لطفي العبيدي يكتب: هل سينجح أردوغان باختراق السياسة الغربية؟

profile
  • clock 21 يوليو 2023, 12:10:10 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الحسابات الجيوسياسية التي يفرضها الغزو الروسي لأوكرانيا، تضع أنقرة أمام ضغوطات متزايدة، ومحاولات استغلال ملفات متشابكة في نوع من المساومة وطرح صفقات مكشوفة، آخرها اشتراط قبول عضوية السويد في الناتو مقابل الموافقة على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. أنقرة تدرك أن الموافقة صعبة، لكنها تناور بشأن الملف الأوكراني وتستغل أبعاده الجيوسياسية إلى أقصى حد، أقلها أن تستفيد من دعم مالي واقتصادي أوروبي، وإلغاء تأشيرة دخول المواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد، وغيرها من التفاصيل التجارية والتبادلية التي تعود بالمنفعة على تركيا.
خطوات تركيا الأخيرة في قمة الناتو في فيلينوس، كشفت بوادر عدم قدرة أنقرة على الصمود وراء استراتيجية الموازنة في علاقاتها بين البلدين المتنازعين روسيا وأوكرانيا، فقد غلّبت مصالحها لناحية الالتحاق بالغرب، وإن كان ذلك عبر إحياء أمنيات قديمة في الانضمام إلى التكتل الوحدوي الأوروبي. اقتصاد تركيا ليس متينا كاقتصاد فرنسا أو ألمانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي، مع ذلك، ربما تعتقد تركيا أنها وجدت فرصة لتعزيز التزام أنقرة تجاه أوكرانيا والحلف الأطلسي على حساب موسكو، لكنها جربت الاعتماد على الغرب سابقا ولم تجد ما تتمناه، آخرها أزمة طائرات أف 16 الأمريكية، كذلك توحد الغرب ضدها في قضية غاز شرق المتوسط وخلافها مع اليونان حول التنقيب في المياه الإقليمية.
نالت تركيا وضع دولة مرشحة للانضمام للاتحاد في 1999، بعد أن قدمت ملف ترشحها للمجموعة الاقتصادية الأوروبية سنة 1987، ثم بدأت في مفاوضات العضوية مع التكتل بشكل رسمي في 2005، لكن توقفت المفاوضات في 2016. وكانت ألمانيا من أكثر دول الاتحاد إصرارا على رفض انضمام تركيا للتكتل الأوروبي، ولم تكن المخاوف الأوروبية بشأن انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان في تركيا إثر الانقلاب الفاشل سوى ذريعة توازيها ذريعة ملف الإبادة الجماعية من قبل العثمانيين للأرمن قديما. يكفي أن يعيد المستشار الألماني أولاف شولتس التذكير بموقف برلين المتصلب تجاه انضمام أنقرة، عندما قال باقتضاب قبل مغادرته القمة السنوية لحلف الناتو في ليتوانيا منذ أيام «هذه قضية وتلك قضية أخرى، وبالتالي أعتقد أنه ينبغي عدم النظر إلى هذا على أنه مسألة ذات صلة». هي إذن مرحلة جيوسياسية معقدة تثير تساؤلات بشأن موافقة أنقرة على انضمام السويد لعضوية حلف الناتو، فهل هي انعطافة حقيقية في السياسة الخارجية نحو الغرب؟ أم مجرد مناورة استراتيجية لتحصيل مكاسب اقتصادية ولعب على أوتار الدبلوماسية، ومحاولة استغلال فرصة الحرب الأوكرانية كورقة ضاغطة الآن في ميزان الحسابات الاستراتيجية للصراع بين الغرب وروسيا؟ أنقرة تأمل في أن تسهم موافقتها في تعزيز علاقاتها مع أوروبا والغرب، ويبقى كل ما يُفسر خطوات أردوغان هو عمل تركيا الملح على تخطّي أزمتها الاقتصادية العميقة. هذا العامل هو ما يبرر المغامرة في إمكانية تخريب العلاقات مع موسكو، خاصة بعد تأييد الرئيس التركي ترشيح أوكرانيا للانضمام إلى الناتو أثناء استقباله الرئيس الأوكراني في إسطنبول، وأيضا موافقته على عودة خمسة من قادة كتيبة آزوف إلى أوكرانيا، بينما ينصّ اتفاق تبادل الأسرى بين موسكو وكييف على بقائهم في تركيا حتى نهاية الحرب، إنّها المصالح ولا شيء غير ذلك يبرر تقلب المواقف وتغير السياسات الخارجية، تركيا بحاجة إلى استثمارات غربية، ولا تريد أن تتحول الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إلى أزمة نظامية يسهم الغرب في تصعيدها، كرد فعل على تعنت أنقرة أمام مطالب الناتو.. هي خطوة أغضبت الكرملين بالتأكيد، خاصة بعد أن حافظ أردوغان على علاقات جيّدة مع موسكو منذ بدء الأزمة، وقد يكون إيقاف موسكو لاتفاقية العمل على تصدير الحبوب ردّاً أوليا على شطحات تركيا والغرب في الأيام الأخيرة. الحرب الروسية الأوكرانية غيّرت مواقف دول أوروبا الشرقية التي كانت تلتزم الحياد العسكري في ما يخص التكتلات. تخلّت السويد وجارتها فنلندا عن سياسة الحياد العسكري، وقرّرتا طلب العضوية في حلف الناتو في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

