- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
عبد الحميد صيام يكتب: مقاربات متنافرة في السياسة الدولية
عبد الحميد صيام يكتب: مقاربات متنافرة في السياسة الدولية
- 21 يوليو 2023, 12:07:09 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ورد في البيان الختامي لزيارة الدولة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، للصين الشعبية أن الجزائر تقر وتعترف بالصين الواحدة وأنها تعارض بأي شكل من الأشكال استقلال تايوان عن الصين الشعبية. وقد وقّع الرئيس تبون عددا من الاتفاقيات الاستراتيجية لتوسيع العلاقات مع الصين الشعبية في المجالات كافة، كما تلقى ترحيبا من مضيفه تشي جين بينغ، بطلب الجزائر الانضمام إلى مجموعة بريكس الاقتصادية.
في الوقت نفسه تقريبا صدر بيان رسمي عن الديوان الملكي المغربي يعلن فيه أنه تلقى رسالة من رئيس وزراء الكيان الصهيوني يعلن فيها «الاعتراف بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية» ويبلّغ الجانب المغربي أن هذا الموقف سيتجسد في كل أعمال ووثائق الحكومة الإسرائيلية ذات الصلة، وسيتم إخبار الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية، وستدرس إسرائيل مسألة فتح قنصلية لها في مدينة الداخلة تكريسا لقرارها هذا. وفي اليوم نفسه أعلن الكيان عن تعيين العقيد شارون إتاش مستشارا عسكريا في الرباط لأول مرة، حيث سترتفع نسبة تمثيل الكيان إلى سفارة.
وقد أثيرت مسألة المقاربة بين قضية تايوان والصحراء الغربية من لدن عدد من المعلقين وأود في هذا المقال أن أركز على الفروق الموضوعية والقانونية بين مسألة تايوان وقضية الصحراء الغربية، وما إذا كان هناك تشابه بين المسألتين.
قضية تايوان
من القضايا التي تظهر مستوى التآمر الذي لعبته الدول الغربية بعد الحرب العالمية الثانية مسألة تقسيم الدول. فقد قسمت فيتنام بين الشمال والجنوب وقسمت كوريا بين الشمالية والجنوبية وقسمت ألمانيا بين شرقية وغربية وقسم اليمن بين الشمال والجنوب. تايوان واحدة من تلك المسائل التي ما زالت تستخدم ضد الصين ولها قصة طويلة يطول سردها. تعود قصتها إلى أعوام 1949-1952 حيث هزم الليبراليون المدعومون من الغرب في الحرب الأهلية في الصين وانتصر الحزب الشيوعي وأعلن قيام الصين الشعبية. هرب المنهزمون وأقاموا حكومة في «فراموزا» كما كانت تسمى واعترف بها الغرب ممثلا لكل الشعب الصيني الذي كان عدده يزيد عن 450 مليونا بينما لا يزيد سكان الجزيرة عن ثلاثة ملايين، أصبح شن شاي شيك، رئيس «جمهورية الصين» هو الذي يتحدث باسم الصين ويجلس في المقعد الدائم للصين في مجلس الأمن، ويستطيع استخدام الفيتو إلى أن تم التصويت عام 1971 على طرد تايوان من الأمم المتحدة والاعتراف بالصين الشعبية، ممثلا وحيدا للشعب الصيني، وتم تثبيت مبدأ الصين الواحدة في الأمم المتحدة، وما زال القرار ساري المفعول. وهو شرط وضعته الصين على جميع الدول حتى على الولايات المتحدة عندما خرق الرئيس نيكسون المحظور وقام بزيارة للصين عام 1972. وما زال هذا المبدأ ينظم علاقات الصين بالعالم، ولا يوجد إلا 12 دولة تعترف بتايوان معظمها دول في البحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية، مثل غواتيمالا وبيليز (وانسحبت الدولة 13 هندوراس وتسع دول قبلها وأقامت علاقات مع الصين الشعبية)، مقابل المساعدات الهائلة التي تقدمها تايوان، وأشك بأنها ستصمد طويلا أمام المارد الصيني المقبل، حتى الولايات المتحدة لا تدفع باتجاه إعلان الانفصال لأنها تعرف ثمن هذا الاعتراف وأعلى مسؤول زار الجزيرة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب السابق لأنها لا تمثل السلطة التنفيذية. وعندما زارت رئيسة تايوان، تساي إنغ- وين، الولايات المتحدة في شهر مارس الماضي لم يلتق بها مسؤول رفيع من الدولة ولم تعامل كرئيسة بلاد، ولم تتوقف في واشنطن بل في نيويورك ثم لوس أنجلس. المسألة مسألة وقت. وكما عادت هونغ كونغ إلى الوطن الأم بعد استعمار بريطاني لمدة مئة عام، لا بد أن تعود تايوان التي اختطفها العملاء عن الوطن الأم، لكن ضمن سياسة النفس الطويل، حيث سيأتي يوم يكون الانضمام للوطن الأم مفخرة للشعب الصيني الذي يسكن تايوان الآن. إذن ليست هناك قضية اسمها تايوان ولا نزاع دولي ولا قرارات دولية ولا بند على جدول أعمال مجلس الأمن. الغرب المنافق يستخدم هذه الجزيرة ويدعمها ويطور قدراتها العسكرية بشكل جنوني للتنغيص على الصين واستخدامها ورقة ضد الدولة العظمى الصاعدة. وإذا ما كسر ظهر روسيا في أوكرانيا، وهو أمر مستبعد، فانتظروا بدء التحرش في الصين من تايوان للإجهاز عليها والإبقاء على الهيمنة الأمريكية الأوروبية إلى الأبد، كما توقع فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ» بعد انتهاء الحرب الباردة.
