مشهد

روبين وليامز .. وجع الحياة

 لماذا إنتحر روبين وليامز؟ 

سؤال ظل يطاردنى طوال الأيام الفائتة. لم أكن أنا صاحب السؤال ، بل كنت أتلقاه من الأصدقاء الذين لم ينتظروا إجابة بقدر ما كانوا يعلنون عن تعجبهم من إنتحار فنان كان دوره فى الحياة منحصرا فى حفر دروب من المقاومة عبر الضحكات فى غابة الحياة المليئة بأشجار الهم العتيقة . 

بالنسبة لى كان  خبر الوفاة وحده صادما . وحين عرفت أن الموت كان إنتحارا وبإصرار تمثل فى قطع الشرايين بسكين ثم تأكيده بشنق عبر حزام علق طرفه فى قبضة الباب المغلق بإحكام ، زاد ألمى وحزنى على من كنت أعتبره أحد أهم المضحكين فى العالم . ووجدتنى أساءله : " لماذا يا روبين ؟... أى حزن كان يثقل روحك إلى هذا القدر الذى جعلك ترى فى الموت راحة من كل هم ؟ " 

وظللت طوال مساء كامل أداعب زر جهازى أستعرض صور روبين المختلفة الأوضاع والمأخوذة من مشاهد أفلام عدة . وفاجأة وأنا أقرب كل صورة أكثر وأكثر وجدتنى أتأمل عيناه . يا الله ..كيف لم نفطن إلى هذه النظرة التى نجحت بسمة الشفاه المغلقة أن تلفت نظرنا عنها ؟ وظللت مثبتا إحدى صوره التى كبرتها إلى أقصى درجة لأتأمل أكثر عينيه المكللتين بحزن جليل وأنا أردد " أكنت تحمل كل هذا القدر ولم نكن نراك إلا الضاحك المضحك ؟ " .

عينا روبين كانت بالنسبة لى إجابة عن سؤالى اللغز " كيف لإنسان حقق كل هذه الشهرة وحصد كل هذا القدر من حب الناس فى كل قارات العالم أن ينهى حياته مختارا ؟ " ... نعم ... أجابتنى عينا روبين وفهمت واستوعبت أكثر بيت شعر لمحمود درويش كنت أردده بين حين وحين معجبا بتكثيفه لمعنى الموت . ( فإن أسباب الوفاة كثيرة ... من بينها وجع الحياة ) .

وجع الحياة ... يا الله . كم أنت قابض على المعنى يا درويش ، وأظن أن روبين وليامز نفسه حين سيسألونه – هناك – عن السبب لن يجد أكثف ولا أكمل من تعبيرك هذا ... ولكن ترى هل قرأك روبين يا محمود ليعرف الإجابة ، أم أنك ستستقبله على باب ال (هناك ) وتلقنه ما يجب أن يقوله وهو ما يزال يرسم بسمته الحنون على وجهه ؟ 

روبين وليامز ... لا أعلم إن كنتم هناك تقرأون ، أوبأى لغة هى قراءاتكم،  لتقرأ ما أخطه الآن ... لكننى أثق أنك ستفهم من حفاوة استقبالك هناك ومن رقة من يصحبونك إلى ملاذك الآخير، أن تلك الحفاوة وذلك الحنو سببه حزن محبيك هنا ودعائهم لك . فأهنأ بما ستلقى ولا تنسى أن تبلغهم هناك سلامنا .