يخص تدريب القدرات الشبابية، فيقول ان شركة زين كاش وشركة زين للاتصالات تفتح سنويا تدريبا مجانية لطلبة الجامعات والمتخرجين الجدد ضمن الاختصاصات القريبة من مجال عمل الشركة، لكونها في نمو مستمر، فهي بحاجة الى موارد بشرية اكثر، وبعد التدريب تعمل الشركة على تنظيم فعالية اشبه ببازار التوظيف تستقطب من خلاله الافضل من بين الافضل من المتقدمين/ات ولا يوجد معيار للقبول سوى الكفاءة بغض النظر عن جنس المتقدم/ـة.
ويذكر عصام ان زين كاش اعتمدت هذه الطريقة للتدريب والتوظيف لكون اغلب الخريجين/ات يفتقدون لمهارة الرد على البريد الالكتروني او كتابة السيرة الذاتية ويفتقرون للغة الانكليزية التي هي عامل مهم جدا في التوظيف لاسيما في القطاع الخاص، اما استحصال وظيفة في القطاع الحكومي اصبح حلم صعب المنال بالنسبة للشباب.


هذا وبعد الزيادة الهائلة في عدد الكليات الاهلية ورغبة الطلبة وذويهم بالدراسة في تخصصات ذات التعيين المركزي، اصبح الثقل اكبر على عاتق القطاع الخاص لايجاد وظائف لخريجي الكليات والمعاهد الاخرى، مع قلة نسبية في عدد الشركات الخاصة وشبه انعدام للمصانع المحلية، وفتح الحدود للبضائع المستوردة. كل هذا ادى الى اندثار مهن كثيرة، وزيادة البطالة، لاسيما في صفوف النساء التي تحكمهم النظرة المجتمعية بالعمل بمهن محددة وعدم السماح لهن بالعمل بمهن يرونها مناسبة للرجال اكثر، مما دفع النساء للعمل من داخل المنازل بمشاريع صغيرة مستثمرين مواقع التواصل الاجتماعي للتسويق لمنتجاتهن البسيطة، ويسعين لزوال النظرة المجتمعية السلبية عن عمل النساء خارج المنزل، ليتمكن من ممارسة ما تعلمنه في مرحلة الدراسة. 
وتبقى النساء في العراق يتطلعن الى اخذ استحقاقهن في ممارسة المهن التي يرونها مناسبة لامكانياتهن وتخصصاتهن لاسيما بعد تصريح الحكومة العراقية بمضاعفة عدد النساء العاملات من 5% الى 10% بعد انتهاء الاستراتيجية الوطنية لتفعيل قرار مجلس الامن 1325، كما يأملن من الجيل الجديد ان يبتعد عن نظرة المجتمع تجاه عمل النساء وابقائهن اسيرات مهنة التعليم والتمريض.
 

كلمات دليلية
التعليقات (0)