الصحراء الغربية
المقارنة بين تايوان والصحراء الغربية ليست بهذه البساطة والمغرب يعرف هذا ويقيم علاقات جيدة مع الصين على هذا الأساس. كما أن تصويت الصين في مجلس الأمن متسق دائما بما ينسجم مع القانون الدولي وجل النزاعات بالحوار والمفاوضات. هناك قضية مطروحة على جدول أعمال المنظمات الدولية اسمها «الصحراء الغربية» منذ عام 1963 كمنطقة متنازع عليها ومن بقايا المناطق التي كانت خاضعة للاستعمار وتخضع لمناقشة سنوية داخل مجلس الأمن واللجنة الرابعة واتخذ فيها عشرات القرارات الملزمة، لأن كل قرارات مجلس الأمن ملزمة حسب البند 25 من الميثاق حتى لو لم تنفذ. المسألة أعقد من اعتراف إسرائيل بالسيادة المغربية، وأعقد حتى من اعتراف الولايات المتحدة. ولو كانت هذه الاعترافات تحل المشكلة لأقفل الملف منذ زمن بعيد. فما زالت القضية مطروحة للنقاش، وهناك مبعوث خاص للأمين العام لمسألة الصحراء الغربية، هو ستيفان ديمستورا، وهناك بعثة أممية لمراقبة وقف إطلاق النار منذ عام 1991 تحت اسم بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، ولها مقرّان واحد في العيون وآخر في تندوف. وتقدم البعثة تقارير دورية عن الحالة في الإقليم وانتهاكات وقف إطلاق النار. وقد عقدت المغرب جولات عديدة من المفاوضات مع جبهة البوليساريو سواء في مقر الأمم المتحدة أو في منهاست أو في جنيف. وهناك أكثر من 40 دولة تقيم علاقات مع الجبهة وهي عضو مؤسس في الاتحاد الافريقي وقد رئست يوما إحدى لجانه وكان المغرب عضوا في هذه اللجنة وخرج المغرب من الاتحاد عام 1984 لمدة 32 سنة بسبب اعتراف منطقة الوحدة الافريقية بالجمهورية الصحراوية لكن المغرب عاد في نهاية 2016 إلى الاتحاد الافريقي لأنه اقتنع بجدوى وجوده في الاتحاد وقدرته على التأثير من الداخل بدل البقاء خارج الاتحاد.
تتلخص مواقف الدول من مسألة النزاع في الصحراء الغربية بشكل شبه واسع حول دعم الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص في إيجاد حل «عادل وشامل بتوافق الأطراف بحيث يضمن حق الشعب في الصحراء الغربية بتقرير المصير». هذا هو الموقف الدولي الذي يتكرر في كل قرارات مجلس الأمن الدولي التي تعتمد سنويا. والاعتراف بمغربية الصحراء مسألة تتعلق بالعلاقات الثنائية بين المغرب وتلك الدول، ولكن لا يعني هذا الاعتراف أن تلك الدولة تدير ظهرها للمرجعية الدولية وموقف مجلس الأمن الدولي، حتى أقرب أصدقاء المغرب مثل فرنسا لم تعترف بمغربية الصحراء. هناك دول رحبت بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي لكنها لم تتقدم نحو الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، بما فيها الولايات المتحدة في عهد بايدن. وقد جاء البيان الختامي الجزائري الصيني دقيقا في هذا الموضوع، إذ نقل حرفيا لغة قرارات الأمم المتحدة حيث أعلن الجانبان «دعمهما للجهود الرامية للوصول إلى حل دائم وعادل في إطار الشرعية الدولية، لاسيما قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره في سياق ترتيبات تتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده».
إن المقارنة بين تايوان والصحراء الغربية يدل على ابتعاد عن الحقائق وتقويل المسائل ما ليس فيها ومحاولة لإقناع الذات بما هو غير موجود. ومن أراد أن يجري مقارنات سليمة بين قضية الصحراء الغربية وقضايا شبيهة فلينظر في قضية كشمير أو تيمور الشرقية أو جنوب السودان. إن حل مشكلة الصحراء الغربية، في رأينا، لا يتم إلا بطرق قانونية ثلاث: أن تتخلى جبهة البوليساريو طوعا عن موضوع حق تقرير المصير الذي نصت عليه كل قرارات الأمم وتقبل بالحكم الذاتي، أو أن يتم إجراء الاستفتاء وتأتي النتيجة لصالح الاندماج في المملكة المغربية، وأخيرا أن يغلق مجلس الأمن الملف تماما بغالبية تسعة أصوات إيجابية دون استخدام الفيتو ويقر مشروع الحكم الذاتي أو أي حل آخر يعترف بالصحراء الغربية جزءا من التراب المغربي وينهي عمل البعثة الأممية. هذه الخيارات الثلاثة غير ممكنة وغير واقعية في الظرف الحالي ولذلك ستبقى الأمور كما هي عليه في الوقت الحاضر، حتى لو زاد عدد المعترفين بمغربية الصحراء.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي