- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
مجدي الحداد يكتب: بين الثقافة النظرية الوصفية و التطبيقات العلمية العملية
مجدي الحداد يكتب: بين الثقافة النظرية الوصفية و التطبيقات العلمية العملية
- 23 يوليو 2023, 2:46:29 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يوما بعد يوم تكتشف حتى أن الثقافة ــ بعضها ــ كانت " مغشوشة " هي الأخرى ، ومقدمة للجماهير في قالب مزور ، وفي أفضل الأحوال كاذب ومدلس .
وعلى غرار تزوير التاريخ ، فكان يجب تطويع الثقافة لكي تتماشى مع هذا النوع من التزوير ، ما يعني تقديم ليس فقط ثقافة مزورة ، ولكن أيضا مغشوشة مدلسة ، أو ممسوخة .
أفضل ما قدمته دولة الكويت الشقيقة للأمة العربية ، وكانت رائدة في ذلك ، في حقيقة الأمر ، هي كل من مجلة العربي ، وعالم المعرفة ــ وتبعها بعدئذ مطبوعات عديدة منها عالم الفكر ، و غيرها ــ و قد اقتفت أثرها بعدئذ كل من قطر والسعودية ، فأصدرا على التوالي مجلات ؛ الدوحة ، والأمة ، والفيصل .
ولكن كان يبدو لي دائما أن الثقافة العربية تهتم عموما بالجانب الوصفي ، ولدرجة الاستغراق فيه ، و أكثر كثيرا ــ وفي أحايين كثيرة ــ من الجانب الموضوعي ، ما يسمها ، في نهاية المطاف بما يمكن أن نسميه ب ؛ " الثقافة ، أو المعرفة ، الوصفية " .
يعني مثلا كأن تهتم بالحياة الخاصة لنيوتن ، أو أديسون ، وترتيبه بين اشقائه في العائلة ، وحياته الاجتماعية ، والدينية ، وهل كان كاثوليكي ، أو بروتستانتي ، أو ملحد . وثروته التي كونها من اختراعاته ، و الحروب التي خاضها مع تيسلا ، لكنها لا تكلمنا ــ أي الثقافة العربية ــ مثلا عن إختراع واحد لأديسون يمكن إجراءه تطبيقيا في معمل المدرسة .
وهذا ينقلنا بدوره إلى الدرجة الثانية من المعرفة الوصفية ، وهي الولع بكل ما هو نظري ــ لأسباب عديدة لا يسع المقام ، أو هذا المقال لسردها ، ، وتناولها بالشرح و التحليل ــ على حساب كل ما هو تطبيقي .
والدرجة الثالثة والأخيرة ، ومن وجهة نظري المتواضعة ، للثقافة الوصفية ، هو الانتصار لشخص معين ، أو فريق من الفرق دون مسوغ عملي ، أو نظري ، أو حتى أخلاقي .
ودعونا نضرب مثلا واحد على تلك الدرجة الثالثة من الثقافة ، أو المعرفة ، الوصفية ؛ كالانتصار مثلا لفولتير ، والذي عُرف في ثقافتنا العربية بدفاعه عن الحريات المدنية ، و خاصة حرية العقيدة ، والمساواة ، وكرامة الإنسان ، وذلك على حساب جان جاك روسو ، والذي واجه صعوبات اجتماعية في طفولته ، وعدم توافق فكري ، مع معاصريه في الكبر ، وحتى طريقة تفكيره .
فكلنا نتذكر ، كما نردد أحيانا مقولة شهيرة لفولتير ــ للحد الذي ربما جعلنا نؤمن بعدم وجود فيلسوف غيره من فلاسفة عصر التنوير يستحق حتى أن نقرأ له ــ وهو قوله : " قد اختلف معك بالرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك " .
لكن هل كان أحد يعلم قوله : " إننا لم ندّعِ أبدا تنوير صناع الأحذية والخادمات "؟ . وقد مدح فولتير ــ والمناصر للحريات ! ــ قطع امبراطور روسيا الأسبق ؛ بطرس الأكبر رؤوس الكثير من حرس قصره المتمردين بقوله انه وجه ضربة قوية للتعصب الديني " . كما حث فولتير إمبراطورة روسيا كاترين على تلقين التنوير الأوربي للبولنديين والأتراك بفوهات البنادق . كما حث كاترين على تعلم اليونانية ، وذلك عندما كانت تستتعد للحرب ضد الامبراطورية العثمانية مضيفا : " انه من الضروري طرد اللغة التركية وكل من يتكلمون بها من القارة الأوربية " ــ وهذا ربما يفسر الجذور التاريخية لرفض المنظومة الأوربية انضمام تركيا للاتحاد الأوربي من جهة ، وكذا العداء التاريخي بين اليونان وتركيا من جهة أخرى .
كما شهر فولتير بروسو ورأي فيه متشردا يرغب في رؤية الفقير يسرق الغني ".
وكان فولتير ضد الثورة ، وكان مؤيدا لأي نظام ملكي يُحيد الأرستقراطيين ورجال الكنيسة ، ويفسح المجال لأمثاله .
والمدهش انه عند موت فولتير في عام 1878 اتضح انه كان أغنى أفراد العامة في أوروبا كلها !***
بينما أعتقد روسو من ناحية أخرى أن الحرية ليست كامنة بالضرورة في نمط حكم معين ، بل مكانها قلب الرجل الخير ، واعتبر كاترين ، وبعد تقسيمها لبولندا ، معتدية وجبارة . كما كان روسو ، أبا ، أو منظرا ، وناصرا ، ومؤيدا للثورة الفرنسية ذاتها ."*
تلك إذن مجرد رؤية ذاتية لحال الثقافة العربية منذ سبعينات القرن الماضي ــ وحتى وقتنا الحالي ، فإن أصبت فلي أجران ، وإن أخطأت فلي أجر الاجتهاد .
__________________________________________________
* " زمن الغضب ــ تأريخ الحاضر " . تأليف : بانكاج مشيرا ، ترجمة معاوية سعدوني ؛ عالم المعرفة ؛ العدد 505 ، إبريل 2023 .