يحاول أردوغان أن يستغل الظرفية الجيوسياسية، وديناميكية الأحداث في العالم لتحقيق أهدافه، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد التركي الاستثمارات الغربية

فنلندا انضمت رسميا إلى التكتل في أبريل الماضي. تركيا عضو مخلص في الناتو، لكنها أيضا، تبحث على مصالحها القومية. هي حليفة لأوكرانيا وتزودها بطائرات مسيرة قتالية، موازاة مع حرص أنقرة على الحفاظ على علاقاتها مع روسيا التي يعتمد عليها القطاع السياحي وإمدادات القمح والطاقة، ورغم تعهد هلسنكي وستوكهولم إظهار التضامن مع تركيا في الحرب ضد الإرهاب بكل أشكاله، إلا أنّ أنقرة تصر على أن يفسح الاتحاد الأوروبي المجال أمام انضمام أنقرة إلى التكتل القاري، قبل أن توافق تركيا على طلب السويد الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. كان ذلك طلب أردوغان قبل مغادرته لقمة الناتو في فيلنيوس. تركيا ستدعم إذن عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي بشرط أن يعيد الاتّحاد الأوروبي إطلاق مفاوضات انضمام بلاده للتكتّل. أردوغان كان واضحا مع المعسكر الغربي بقوله: «أولا، افتحوا الطريق أمام عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ثم نفتحه أمام السويد، تماما كما فتحنا الطريق أمام فنلندا». باستثناء ساحل روسيا وبعض جيوب كالينينغراد، سيكون الجزء الأكبر من ساحل بحر البلطيق جزءا من أراضي الناتو. هذا التوسع يراه الحلف تعزيزا للقدرات الدفاعية واختراقا استراتيجيا من جهة شمال أوروبا، لذلك يعتبر انضمام السويد للناتو تقدما جيوسياسيا وعسكريا كبيرا للتحالف الدفاعي الغربي، تصبح على إثره روسيا محاطة بحلفاء الناتو من جميع أنحاء بحر البلطيق. هل هذا جيد بالنسبة للأمن الدولي؟ بالتأكيد لا، فروسيا محاصرة هي أخطر بكثير من الوضع السابق لما قبل وصول الناتو لحدودها، ربما تركيا تستغل تخوف الدول الإسكندنافية من شبح السيناريو الأوكراني، لذلك يحاول أردوغان أن يستغل الظرفية الجيوسياسية، وديناميكية الأحداث في العالم لتحقيق أهدافه، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد التركي أكثر من أي وقت مضى للاستثمارات الغربية. ولم تأت الموافقة المبدئية من الرئيس التركي بشأن انضمام السويد، إلا بعد تعهد الأخيرة بأنها ستدعم تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والسماح للأتراك بالسفر إلى دول الاتحاد الأوروبي دون تأشيرة، اضافة إلى ضمانات لحظر التنظيمات التي تعتبرها أنقرة إرهابية، ورفع العقوبات المفروضة على المصالح التجارية التركية والصناعة الدفاعية، أوروبا ساحة للتناقضات السياسية، والفترة المقبلة كفيلة بكشف مسار هذه التفاهمات، ومدى نجاح مثل هذا التقارب الذي يتم على حساب قوة عظمى ربما لا يقدرون جيدا حجم ردودها الممكنة، وهي القوة النووية المتفوقة عالميا، ولها وزنها في ملفات الطاقة والغذاء واحتياجات العالم من الحبوب وغيرها.

كاتب تونسي

كلمات دليلية
التعليقات (0)